اخر الاخبار

كل يوم بلا انقطاع ومنذ العام 2003، تتناقل وكالات الانباء نزاعا عشائريا هنا، ودكة عشائرية هناك، أو قيام قاتل بفتح النار على المارة بلا سبب كما حدث مؤخرا في مدينة الحرية، أو استعمال متفجرات في نزاع عشائري كما جرى بالأمس في الطالبية، أو رمي قنبلة على منزل في الحميدية شرق بغداد، أو ما حدث في حي القاهرة مؤخرا من تقاتل بالرصاص أثناء عودة الموظفين من دوامهم بين فريقين لأسباب تتعلق بالديون المتبادلة بينها، أو تمرد السلاح ليقتل به طبيبا أخصائيا وباختصاص نادر جدا، وبهذا السلاح أيضا تم تصفية الكثير جدا من الكفاءات العلمية،  والغريب أن مجتمعنا أخذ تدريجيا بالتعود أو التأقلم مع هذه الحوادث والتي باتت تشكل ظواهر تهدد كل لحظة حياة مواطن مستطرق أو قتل آخر ينتظر واسطة نقل جراء رمي عشوائي أو إطلاق نار هناك لرجل لم يكن مدربا على حمل السلاح أو استعماله، والغريب أن الدولة تتنازل مع سبق الإصرار عن أدوارها الأمنية لصالح العشائر، عندما شكلت مديرية عامة لشؤون العشائر في وزارة الداخلية، أو أن القضاء يتراجع ليعترف بقوة الفصول تاركا المجال رحبا لتجاوز القانون والأصول، والأغرب أن الدولة تتخذ قرارا تعترف بموجبه بصحة احتفاظ المواطن بقطعة سلاح بداره، وهو اعتراف ضمني بحق المواطن بالدفاع عن نفسه بهذا السلاح متنازلة عن واجبها القانوني لصالح الانفلات الأمني، وان مسألة التسجيل هي ضمانة الحائز على إمكانية الاستعمال دون واعز من قانون أو دون الالتفات إلى النتائج.

أن العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 وبرغم قوة العشائر في ظل قانون دعاوى العشائر الذي أصدره القائد العام للجيوش البريطانية عام 1918، والذي تم بموجبه جعل الشيخ قاضيا، وتم تزويدها بالسلاح لحماية طرق وممرات الجيوش البريطانية. نقول إن العراق حتى عام 2003 لم يكن ليسمح بأي شكل من الأشكال بحمل السلاح في العلن أو استعماله في المحن، وان حمل المسدس الشخصي كان بموجب إجازة من وزارة الداخلية ولأسباب محددة تأتي في مقدمتها حمل السلاح للدفاع عن الأمن أو نقل أموال الدولة.

إن تراجع المجتمع عن كوابحه الثابتة لصالح أبنائه الخارجين عن محدداته، والعودة إلى مقولة البدوي نهاب وهاب، وتراجع الدولة عن لب مهامها الأمنية لصالح العشائر أو لصالح الاحتفاظ بالسلاح إضافة إلى انتشار التعاطي، وتراجع التعليم وانتشار الأمية، كلها عوامل باتت تنخر الأمن المجتمعي، والحلول واضحة ويمكن إدراجها على النحو التالي وحسب الأولوية.

أولا: إصدار قرار يمنع حيازة السلاح لأي سبب كان أو لأي شخص مهما كان، ويمكن للدولة اتخاذ مثل هذا القرار إذا كان قادتها لا يملكون عقلية سلطة العشيرة أو النزعة الفردية. ويقدر الاختصاصيون أن ما بيد الأفراد من السلاح بجميع أنواعه يناهز الثمانية عشر مليونا وعلى عموم مساحة العراق. ويمكن أن يكون سحب السلاح بكل أنواعه بدفع أثمانها أو بقوة القانون، وليعلم الجميع أن أغلب السلاح المتداول يعود إلى الدولة وتمت سرقته من معسكرات الجيش السابق بتحريض امريكي.

ثانيا: دعم القضاة وحمايتهم والتوجيه بعدم الركون إلى الفصول في حسم النزاعات الفردية أو العشائرية بل العودة إلى قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ففيه ما يمكن لقواعده معالجة الجرائم التي حدثت والتي ستحدث بكل أنواعها ومسمياتها.

ثالثا: التوجيه بتشديد العقوبات بكل مقاصدها، والعمل على صرامة التنفيذ ففيه قصاص يا أصحاب العقول.

رابعا: عدم تعاطي أجهزة الدولة مع العشائر أو الأشخاص إلا بموجب قواعد العلاقة بين صاحب السيادة ومن يخضع لها قسرا.

خامسا: إعادة النظر بهيكلية مراكز الشرطة، والعمل على تغيير عناصرها قدر الإمكان، بما يضمن الحيادية وتطبيق قواعد القانون.

سادسا: الاهتمام بنزاهة التحقيق الأولي والعودة إلى ميزان العدل وتحديد السبب والمقصر والتوصية بأشد العقوبات.

سابعا: المضي بإجراءات أكثر صرامة لمكافحة المخدرات ودفع وزارة الداخلية نحو المزيد من التنسيق مع السلطات في الدول المجاورة للحد من عبور مافيات تجارة المخدرات، والحال في كل لحظة يتم القبض على كميات من المخدر وعصابات التهريب، وهذا القبض داخل الأراضي العراقية يشير بشكل سافر إلى ضعف في مسك الحدود ومنافذها الرسمية وغير الرسمية.

ثامنا: إن وزارة الداخلية تعمل مشكورة على مكافحة آفة المخدرات، ولكن صار الأمر متعلقا بالوصول إلى المدارس أو الجامعات، وهذا يتطلب جهدا استخباريا حقيقيا لحماية الأجيال.

أن ما يعانيه العراق من انفلات أمني مرده إلى الوهن الذي أصاب جسد الدولة بفعل التخريب الأمريكي أو تغلغل غريب لجهات كثيرة تعمل على تراجع اجتماعي مميت بدءا بمغادرة قيود الأسرة وانتهاء بفلتان العشائر، وأن العامل الأول والأساس بعد كل ما تقدم هو الفقر الذي جر المجتمع إلى الوراء والأمية التي أفقدت المجتمع بوصلة العقل، وبالتالي فإن ضعف الدولة وتراخي المجتمع سيعملان على استمرار الجريمة، ما لم يقف الجميع كتلة واحدة ضدها والعمل على تراجعها، وان أي شعب يتخلى عن مبادئه يكون عرضة للوهن، وان قرن العلوم لا يحتاج للبنادق بقدر ما يحتاج للمعرفة والمبادئ، والا فإن العاقبة الأكبر سيحملها لنا قادم الايام، والحليم تكفيه إشارة الإبهام.