اخر الاخبار

عمل حزبنا لعقود طويلة وسط ظروف صعبة وشديدة التعقيد، واستطاع خلالها ان يقارع ببسالة الحكومات الرجعية والاستبدادية المتعاقبة من جهة، وان يقف على قدميه متصديا لكل محاولات النيل من وحدته من جهة اخرى. لكنّ نظرة سريعة وعميقة الى ذلك التاريخ، تجعلنا ان نتبين، ان الظروف التي نعيشها اليوم تختلف جذريا عن سابقتها، وهذا ما يدفعنا بشكل جدي ومسؤول الى قراءة تجربتنا التاريخية بصورة نقدية وموضوعية لكي نتمكن من اداء مهامنا الجديدة التي يتطلبها عالمنا الجديد، الخالي من القيود، والمستند على قاعدة التعددية والحوار المفتوح والتفاعل الشامل الذي فرضته الثورة الرقمية.

لقد جرت تحولات هائلة وتبدلات كبيرة في جميع قطاعات الحياة وميادينها، وظهرت بيئة جديدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. ونتيجة الى التقدم السريع في مجال العلوم وتكنلوجيا الاتصالات، يعيش العالم في فضاء رقمي لا يمكن الاستهانة به او تجاهله. ان هذا الفضاء الذي فرض نفسه بقوة، غيّر طريقة حياة البشر، وخلق انسانا مختلفا في وعيه وتفكيره ومزاجه واحتياجاته (السوسيو نفسية). بمعنى اخر ان هذا الانسان المختلف في تفكيره وآماله والذي يطمح الى ان يكون فاعلا ومتفاعلا، لم يجد في التنظيم الحزبي ما يمنحه الفرصة الكافية لكي يكون كذلك، بينما يستجيب المجتمع الافتراضي للكثير من تطلعاته واحلامه.

ولهذا تقع على الحزب مسؤولية المراهنة في خوض السباق مع هذه التحولات الكبيرة والمتسارعة، من اجل ان يواكب روح العصر ويتفاعل معه ايجابيا. ولكي يستطيع حزبنا ان يقدم اجابات شافية على ما تطرحه الحياة من اسئلة ومستجدات، وان يقدم للجيل الجديد مساحة اضافية الى ما تمنحه اياه شبكات التواصل الاجتماعي في التاثير والممارسة السياسية، عليه ان يعيد صياغة اساليب ومبادئ حياته الداخلية، وطريقة رسم سياساته التكتيكية والاستراتيجية، وآليات علاقاته في المجتمع وفئاته المختلفة بطريقة لا تتعارض مع المتغيرات الحاصلة في الوعي والمزاج العام الذي خلقته وسائل التواصل وتكنلوجيا المعلومات. وعليه ايضا ان يثقف رفاقه واصدقاءه بأهمية محاربة الافكار الانعزالية والجمود العقائدي، وان يشيع الحيوية النضالية والحضور المميز لمنظماته، وان يوصي بالابتعاد عن جميع الممارسات والشعارات الديماغوجية التي لا تعبّر عن السردية اليومية لابناء شعبنا.

ان القواعد والاساليب التنظيمية المتبعة في الحياة الحزبية الداخلية، تكاد تكون هي نفسها منذ السنوات الاولى لتاسيس الحزب وحتى يومنا هذا، ولم يطرأ عليها تغيير جوهري يمكن الاشارة له، فبالرغم من اختلاف الظروف التي عمل في ظلها الحزب جذريا، ظلت تلك الاساليب التنظيمية في الداخل والخارج تتمتع بقدسية لا يمكن الاقتراب منها والمساس بها، وهذا ما ادى الى اتساع الفجوة بين البنية التنظيمية والاداء السياسي لمنظمات الحزب.

لقد سبق وان تفاءلنا بالنوايا والتوجهات التي تدعو منظمات الحزب الى النقاش الواسع من اجل ايجاد حلول مناسبة لمشكلات الحزب التنظيمية والاعلامية، تجسد ذلك في الورقتين: 1: الورقة التنظيمية المقدمة الى المجلس الحزبي السابع المنعقد في 24 شباط 2023. و 2: الورقة الاعلامية المقدمة الى اجتماع الاعلام المركزي الموسع، ولكن للاسف، لم يحصل الاهتمام الكافي بمئات الافكار والاراء والمعالجات التي قدمها الرفاق على ضوء هاتين الورقتين.

اما اليوم، وقد اظهرت نتائج انتخابات مجالس المحافظات حجم الهوة بين منظمات الحزب والقاعدة الجماهيرية، فالامر يقتضي وباسرع وقت ممكن (( مراجعة شاملة لسياسات الحزب في جميع ميادين عمله، ورسم سياسات جديدة تستند بالدرجة الاولى الى مصالح شعبنا وبلدنا، وتعمل على تنفيذها قيادة، تستلهم عزيمتها واصرارها من التراث الثوري الطويل لحزبنا )).

عرض مقالات: