جونيلا لوندال  (كاتبة وناشطة نسائية)

نريد أن نتحدث عن السلام، ففي كواليس المحادثات العامة الجارية لتوسيع حلف شمال الأطلسي ودعم حكومة كييف والضخ المتواصل للأسلحة من أجل تغذية الحرب في غزة، تتسرب في الغالب سموم الشعور بالتفوق ومعاداة السامية وكراهية الإسلام، بحجة حماية الأمن!

في الأسابيع الأخيرة، لقي الآلاف من الفلسطينيين حتفهم جراء القصف الأسرائيلي على غزة، وكان 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال، حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الأونروا. وتشير وزارة الصحة في تل ابيب إلى مقتل أكثر من 1200 شخص وإصابة ما يقرب من 3500 آخرين. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فأن أكثر من 3450 طفلا قتلوا في غزة خلال الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول.

نساء من أجل السلام

نريد أن نتحدث عن السلام، عن نضال نساء العالم من أجله. نذهب للمكتبة للبحث عن دور النساء المدافعات عن السلام. نتصفح كتب التاريخ ونقرأ كيف تعرضت النساء اللاتي ناضلن من أجل السلام، مرارًا وتكرارًا للسخرية والرسوم الكاريكاتورية، إذ أعتبرت أفكار السلام أصلاً مخصصة فقط للنساء المسنات والرجال المحنطين.

في قبو المكتبة، نجد بيرثا فون سوتنر، التي تولت وظيفة السكرتيرة الخاصة لألفريد نوبل، وأصبحت في نهاية المطاف من جماعات الضغط القوية من أجل السلام وألهمت ملك الديناميت لتأسيس جائزة نوبل للسلام، واصدرت كتابها الشهير (تسقط الأسلحة) في العام 1889، وكيف تمكنت بيرتا من التأثير الإيجابي على قرارات مؤتمر السلام في لاهاي عام 1915.

وفي الطابق السفلي أيضاً توجد إلين كي التي ترسم صورة فون سوتنر كرسولة للسلام في كتاب امرأتان رائدتان في الكفاح ضد الحرب، والذي صدر في عام 1918. بدأت إلين كي بنفسها كتابها الأكثر مبيعًا «قرن الطفل» من خلال تشبيه القرن الجديد بطفل عارٍ يهبط على كرة مليئة بالأسلحة، وكانت قد اصدرت قبلها كتاب «الحرب والسلام والمستقبل» في 1914.

ونجد أيضًا إلين فاجنر التي كانت ناشطة سلام وصحفية وكاتبة، والتي شاركت في مؤتمر المرأة العالمي في لاهاي عام 1915، واطلقت بكتابها (المنبه) في العام 1941، نداء اليقظة الذي جعل الكثير من الناس يستيقظون، ويدركون الحاجة لصنع السلام بشكل مشترك بإعتباره قضية وجودية معاصرة.

وعند المدخل، نجد المدافعين عن السلام، وهم يحتفون بمرور قرن على ولادة الناشطة سارة ليدمان، إحدى أقوى أصوات السلام والمقاومة المدنية في العصر الحديث. ففي عام 1960 ذهبت إلى جنوب أفريقيا وبعد سنوات قليلة إلى كينيا حيث كتبت روايات سياسية. في عام 1966، صدر كتاب التحقيقات «محادثات في هانوي» بعد إقامة لمدة شهر في فيتنام. قي عام 1967، كانت واحدة من أعضاء محكمة راسل في ستوكهولم إلى جانب برتراند راسل وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، وهي محكمة أنشئت لمحاسبة الولايات المتحدة عن جرائم الحرب في فيتنام.

وفيما نحن منهمكات في البحث، ظهر وزير التراث الثقافي الإسرائيلي على الراديو وأقترح شن هجوم نووي على قطاع غزة، حتى لو تم التضحية بالرهائن، رغم الإدعاءات الرسمية لحكومته بأنها لا تمتلك أسلحة نووية. فتجمدت الدهشة على وجوهنا وأدركنا بأن الحديث عن السلام يبقى كما كان، غارقاً في جحيم الصراع على الموارد للوصول إلى طموحات النمو، ويبقون يعتبرون السلام أمراً ساذجًا ويوتوبيا مستحيلة.

كيف نستعيد الأمل بالسلام اليوم؟

في عام 1956، قالت سارة ليدمان « نحن لا نحترم السلام كما يستحق، ومع ذلك ندرك أنه أمر غير قابل للتصرف. لذلك نناشد الأمم المتحدة أن تنقذ السلام وفي إطاره تعيد الحرية للشعوب المضطهدة. وعندما نناشد الأمم المتحدة، يجب علينا أن نفعل ذلك باقتناع شديد. ليس هناك ما هو أخطر الآن من عبارات مثل «ما فائدة مما تقوله الأمم المتحدة، القوى العظمى تفعل ما تريد على أي حال».

هل تغير شيء منذ ذلك الحين؟ هل يمكن أن نتحدث عن السلام اليوم؟ ألم يأن الأوان للتذكير بقرار الأمم المتحدة رقم 1325 الذي صدر عام 2000، والمتعلق بحق المرأة في المشاركة وفي الأمن والسلام وإعادة الإعمار؟! ألم يحن الوقت للإصغاء لنداءات السلام التي تصدرها الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (منظمة ICAN)، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام في أوسلو، والتي تضم في صفوفها حوالي مائة جهة فاعلة تعمل ضد الأسلحة النووية، بما في ذلك أطباء ضد الأسلحة النووية، والجمعية السويدية للسلام والتحكيم، والنساء للنساء، والاتحاد النسائي الدولي للسلام والحرية؟! كيف يمكننا مواصلة الحديث عن السلام وعدد القتلى في غزة بازدياد، ومستشفياتها أصبحت خارج الخدمة تمامًا، بسبب نقص الوقود أو الكهرباء لتقديم الرعاية.

لماذا أصوات النساء مهمة جدًا؟

تجيب الدراسات على أن المجتمعات التي يتم فيها تمكين المرأة من المشاركة النشطة في السياسة والاقتصاد والثقافة والحياة المجتمعية، تكون أقل ميلاً للعنف وأكثر ديمقراطية واحتراماً لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، فإن النساء غائبات بشكل شبه كامل عن معظم مفاوضات السلام الرسمية وعن عمليات صنع القرار مما يترك دوماً عواقب سلبية على تنظيم اتفاقيات السلام وتنفيذها. في تشرين الثاني الماضي، كتبت بلسم كرم (*) تقول: مهمتنا الأصغر، نحن الذين نشتغل بالكلمات، يجب أن تكون في مكان ما لصياغة أنفسنا حول ما نراه. على الأقل، أن نكون مكبرات للمعلومات التي تأتي عن الحرب . هذا الخلل في قدرة الصوت على التحدث بوضوح عن المأساة، لكنه يبقى صامتا في وجه الواقع، يجعله بلا مصداقية ولا قيم بارزة.

لا أعلم. كل ما أعرفه هو أن سارة ليدمان ادعت عدة مرات أن عملها الرئيسي، جاء بفضل مشاركتها في الدفاع عن فيتنام.

وسيسيليا ويدنهايم (ناشطة أممية)

بدلا من الثلج، تسقط القنابل الآن على غزة، فيما تبقى أمنية الأطفال الوحيدة هي اللعب بسلام. وبدلاً من النور والفرح، تشتد المعاناة وعدم اليقين وتهز القنابل وعدوانية الجيش والرعب وفقدان الأحبة، أركان الحياة اليومية هناك.

إحصائيات مرعبة

ورغم أن لا أحد ينبغي أن يكون فوق القانون الدولي، فإن القصف الشامل لغزة، وزيادة العنف ضد المدنيين في بقية أنحاء فلسطين، لا يمكن تبريره بما جرى في 7 أكتوبر. فقد كان 70 بالمائة من الضحايا من النساء والأطفال. أرواح بريئة لا تحلم إلا بالعيش بسلام. الأمهات اللاتي يرغبن في رؤية أطفالهن يكبرون في سلام وأمان. الأطفال الذين ربما يحلمون بتعلم ركوب الدراجة أو السباحة أو مجرد الضحك واللعب مع أصدقائهم، فيما تنطفـئ، بدلا من ذلك، أضواؤهم.

تشير تقارير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن هناك حاليًا حوالي 50000 امرأة حامل في غزة. وهذا يعني أن حوالي 5000 طفل سيولدون في بؤس غزة في الشهر المقبل، أي حوالي 180 طفلاً يوميًا. وتشير التقديرات أيضًا إلى أن ما يصل إلى أكثر من 10000 طفل أصبحوا بلا آباء بالفعل.

وبما أن المستشفيات ليس لديها كهرباء صالحة للعمل وغيرها من المعدات الضرورية، فإن الأمهات الحوامل ليس لديهن إمكانية الحصول على المساعدة. إن الأطفال حديثي الولادة الذين يولدون بمضاعفات ليس لديهم أي فرصة للبقاء على قيد الحياة نظرًا لعدم وجود المعدات الطبية المناسبة. يضطر الآباء الجدد إلى رؤية اطفالهم حديثي الولادة يموتون، دون أن يتمكنوا من فعل شيء لتجنب ذلك، إنها صدمة ستظل راسخة في ذاكرة وحياة هؤلاء الآباء إلى الأبد.

يجب أن يتوقف إطلاق النار، نحن المدافعات عن السلام، نطالب الأمم المتحدة، بأن تفعل شيئا وتنهي المعاناة والاحتلال وتعيد الأمن والسلام للمنطقة.

لينا ستينبرغ (كاتبة)

إنه العام الجديد 2024، وما زالت أحلام السلام، هي نفسها، معلقة في الهواء. هل يبدو ذلك مأساوياً؟ نعم، لكن هذا للأسف هو المدى الذي وصلت إليه الأمور، حيث يتم التضييق على المنظمات والشخصيات المدافعة عن السلام، فيما تقرع طبول الحرب، وتنتشر الدعوات للمزيد من التسلح. هل يمكن لأحد أن يتحدث عن مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا؟ بين الاسرائيليين والفلسطينيين؟ هل يمكن أن ندافع عن التضامن الدولي؟ هل يمكن أن نطالب بنزع سلاحنا واتباع سياسة عدم الانحياز؟ بالطبع لا. بل وأكثر، يمكن أن نتعرض للسخرية والتخوين، بسبب اسئلتنا هذه، وأن تُتهم بالعمالة لبوتين ومعاداة السامية ومناصرة التطرف «الإسلامي» وبالكثير من التهم الأخرى.

عودة للسلاح

إنه العام الجديد 2024، والعالم منهمك بإعادة التسلح. فوفقا لمعهد السلام، لا تزال الولايات المتحدة في المقدمة، بإنفاق ضخم يبلغ 292 مليار دولار سنويا على الدفاع، في وقت تضاعف فيه الإنفاق العسكري الروسي أكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2000، وكان التسلح في الصين الأسرع، حيث تضاعف الإنفاق الحربي لأكثر من أربعة أضعاف خلال نفس الفترة، ومن المتوقع أن تحتل الصين المركز الأول في عشرينيات هذا القرن.

إنه العام الجديد 2024، ويبدو كل شيء وكأنه مألوف جدًا. أوجه التشابه مع السنوات التي سبقت عام 1914 تبدو مخيفة. من المؤكد أننا نتذكر دروس التاريخ المدرسية حول الحرب العالمية الأولى، كيف تصاعدت فيها الأفكار القومية العنصرية واشتد سباق التسلح والعسكرة المتطرفة، وتم اختبار آلات قتل جديدة وأسلحة كيميائية وقنابل، وتم إنفاق مبالغ فلكية على أجهزة الحرب في العالم، حتى بات اندلاع الحرب، التي أدت لمقتل 10 ملايين جندي و7 ملايين مدني، أمر لا مفر منه. ولكن، لابد أن نتذكر أيضاً بأنهم أسكتوا حينها حركات السلام وقمعوا الأصوات المعارضة لإعادة التسلح، كما يحدث اليوم تماماً.

لنقاوم الحرب إذن!

ورغم ذلك، تأسست في ألمانيا في العام 1914 منظمة Deutsche Liga für Menschenrechte، وهي منظمة لحقوق الإنسان، ضمت ألبرت أينشتاين وليلي جاناش وستيفان شفايغ وغيرهم، ونشطت عشرات المنظمات الأخرى، ولا اعتقد انه بدون ذلك النشاط، كان يمكن لعصبة الأمم أو للأمم المتحدة أن ترى النور!

ورغم صعوبة الواقع اليوم، فإن النزعة السلمية ما زالت قوية لدى الناس، لذلك دعونا نقاوم حرارة الحرب، دعونا نقف مستعدين، معًا، ونتجرأ على الإيمان بأننا سننتصر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* كاتبة سويدية من أصل عراقي

عرض مقالات: