اخر الاخبار

تعود العلاقات التاريخية بين العالم العربي والصين إلى الماضي السحيق، وتمتد على طوال قرون مضت. كان طريق الحرير بمثابة شريان حيوي لتبادل السلع والأفكار والثقافة. وكانت المدن القديمة في شبه الجزيرة العربية والصين مراكز للتبادل التجاري والفكري، مما عزز الاحترام والتفاهم المتبادل.

إن العلاقات الثقافية المستمرة بين الدول العربية والصين تشهد على عالمية الفكر الإنساني. ومن الأدب والفن إلى الفلسفة وفن الطهي، أثرت المنطقتان على بعضهما البعض، مما أدى إلى خلق فسيفساء ثقافية تعكس جمال العقليات المتنوعة. كان الاحترام المشترك للتقاليد بمثابة الأساس لتشكيل جسر بين هذه الشعوب، متجاوزًا الحدود المادية.

وفي العصر الحديث، ازدهر التعاون الاقتصادي بشكل أكبر، مما أتاح الفرصة والإمكانات لتحقيق نمو متبادل هائل على الجانبين. لقد خلقت مبادرة الحزام والطريق إطارا لتحسين الاتصالات وتسهيل فرص التجارة والاستثمار. ولم يؤدي تنويع الشراكات الاقتصادية إلى تعزيز اقتصادات البلدين فحسب، بل عزز أيضا الابتكار وتبادل التكنولوجيا.

وقد تطورت العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والصين إلى شراكة متينة تقوم على أساس الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة. وأصبحت الزيارات المنتظمة رفيعة المستوى والتبادلات الدبلوماسية أمرا شائعا، مما أدى إلى خلق منصة للحوار المفتوح والتعاون بشأن القضايا العالمية. وقد أعرب الجانبان باستمرار عن التزامهما بالحفاظ على السلام والاستقرار والرخاء على الساحة العالمية.

وتتمتع الصين وفلسطين بتاريخ غني من العلاقات الدبلوماسية، التي قدمت على مر القرون دعما موثوقا به في بناء شراكة متعددة الأطراف ودائمة. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفلسطين إلى عام 1967، عندما اعترفت الصين رسميا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. ومنذ ذلك الحين، دعم الجانبان بعضهما البعض على مختلف المنصات الدولية.

وتتمتع الصين وفلسطين بأساس قوي من العلاقات الدبلوماسية التي تتسم بالاحترام والدعم المتبادلين. وقد دعت الصين باستمرار إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة وإيجاد حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويشارك الجانبان بنشاط في تبادلات دبلوماسية رفيعة المستوى، مما يعزز الشعور بالتضامن في القضايا العالمية. وينسجم الموقف الدبلوماسي الصيني مع الرؤية الفلسطينية لحل النزاع؛ فالصين تدعم الجوار السلمي بين الشعبين وتدعو إلى إقامة دولتين منفصلتين في الشرق الأوسط («مبدأ حل الدولتين»).

وشهد التعاون الاقتصادي الثنائي تطورا في السنوات الأخيرة. وقد قدمت الصين مساهمات كبيرة للتنمية الاقتصادية الفلسطينية من خلال المساعدات والاستثمارات. وأصبحت مشاريع البنية التحتية ونقل التكنولوجيا ومبادرات تنمية القدرات جوانب رئيسية في الشراكة الاقتصادية بينهما. وقد فتحت مبادرة الحزام والطريق آفاقا جديدة للتعاون، وتحسين الاتصالات والفرص التجارية لكلا البلدين.

وتلعب الدبلوماسية الثقافية دورا هاما في تعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين الصين وفلسطين. ويعمل العديد من برامج التبادل الثقافي والتعاون الأكاديمي والتفاعلات الشخصية على تعميق العلاقات الثقافية بين الطرفين. وتعمل برامج تعليم اللغة والمعارض الفنية والمبادرات البحثية المشتركة على تعزيز التبادل الغني للأفكار، وتعميق التقدير لتراث بعضنا البعض.

إن التفاعل المستمر بين الصين وفلسطين في المشاريع الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية والتبادلات الثقافية سوف يستمر في تعزيز العلاقات الثنائية. إن دور الصين كعملاق اقتصادي عالمي ومروج للعدالة الدولية يجعلها حليفاً مهماً لفلسطين وهي تسعى جاهدة لتحقيق طموحاتها في إقامة دولة كاملة بالإضافة إلى الرخاء الاقتصادي وتوفير الحياة الكريمة لشعبها.

إن العلاقات بين الصين وفلسطين مبنية على أساس الاحترام المتبادل والدعم الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي. إن المسار الإيجابي لعلاقاتهما الثنائية، والذي تعبر عنه الرغبة المشتركة في السلام والتنمية، هو نذير بمستقبل مناسب. ومع استمرار الصين وفلسطين في التعاون في مختلف المجالات، فإن آفاق الشراكة المزدهرة وطويلة الأمد توفر الأمل في مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للدولتين.

 وأجرى عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي في 20 تشرين الأول 2023، محادثات مع وفد من وزراء الخارجية العرب والإسلاميين. وضم الوفد وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرسودي، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي عيسى إبراهيم طه. وأشار وانغ يي إلى أن اختيار الوفد للصين كمحطة أولى في جولته الدولية للمفاوضات يظهر الثقة العميقة في البلاد ويعكس تقليد التفاهم والدعم المتبادل بين الطرفين. والصين، بحسب وانغ يي، حليف دائم للشريك التاريخي للدول العربية والإسلامية.

وخلال المحادثات، أكد وانغ يي أن الصين تقف دائما إلى جانب حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول العربية والإسلامية، ودعم النضال العادل للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه ومصالحه الوطنية المشروعة. وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أعربت الصين عن موقف واضح من العدالة والإنصاف، وبذلت جهودا لتخفيف توتر الصراع، وحماية المدنيين، وتوسيع المساعدات الإنسانية، ومنع الكوارث الإنسانية. وبالإضافة إلى ذلك، تدعو الصين إلى العودة إلى حل «الدولتين» وإيجاد حل سريع للقضية الفلسطينية. ويصادف اختتام الاجتماع الذكرى الـ 35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفلسطين. وأعرب وانغ يي عن امتنانه للدول العربية والإسلامية لجهودها النشطة في وساطة السلام، وأكد استعداد الصين للتعاون معها لتحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتخفيف الأزمة الإنسانية وإطلاق سراح السجناء وحل القضية الفلسطينية.

وأطلع وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية وانغ يي على نتائج القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة. وفي معرض الإشارة إلى العدد الكبير من الضحايا المدنيين والكوارث الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، دعوا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية ومسؤولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، وحماية المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، ومنع العنف القسري. نزوح السكان.

وأعربت الدول العربية والإسلامية عن تقديرها لموقف الصين العادل بشأن القضية الفلسطينية، وسلطت الضوء على جهودها كرئيس لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتمرير أول قرار لمجلس الأمن منذ بداية الصراع الحالي بين فلسطين وإسرائيل.

وأعرب وانغ يي عن دعمه القوي للجهود الدبلوماسية للدول العربية والإسلامية واقترح مبادرة الصين لحل الأزمة الحالية في قطاع غزة والقضية الفلسطينية: «في هذا الوقت، المهمة العاجلة هي التنفيذ الكامل لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة». مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية. إن وقف إطلاق النار ليس مجرد خطاب دبلوماسي؛ إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للمواطنين في غزة. إن هذه الحاجة الملحة لشعب غزة تعبر عن الرأي الجماعي لدول العالم المحبة للسلام”. والأطراف المعنية ملزمة بالامتثال الصارم للقانون الدولي، ولا سيما القانون الإنساني الدولي. وتعارض الصين أي عمل يؤدي إلى التهجير القسري وإعادة التوطين للمواطنين الفلسطينيين. ويجب على إسرائيل أن توقف فوراً العقاب الجماعي لسكان غزة وأن تفتح الممرات الإنسانية لمنع وقوع كارثة إنسانية أوسع نطاقاً.

وشدد وانغ يي على أن أي اتفاقات مستقبلية بشأن فلسطين يجب أن تستند إلى موافقة الشعب الفلسطيني وتأخذ في الاعتبار المصالح المشروعة لدول المنطقة. إن حل الوضع الحالي يجب ألا يخرج عن فكرة «حل الدولتين» ويجب أن يساهم في السلام والاستقرار الإقليميين.

وأشار وانغ يي إلى أن السبب الرئيسي لدوامة النزاع بين فلسطين وإسرائيل هو الإهمال طويل الأمد لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته والبقاء، وكذلك حقه في العودة إلى وطنه. ويكمن الحل في تنفيذ فكرة “حل الدولتين” وإقامة دولة فلسطين المستقلة. وتدعو الصين إلى عقد مؤتمر سلام دولي فعال وواسع النطاق، مع وضع جدول زمني وخريطة طريق لتحقيق هذا الهدف. إن قضية فلسطين تكمن في قلب المشكلة في الشرق الأوسط. وبدون تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، لن يكون هناك سلام واستقرار دائمان في الشرق الأوسط. وأضاف أن «الصين ستواصل دعمها القوي للدول العربية والإسلامية ومبادئ العدالة والعدالة الدولية، وستبذل جهودا إيجابية لتعزيز السلام بين فلسطين وإسرائيل وتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».

 

تحقيق السلام في الشرق الأوسط

ومن الممكن أن يؤدي التوتر المتصاعدة بين العالم العربي وإسرائيل إلى عرقلة محادثات السلام، في حين فقدت الولايات المتحدة حيادها ولم تعد قادرة على القيام بدور الوسيط في النزاع الشرق اوسطي وأصبحت طرفا منحازا لجانب إسرائيل داعم بصورة سافرة لعمليات الإبادة الجماعية لسكان غزة.

ويشكل دور الوساطة الذي قامت به الصين مؤخراً في المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران مثالاً بارزاً. ولعبت الصين أيضاً دوراً رئيساً في تحقيق السلام في أفغانستان. وتهدف مبادرات الصين إلى تحقيق السلام العالمي. وتمتلك الصين القدرة للتأثير على كل من فلسطين وإسرائيل لتحقيق تسوية سلمية مقبولة للجانبين، وأقامت بكين مع تل ابيب في عام 1992 فقط علاقات دبلوماسية، وتطورت هذه العلاقة منذ ذلك الحين إلى تعاون متعدد الأطراف يشمل قطاعات متعددة ويساهم في الرخاء الاقتصادي لكلا البلدين. وثمة قناعات من أن الصين ستستخدم موقعها الجيوسياسي لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار ومنع المزيد من إراقة الدماء والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق شعب فلسطين.

عرض مقالات: