اخر الاخبار

(دراسة سياسية توثيقية من اصدار دار روز هلات في اربيل  بمساهمة الاكاديمية الكردية في اربيل)

جاء في مستهل الكتاب الاهداء إلى اهالي الموصل اصحاب القيم والمبادئ الذين تحملوا من أجل صيانتها شظف العيش والقتل تحت أعواد المشانق والتعذيب.

كذلك جاء في التقديم للكتاب انه ليس الاول للمؤلف وانما سبقه كتابان آخران (الحياة الحزبية في الموصل من 1926 – 2003) الذي صدر عام 2002، وكتاب آخر تحت عنوان (صفحات من الذاكرة الموصلية) وكانت طبعته الثانية عام 2017.

تطرق المؤلف إلى بحث تاريخي لمدينة الموصل وأهم الأقوام الذين سكنوا فيها واهم المحلات والأماكن لغاية الاحتلال البريطاني للمدينة في عشرينيات القرن الماضي.

في الفصل الاول يقول ان القوات البريطانية احتلت ولاية البصرة التابعة للدولة العثمانية بين عامي (1914/1915) وولاية بغداد عام 1917 ثم احتلال ولاية الموصل في عام 1918.

وفي تطرقه إلى تنظيمات الحزب الشيوعي للأعوام 1934- 1948 يقول، في الموصل تعرف بعض المثقفين إلى الشيوعية ومبادئها سنة 1908 حيث ادخل الاديب سليمان الحاج داود أول الكتب الشيوعية إلى العراق وهو كتاب (سو سياليزم) باللغة الفرنسية، وكذلك تعرف شباب الموصل آنذاك على ثورة اكتوبر الروسية من خلال صحيفة (الموصل) التي كانت تصدرها قوات الاحتلال ، حيث كان الشباب الموصلي يفسر مقالات هذه الصحيفة المعادية للشيوعية بشكل معكوس لصالح العمال والفلاحين فأزداد الوعي الثوري، وكان لمدير معارف الموصل (رايلي) الدور البارز في نشر الافكار الشيوعية اذ كان يجاهر بنزعته الاشتراكية من خلال محاضراته في مدرسة الهندسة في الموصل وترك المدينة عام 1926  فتركت المبادئ الاشتراكية صدى لدى بعض الشباب حيث كتبت دوائر الاستخبارات البريطانية عن المعلم يحيى عبد الواحد (ق) في سنة 1921 انه يتبنى وجهات نظر اشتراكية ويبثها بين الشباب الموصلي، وورد عن يحيى (ق) انه تم الحكم عليه في فترة حكم البعث الاولى 15 سنة واودع في سجن نقرة السلمان بعدها نقل إلى سجن الحلة وعندما شارف على الاستشهاد كانت وصيته لأهله تقول (سلامي إلى الحزب الشيوعي العراقي) وكان يوم استشهاده هو الاثنين السابع عشر من نيسان، 1965 (للتفاصيل عن حياته لحين استشهاده ينظر إلى كتاب عبد القادر احمد العيداني (من اعماق السجون نقرة السلمان قيود تحطمت) ، علماً ان الحرف (ق) من اسم يحيى عبد الواحد يعني الحرف الاول من اسمه الحركي وهو قحطان عندما كان مراسلاً بين الثوار في تلعفر ومدينة الموصل خلال ثورة العشرين 

شهدت الموصل في بداية عام 1931 م الدعوة إلى انشاء اول حزب وجريدة سياسية يحملان اسم الطبقة العاملة في العراق وكان يتصدرها شعار (يا عمال العالم اتحدوا)، وعندما عقد في 31 آذار 1934 م في بغداد اول اجتماع تأسيسي للشيوعين العراقيين لغرض توحيد الخلايا الشيوعية في تنظيم مركزي (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) حضر الاجتماع من الموصل الراحل جميل شماس توما الذي كان يعمل مهندساً في السكك الحديد.

وصدرت في عام 1938 مجلة (المجلة) حيث أدت دوراً مهماً في نشر الافكار الشيوعية وأخذت تبشر لبعض مضامين الفكر الشيوعي وكان من كتابها من الموصل يوسف الحاج الياس وهو من الحزب الوطني الديمقراطي وذو النون ايوب وعبد الحق فاضل، علماً أن أول تنظيم شيوعي في الموصل كان هو منظمة (سبارتاك) الارمنية عام 1934 بمبادرة من هايكز وون كاساكانيان، اما عن وجود تنظيم الحزب الشيوعي في الموصل فقد عثرت الشرطة المحلية على أول بيان باسم (الحزب الشيوعي فرع الموصل) في شوارع المدينة عام 1942، علما أن أول خلية للحزب في الموصل تشكلت بشكل تنظيمي في عام 1946 وكان مسؤولها المعلم بشير مصطفى واعضاؤها هاشم حسين عبد الله وعدنان حمدي جلميران وعبد الرحيم جودة، وكان لها خط حزبي عسكري اهم اعضائه بهنام شماس توما وعبد الرحيم جودة، وكان لهذه الكتلة تنظيم في الجيش ايضاً ضمت كلا من عجيل علي عمران والرائد الركن سليم الفخري وعمر محمد الياس والضابطين غضبان السعد وحسين الدوري والمحامي جلال عبد الرحمن واكرم حسين في عام 1947 انضم اعضاء هذا التنظيم للحزب الشيوعي بقيادة الشهيد فهد.

ومن المعلوم ان المنظمة الحزبية أصيبت بهزة عنيفة على إثر اعتقال الرفاق فهد وحازم وصارم فتعطلت الاجتماعات وظهرت حالة من التسيب على إثر اعتقال بعض عناصر التنظيم لكن المنظمة الحزبية في الموصل استمرت في نشاطها وعادت الارتباط بالحزب وكان يوسف حنى المسؤول الأول لتنظيم الحزب في الموصل فأتصل بعد وصوله إلى المدينة بعمر الياس وتمكنوا من تشكيل قيادة جديدة للتنظيم تتكون من بهنام شماس توما وعمر محمد الياس وفخري بطرس علماً أن فخري أول شيوعي دخل سجن نقرة السلمان في الاربعينيات من القرن الماضي وارتبط التنظيم كذلك في الضابط حسين خضر الدوري .

وعندما اتخذت رابطة الشيوعيين العراقيين التي كان يقودها داود الصائغ وهو كان معتقلاً في سجن الكوت مع الرفيق فهد قرار حل تنظيماتها وأمرهم بالانضمام إلى صفوف الحزب الشيوعي أصبح الطريق سالكاً للمنظمات الشيوعية بتوحيد نشاطها على واقع مدينة الموصل وتكونت قيادة المدينة من صبري بطرس وعمر محمد الياس وصامؤويل وبهنام شماس وبهنام بطرس وتكللت جهود الرفاق بالعمل لجمع رفاق الحزب الشيوعي والرابطة في تنظيم واحد ولتوجيه من الشهيد تمت المشاركة في الانتخابات لمساندة المرشح الشهيد كامل قزانجي ...

وفي فصل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي (1948-1963) تطرق المؤلف إلى حملة شرسة لسلطات العهد الملكي أدت إلى اعتقال أغلب كوادره.

وازداد النشاط الشيوعي في مدينة الموصل نهاية الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي اذ كان الشيوعيون القوة الوحيدة في المدينة وبدأت بتوزيع العديد من النشرات الحزبية والجماهيرية في الأسواق والمدارس الإعدادية ونظراً لاشتداد الهجمة الشرسة من قبل زبانية نور السعيد على تنظيمات الحزب في الموصل تم نقل الشهيد هاشم حسين إلى البصرة وحل محله حميد حمدي ولم يستمر طويلاً وتم نقله بعد ذلك إلى كركوك وانيط امر التنظيم في الموصل بحكمت كوتاني واوفدت القيادة لطيف الحاج علي حيدر ليكون ضمن محلية الموصل.

ومن اجل توحيد جناحي الحزب وصل في حزيران 1956 عضو المكتب السياسي الشهيد جمال الحيدري إلى الموصل في طريقه للسفر إلى سوريا واللقاء بالرفيق خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري فتم في ايلول من عام 1956 توحيد تنظيمات الحزب (منظمة القاعدة و الشغيلة )وعندما تم توحيد هاتين الكتلتين أصدر الحزب جريدته المركزية (اتحاد الشعب) في 12 تموز 1956 أوفدت اللجنة المركزية إلى الموصل محي الدين خضير ليتولى مسؤولية اللجنة المحلية وبسبب شراسة ومطاردة السلطات للشيوعيين انتدب الحزب بسرعة عضو اللجنة المركزية المحامي شريف الشيخ إلى الموصل ليعمل في رفع مستوى التنظيم فشكل لجنة محلية من سعد يحيى ق وعبد الرحمن القصاب وحكمت كوتاني وبعد أسبوعين وصل الموصل حكمان فارس لقيادة اللجنة المحلية وأضاف اليها كوركيس توما وعباس علي هبالة وعادل سفر.

وعند إطلاق سراح بعض الرفاق لانتهاء محكومياتهم 1957 أعيد تشكيل اللجنة المحلية من هاشم حسين مسؤولاً وعمر محمد الياس وفخري بطرس وسعد يحيى ق وعبد الرحمن القصاب اعضاء واستمرت هذه اللجنة بالعمل إلى ما بعد ثورة 14 تموز 1958 وكان للحزب حضور ضعيف في مجال النشاط الجماهيري ولكنه بعد ذلك أصبح أوسع تنظيماً من خلال رابطة المرأة والمقاومات الشعبيات.

وكانت هناك علاقات بين تنظيم الموصل مع منظمات الحزب الشيوعي السوري في المدن السورية الحدودية المجاورة وكان عضو الحزب هاشم ذنون الأطرقجي الذي كان يعمل في محطة قطار الموصل يلتقي بحكم وظيفته ببعض الشيوعيين السوريين فيتبادل معهم النشرات الحزبية.

النشاط الشيوعي داخل سجن الموصل

كان الشيوعيون ينظمون أمورهم الحياتية داخل السجن وفتحوا دورات لمحو الأمية واللغة الانكليزية والقاء المحاضرات في التاريخ والسياسة والاقتصاد حيث تأثر الكثير من السجناء العاديين بالأفكار الشيوعية نتيجة الاختلاط وانتموا فيما بعد للحزب الشيوعي، ويستشهد المؤلف بتفاصيل الحياة اليومية في السجون وخاصة سجناء نقرة السلمان الواردة بكتابي (من أعماق السجون.. نقرة السلمان قيود تحطمت).

وقد حاول الشيوعيون في سجن الموصل 1952 الهرب من السجن بواسطة حفر نفق من مطبخ السجن يؤدي إلى خارجه إلا أن ضابط الخفر شعر بهم يوم التنفيذ فقبض على 15 سجين داخل النفق وفشلت العملية وكان سجن الموصل لا يخلو من السجناء السياسيين الشيوعيين إلا أن أعدادهم ازدادت سنة 1953 وذلك بسبب نقل بعض السجناء الشيوعيين من سجن نقرة السلمان إلى سجن الموصل وكان عدهم 28 شيوعياً وقد أخذ هؤلاء ببث الافكار الشيوعية في السجن والقيام بعدد من الاضرابات عن الطعام من أجل نيل حقوقهم الإنسانية.

صدى الشيوعية والنشاط الشيوعي في الصحافة الموصلية

نشرت جريدة الأديب الموصلية مقالاً لبعد الأحد حبوش (انا شيوعي وشيوعي وثم شيوعي) وهذه اشارة للنشاط الشيوعي في المدينة وكان في المقال اشارة للنشاط الشيوعي في الموصل وان الشعب يعيش في وضع مزر والمسؤول الأول هو الاستعمار البريطاني.

وتقف صحيفة المثال في مقدمة الصحف التي كانت تشير إلى مبادئ الشيوعية وأهدافها ونشاط الشيوعيين بشكل مباشر او غير مباشر وبالإضافة إلى هاتين الصحفيتين كانت هناك صحف أخرى تقف إلى جانب الشيوعيين منها (الراية والاديب والعاصفة ووحي القلم) حيث كانت متنفساً لنشر العديد من المقالات.

دور شيوعيي الموصل في انشقاقات الحزب الشيوعي

أبرز الانشقاقات في تنظيم مدينة الموصل حصل في عام 1942 من قبل ذنون أيوب الذي أصدر صحيفة باسم (إلى الامام) وبعد ثلاثة أشهر انشق داود الصائغ وشكل كتلة باسم (الشراريون الجدد) وعندما رفض الرفيق فهد مطاليب هاتين الكتلتين الانشقاقيتين توحدت هاتين الكتلتين لمواجهة الحزب الشيوعي والشهيد فهد وسميت وحدة النضال.

وتطرق المؤلف إلى تعداد اسماء الكثير من الشيوعيين في زاخو ودهوك وعقرة وقضاء الشيخان وبعشيقة والقوش، وبعد ثورة 14 تموز استمرت الأجهزة الأمنية في أعمالها العدائية ضد الحزب الشيوعي ومراقبة نشاط اعضائه في الوقت الذي كان فيه فلول البعث والإخوان المسلمون وأيتام العهد الملكي يمارسون النشاطات ضد الاتجاهات اليسارية في المجتمع الموصلي، وظهرت هذه النشاطات من خلال تقارير أجهزة أمن الموصل ضد كل ما هو يهدف إلى مساندة ثورة 14 تموز وحمايتها من المؤامرات العديدة وخاصة مؤامرات القوى الحاكمة في مصر وسوريا ضد أهداف ثورة 14 تموز، ومن خلال هذا الوضع المضطرب جرت عدة معارك بين الشيوعيين وخاصة من الطلبة مع فلول العهد الملكي .

وعن مقاهي الموصل تطرق المؤلف بشكل مسهب إلى تلك المقاهي التي توزعت بين مقاهي الشيوعيين والبعثيين حيث انتقل الصراع السياسي والحزبي من الدوائر والشوارع إلى المقاهي فكان هناك مقاه جميع روادها من الشيوعيين وأنصارهم مثل مقهى المهداوي، ومقاه أخرى إلى جانب تردد بعض فلول البعثيين إلى مقاه أخرى لغرض تجمعهم.

وتطرق المؤلف إلى دور المنظمات الجماهيرية في إسناد والدفاع عن ثورة تموز مثل المقاومة الشعبية والنقابات والمكتبات وأنصار السلام واتحاد الشبيبة الديمقراطي.

في فصل شيوعيو الموصل بعد انقلاب 8 شباط 1963، أشار المؤلف إلى اعتقال الكثير من الشيوعيين والبارتيين على إثر مقاومتهم هذا الانقلاب المشؤوم وتعذيبهم الذي خاب بصمودهم أمام لجان الأمن والحرس القومي التي حققت مع الشيوعيين مما أدى بالعديد من السجناء من الصمود لحد الاستشهاد.

وعودة إلى مؤامرة الشواف حيث تم اعتقال معظم نشطاء الحزب وتراجع التنظيم الحزبي فأرسل الحزب القياديين كريم أحمد ويوسف حنا لقيادة منظمة الموصل، وبعد مغادرة كريم أحمد استلم الشهيد طالب عبد الجبار مسؤولية التنظيم، وفي فترة 1959 إلى 1963 تعرض أعضاء الحزب لحملة من الاغتيالات قامت بها فلول البعث وأيتام العهد الملكي مما أدى إلى امتلاء سجن الموصل بالكثير من الشيوعيين وأنصارهم.

ويذكر الكاتب المعروف حسب الله يحيى انه عندما كان يزور شقيقه الشهيد الشيوعي وعد الله النجار كان يسرب للسجناء بيانات الحزب إلى داخل السجن وان هذه البيانات كانت تملأ شوارع الموصل.

وفي تشرين الثاني من عام 1959 أرسل المعتقلون السياسيين مذكرة إلى المسؤولين وإلى الشاعر محمد مهدي الجواهري يطالبون فيها إطلاق سراحهم إلا أن السلطات القاسمية لم تستجب لمطالبهم وظلوا معتقلين لحين حدوث انقلاب شباط 1963 حيث أعدم الكثير منهم علناً في شوارع الموصل ودهوك وتلكيف وحكم على الكثير من المعتقلين بمدد مختلفة من سنوات السجن.

وفي تلك الظروف التي أعقبت حركة الشواف واشتداد الهجمات على تنظيمات الحزب الشيوعي في الموصل أرسل الحزب الشهيد ستار خضير ليكون ضمن اللجنة المحلية في الموصل.

وعندما قام البعثيون بانقلابهم الاسود في شباط عام 1963 كانت محلية الموصل تتكون من الشهيد طالب عبد الجبار مسؤولاً وعضوية كل من توما توماس وستار خضير الحيدر ويوسف القس حنا وعابدين احمد وعادل علي الصبحة، ثم نسب اليها مصلح جلالي وجميل الرحبي، وعند السماع بحدوث الانقلاب صدرت التعليمات بعودة كل عضو إلى منطقته التي هو مسؤول عنها وانتظار توجيهات الحزب.

واضطر الكثير من الشيوعيين الذهاب إلى الجبال القريبة من القوش ودهوك وزاخو، اما مسؤول اللجنة المحلية للحزب الشهيد طالب عبد الجبار فقد اعتقل وصمد صموداً بطولياً تحت التعذيب.

ومن الجدير بالذكر انه التجأ إلى منطقة القوش وإلى جبالها معظم شيوعي المدينة مع اسلحتهم فصعدوا الجبال منهم يوسف ككا وزوجته وسعيد توميكا وتوما توماس واسكندر هرمز والياس اومي وكامل هرمز وتوما موسى وسواهم واصبحت منطقة القوش ملجأ رئيسياَ للشيوعين الهاربين من المحافظات الأخرى وقد تمركز معظمهم فيما بعد في الجبال والقرى القريبة من دهوك.

وقد كتب الراحل توما توماس في مذكراته بصدد موقف الشيوعين من 8 شباط يقول «لم تكن الظروف السياسية لصالحنا وفي مثل هذا الوضع المعقد طرح مصلح جلالي مقترح القيام بعملية اقتحام مركز الشرطة في القوش الا أن مقترحه جوبه بالرفض كونه سيؤدي إلى نتائج وخيمة على الرفاق والأهالي”.

وتطرق مؤلف الكتاب إلى الحياة المعيشية الصعبة للجماهير وخاصة غلاء الحنطة وعمليات تهريبها من الموصل، وأشار إلى موقف الحزب من الإضرابات العمالية وخاصة اضراب عمال كركوك في كاور باغي والدور الفعال لتنظيمات الحركة الشيوعية خلال وثبة كانون 1948، وكذلك إلى انتفاضة تشرين 1952 حيث قام الشيوعيون في الموصل بتنظيم مظاهرة في 26 تشرين الثاني 1952 انطلقت من منطقة رأس الجادة وكان يقودها عادل سفر وعدنان جلميران وفخري بطرس وهاشم حمدون واسماعيل رشيد، وكان المتظاهرون يهتفون بسقوط الوصي عبد الإله وأركان حكمه واقامة النظام الجمهوري، كذلك قادت اللجنة المحلية في الموصل العديد من المظاهرات ضد حلف بغداد الإضرابات المساندة للقصابين بعدم رفع سعر رسم الذبح من قبل البلدية.

وعن حركة الشواف الانقلابية في 8 اذار 1959 كان المؤلف شاهد عيان على تداعيات المؤامرة ضد الجمهورية العراقية وذكر عدة بيانات أصدرتها اللجنة المحلية في الموصل لكن السلطة في بغداد لم تقم بأي اجراءات لوقف المجزرة حتى عندما شخصت البيانات من كان يقف مع المتآمرين من العناصر البعثية والرجعية وايتام العهد الملكي. إن المؤامرة الشوافية بدأت بالتزامن مع مهرجان لأنصار السلام في الموصل فوصلت أعداد كثيرة من كل محافظات العراق (أهل الموصل يا كرام نحن أنصار السلام) وهم في طريقهم إلى ملعب الادارة المحلية في الموصل انهالت عليهم الحجارة والسباب وانتهى المهرجان.

ويتطرق المؤلف بشكل مسهب للمخابرات المصرية والسورية في اسنادها مؤامرة الشواف.

وبالإمكان القول إن ما حدث في الموصل في 8 اذار 1959  لم يكن سببه صراعاً عقائدياً او سياسياً فالرؤوس الكبيرة التي خططت للمؤامرة ونفذتها دفعتهم إلى ذلك أسباب وطموحات شخصية وعلى رأسهم عبد الوهاب الشواف ومحمود عزيز ورفعت الحاج سري، وبعد ذلك واثناء فشل المؤامرة صدرت أحكام إعدام على خمسة شيوعيين والبقية بين عشر سنوات والسبع سنوات وهم الذين قاوموا حركة الشواف، وكذلك صدر العديد من مذكرات التوقيف لمواطنين من أهالي الموصل بسبب صمودهم ووقوفهم بوجه المتآمرين.

واخذ عبد الكريم قاسم وبالتحديد في الأول من آيار 1959 يخطط لتقليص نفوذ وشعبية الحزب الشيوعي ويتحين الفرص لغرض ضربهم وجاءت فرصته من خلال انفجار الوضع في كركوك فقد اتهم قاسم فوراً وقبل التحقيق الحزب الشيوعي العراقي بتخطيط تلك الحوادث الدامية.

وكان خطابه في كنيسة مار يوسف هجوماً على سياسة الحزب الشيوعي العراقي فاستدعى محسن الرفيعي وعبد المجيد جليل مديرا الاستخبارات العسكرية والأمن العامة لاعتقال ومطاردة الشيوعيين والتشجيع على اغتيالهم.

وتزامناً مع توجيهات قاسم حدثت في الموصل حركة اغتيالات انتقامية للكثير من الشيوعيين وخاصة شملت الذين كان لهم نشاط او دور بتأييد الثورة وغالبيتهم من العناصر الديمقراطية واليسارية وكان الراحل محمد حديد وزير مالية قاسم.

كما زار بغداد وفد من الموصل تألف من (خمسين رجلاً و29 امرأة) شرحوا لعبد الكريم قاسم حقيقة الوضع في مدينة الموصل لكن موقفه لم يتغير من ظاهرة الاغتيالات حتى بعد ان تعرض هو نفسه لمحاولة اغتيال في 7/10/1959 من قبل حزب البعث وبدلاً من يكون موقفه شديداً من البعثيين والرجعيين أخذ يهادن القوى القومية، وللعلم انه تقاطرت على مكتب رئيس الوزراء العشرات ان لم نقل المئات من المذكرات تحمل تواقيع الآلاف من أبناء الموصل إلا انها لم تلقِ صدى لدى قاسم.

ومن تداعيات مؤامرة الشواف بلغ عدد شهداء المدينة حوالي 500 شهيد والكثير من الجرحى يعدون بالمئات، وذكر المؤلف اسماء العديد من زمر ولجان الاغتيالات الذين بلغ عددهم 24 مجرماً.

وتطرق إلى عدد المعتقلين الشيوعيين في الموصل الذي بلغ 935 رفيقاً والتحق هاربون بقوات الثورة الكردية بحدود 400 مقاتل ذكر اسماءهم الكتاب بالتفاصيل وان عدد الذين قتلوا او اغتيلوا بحدود 400 شهيد.

وذكر المؤلف أسماء نماذج من الضباط الشهداء كالملازم الشيوعي ثامر عثمان والشهيد الشجاع صلاح الدين أحمد. وللمعلومات عن الشهيد صلاح ذكر عبد القادر احمد العيداني بكتابه تفاصيل عملية هروب الشهيد من سجن نقرة السلمان بعد انقلاب البعث وكذلك الشهيد محمود فتحي المحروق وعدنان جلميران وبشير الزعرو وهاشم حسين عبد الله ومثري العاني وجرجيس فتح الله وعباس علي هبالة وفخري بطرس والدكتور خليل عبد العزيز ومؤيد عبد القادر امين وعمر محمد الياس.

وفي قسم الملاحق احتوى الكتاب على 235 وثيقة أغلبها بخصوص الحزب الشيوعي في الموصل ومن ضمنها وقائع محاكمات عسكرية ومراسلات بين دوائر الامن العامة في الموصل ودوائر المحافظة والعديد من الدوائر الرسمية كالمحاكم والتربية والمتصرفية إلى آخره.

يعتبر الكتاب سفرا نضاليا لشيوعي الموصل خلال نصف قرن من الكفاح الملحمي ضد الحكام الطغاة الذين ذهبوا إلى مزابل التاريخ أما الشيوعيون الابطال فظلوا يعانقون السماء ويواصلون النضال من أجل وطن حر وشعب سعيد.

*تأليف الاستاذ الدكتور عبد الفتاح علي البوتاني