اخر الاخبار

مجالس المحافظات ومثلها، المجالس الأدنى منها، مجالس الاقضية والنواحي، وأيضا الأعلى منها، مجلس النواب، هي مؤسسات وجدت لممارسة الشعب حقوقه الديمقراطية الشعبية، وبالضد من المركزية المفرطة التي تمارسها السلطات المركزية في العادة، والتي تريد الاستحواذ ليس فقط على تقاسم أموال الناس، بل التحكم بكل ما يمس حياتهم. وإذا كانت مجالس المحافظات قد قدمت نماذج سيئة في الفساد والرشاوي وتقاسم المغانم، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال بأنها حلقات زائدة، أو أن لا ضرورة لوجودها.

وفكرة إلغاء مجالس المحافظات، قد شابها عدم الوضوح في بدابة تبنيها من جهات واسعة وسط انتفاضة تشرين الباسلة، بعدم التفريق بين الأهداف المناطة بها ودستوريتها وتمثيلها الشعبي ووظيفة رقابتها الشعبية على العقود والاستثمارات، وبين ما قدمته أحزاب السلطة المتحاصصة، من تجارب فاشلة أثناء تسيدها وقيادتها لمجالس المحافظات...

لقد أثبت عدد من النواب الشيوعيين والوطنيين والنزيهين، الذين عملوا لفترات معينة في مجالس المحافظات، بأنهم يمكن أن يشكلوا أصواتا نزيهة للدفاع عن حقوق الناس ومصالحهم، مع امكانية تكاثر دورهم في حال التنسيق مع عدد من نواب هذه المجالس، البعيدين عن طموح النفوذ والاستحواذ، والبعيدين عن عالم الفساد والاستحواذ والكسب على حساب مصالح الشعب...

إن تغيير الواقع المتحكم بالانتخابات، وبالتحديد القوانين والأنظمة التي فرضها واقع تسيد أحزاب المحاصصة، لا يمكن تحقيقه عبر المواقف العدمية والمقاطعة، التي لا يمكنها أن تحدث تغييرا في الظروف الراهنة المعروفة للجميع.

كما أن أي اختراق وطني يمكن أن تحدثه قوى وأحزاب تحالف قيم المدني، ومعهم عدد غير قليل من الأفراد والاحزاب من المستقلين والبعيدين عن أحزاب السلطة، سيشكل علامة مهمة ووطنية في كسر حالة تحكم قوى المحاصصة، ويمكن أن يشكل بداية الطريق لتغيير معين في موازين القوى السياسية في انتخابات مجلس النواب القادم...

من يعود لفهد ووصاياه الثورية في الحياة السياسية، يمكنه أن يرى بوضوح دعوته الصريحة للشيوعيين ولرفاق الحزب، لعدم إغفال قضية العمل والكفاح والتواجد، حتى في البرلمانات الرجعية.

إن ضمان مشاركة شعبية واسعة وكبيرة في انتخابات مجالس المحافظات من قبل الجمهور الكبير الذي يحق له التصويت في الانتخابات والذي يتجاوز الستة عشر مليون ناخب، عبر مساندة المدنيين والمستقلين وقوى تحالف قيم المدني، ورفض التصويت لأحزاب الكعكة والمحاصصة، سيكون نفعها أكبر وأجدى، من نكوص وممانعة ومقاطعة، سوف لن يأبه بها المتنفذون الذين سيواصلون تحكمهم في رقاب الناس وفق اي ظروف ستخاض بها الانتخابات، وكما عبر مرة السيد همام حمودي، في ما معناه، بأنهم سيتصدرون المشهد في كل الأحوال التي تخص نسب المشاركة.

الموقف من مجالس المحافظات والمطالبة بحلها، استند في ظروفه ومسبباته، إلى النموذج السيء الذي قدمه الكثير من الذين انتدبهم الشعب للعمل في هذه المجالس، حين تفاقمت الرشوة والفساد والصفقات والتخلي عن هموم الناس ومطالبهم، والتفكير في الثراء على حساب المال العام.

وهناك اختلاف كبير بين هذا، وبين مجالس المحافظات، باعتبارها مؤسسات للرقابة الشعبية وأشكال من الممارسة الديمقراطية الشعبية. التي تضمن مشاركة من ينتدبهم الشعب ديمقراطيا لتمثيله والدفاع عن مصالحه، ولكن بشرط أن يكون هؤلاء على قدر كبير من النزاهة والكفاءة والوطنية، والمقاومة بحيث لا تغريهم مغريات السلطة والجاه والمال.  إن وجود محافظات دون مجالس محلية، يعني عمليا منح المحافظين سلطة مركزية وكبيرة للتحكم بالعقود والمشاريع، دون حساب أو رقيب، ودون علم أحد. والدعوة لإلغاء مجالس المحافظات، خطوة استباقية، للدعوة لاحقا لإلغاء مجلس النواب، والعودة لحكم الفرد والرئيس والديكتاتورية التي جربناها ونحرت الوطن من الوريد إلى الوريد. والتاريخ يشهد أن هناك نماذج ايجابية ووطنية، قدمها عدد من أعضاء مجالس المحافظات في بعض المحافظات، رغم قلتها، وانسحاب عدد من نوابها في ظروف الانتفاضة.

لقد استغل الكثير من المحافظين في أكثر من محافظة، الفترة الزمنية التي رافقت توقف عمل مجالس المحافظات، وعبر التحكم بالعقود والمقاولات والعقود والاستثمارات، وفي كل شؤون بحافظاتهم، ودون رقيب أو حسيب. ولم يكونوا مبالين بوجود مجالس المحافظات، من عدمه، بل كانوا فرحين لعدم وجودها. ومع انطلاق بوادر الانتخابات الحالية لمجالس المحافظات، نرى أن الكثير من هؤلاء المحافظين قد أدار المقود والشراع كما تشتهي الريح، وصاروا مدافعين عن وجود مجالس المحافظات، ومهللين لها، وتمادوا أكثر بترشحهم في هذه الانتخابات، وتجميع وحشد المريدين من المؤيدين والمناصرين المضمونين، ودعم ترشحهم باستخدام المال العام وامكانيات السلطة التي يتحكمون بها، من أجل خلق توازن لاحق في مالس المحافظات، يضمن حصولهم على أصوات المجالس، من أجل تبوء مسؤولية المحافظات، ودوام الحال كما هي.

لا أوهام ولا توقعات كبيرة، باكتساح المدنيين والوطنيين والمستقلين، للأصوات، واحداثهم تغييرات كبيرة في تشكيل مجالس المحافظات، وسيكون لقوى المحاصصة واحزاب الفساد، والقوى التقليدية، مواقع وأصوات وأدوار كما في السابق. لكن المهم والجوهري، هو في احداث اختراق وتفكيك لهذه المنظومة التي بنت وتمترست لسنوات طويلة، ومحاولة إيصال نواب حقيقيين للشعب، بإمكانهم أن يقفوا سدا منيرا أمام حيتان الفساد والمحاصصة.

تحالف قيم المدني، أحد القوى التي يعول عليها الشعب، في هذه الانتخابات، للتاريخ المشرف والوطني والنضالي المشهود لأغلب قواه، وهو تحالف يضم عددا من القوى والمنظمات المشهود بتاريخها النضالي وأدوارها المعروفة، وهي لم تتراجع عن جوهر وروح انتفاضة الشعب في تشرين، في برامجها وخططها، التي تدعو لإعلان قيم المواطنة بعيدا عن الفساد والسلاح المنفلت، ومن أجل تجسيد قيم العدالة في المجتمع...

مرشحو تحالف قيم المدني، سيتنافسون ديمقراطيا مع مرشحي باقي القوى، كما أن هناك تنافسا ديمقراطيا سيتم بين مرشحي تحالف قيم الديمقراطي نفسه، ومن حق الناس أن تمنح أصواتها لهذا الطرف أو ذاك من قوى تحالف قيم...