لم يعرف العراق مصرفا خاصا منذ قرارات التأميم الصادرة في تموز عام 1964، فقد اختفى منذ ذلك الحين المصرف البريطاني والبنك العثماني واسترن بنك وتوماس كوك وغيرها من منافذ الائتمان المصرفي، وظل العراق معتمدا اعتمادا كليا على مصرف الرافدين الذي تأسس عام 1941 برأسمال حكومي ليقوم بالأعمال المصرفية التجارية وليكون المستودع الأمين لودائع المواطنين إلى جانب دفتر التوفير لدائرة البرق والبريد آنذاك، وقامت الحكومات المتتابعة بإنشاء المصارف التخصصية القطاعية ومنها المصرف الزراعي والصناعي عام 1935، وتم بعد حين فصل نشاط هذا المصرف إلى المصرف الزراعي والمصرف الصناعي حسب الاختصاص وبعد ذلك تم انشاء المصرف العقاري عام 1948 ومصرف الرهون عام 1951، والمصرف التعاوني عام 1956، وظل البنك المركزي وهو بنك البنوك يشرف من الناحية الفنية على نشاط تلك المصارف حتى العام 1988 حيث تم إنشاء مصرف الرشيد برأسمال حكومي، ليأخذ دوره في النشاط المصرفي التجاري إلى جانب مصرف الرافدين العريق. ولم يشهد العراق مصرفا خاصا إلا بعد إجازة افتتاح المصرف التجاري العراقي عام 1992 بعد تعديل القوانين الخاصة بعمل المصارف والسماح بإنشاء مصرف أهلي برأسمال قدره 250 مليار دينار. وكانت تلك المصارف تتطور وفقا لحاجة السوق بوتيرة متدرجة كما وأنها كانت نموذجا للتعامل المصرفي وفقا لتعليمات الدولة وحرصها على حسن الخدمات المصرفية وأنها كانت أكثر أمانة على أموال المودعين لأنها مصارف تضمنها الدولة لعائديتها لوزارة المالية، وقد كان كل من مصرفي الرافدين والرشيد محل ثقة المواطن، وكان البنك المركزي يقوم بتنظيم والإشراف على الدورة المستندية للتجارة الخارجية، وكان بدوره يقوم بفتح الاعتمادات لصالح المصدر بعد إشعار البنك المراسل، وكان المستورد الحكومي ضمن القطاع العام المسؤول عن كل الأنشطة التجارية في البلاد يتعامل مع المصارف المراسلة الرصينة تعاملا رسميا تضمنه دول المنشأ وفقا للاتفاقيات التجارية الدولية، وكانت الشركات الحكومية لا تطالب بفتح الاعتماد إلا بعد أن تتأكد أن السلعة ضمن المواصفة العالمية وتتناسب والمواصفات العراقية إضافة إلى كونها سلعة تستهلك في بلد المنشأ.
إن خروج العمل المصرفي عن سياقه المألوف بعد العام 2003 جراء قرارات بريمر، إضافة إلى فوضوية الاستيراد وانفتاحه على كل المناشئ دون الالتزام بقيود المواصفة العراقية، والتوسع غير المدروس للبنك المركزي في منح إجازات إقامة المصارف الأهلية دون الالتفات إلى معايير السلامة الوطنية في ظل الاقتصاد المفتوح، حتى بلغ عدد المصارف الأهلية 74 مصرفا، عراقيا وأجنبيا إضافة إلى وكالات ومكاتب مالية تتعامل بالنقد والعملة المحلية والأجنبية ناهيكم عن العدد غير المحصور لمكاتب ودكاكين الصيرفة، ويبلغ اليوم عدد المصارف الإسلامية 29 مصرفا لها خاصية عدم التعامل بالفائدة كونها تتعارض مع التعاليم الدينية بشأن الربا وعدم جوازه في التعامل المصرفي، وانه أي المصرف الإسلامي يأخذ بالتوسط المالي وفقا لقواعد المشاركة في الربح والخسارة ويتم ذلك من خلال وكالة عامة أو خاصة، غير أن المعلن مخالف ما هو مبطن، المصرف الاسلامي على سبيل المثال يتعامل كالمصرف التجاري، إذ يستحصل عمولة على التحويل الداخلي أو عمولة على التحويلات الخارجية وبنسب تختلف من مصرف إلى اخر، كما وأن المصارف التجارية لم تكن عند حسن ظن المواطن من خلال التصرف بودائعه وتحويلها لصالح المالكين وعدم إعادتها لأصحاب الودائع، هذا ما حصل في مصرف البصرة سابقا ومصرف الوركاء لاحقا، أو عدم تسديد أو إعادة ودائع المواطن من العملة الصعبة كما هو حاصل الآن، وبموجب القانون النافذ لا دخل للمودع بظروف المصرف أو وضعه المالي. حسبما ورد في المادة 27. من قانون المصارف العراقي رقم 94 لسنة 2004، حيث تفيد باستلام الودائع النقدية أو أموال أخرى مستحقة التسديد (نعم عبارة مستحقة التسديد.). وذلك لنشر الثقة في القطاع المصرفي حسب الفقرة أولا من المادة الثانية من ذات القانون.
تأثير المصارف الأهلية في تنمية الاقتصاد الوطني
تشير البيانات الحكومية أو وسائل نشر أنشطة المصارف إلى عدم وجود أي إسهام واضح وفاعل للكثير من المصارف الأهلية التجارية أو الإسلامية في بناء الصناعة الوطنية أو اسهامها بإنشاء المعامل المنتجة للحاجات والسلع المطلوبة محليا أو أن لها دورا في توسع الإنتاج الزراعي، بل كانت على العكس تساهم في تسهيل عملية الاستيراد عن طريق الحوالات غير المقيدة، أو إنشاء وكالات عابرة للحدود مهمتها تهريب العملة لأغراض متعددة ومنها المساعدة في غسيل الأموال او تمويل الإرهاب خلافا للفقرة من المادة 13 من قانون المصارف العراقي رقم 94 لعام 2004، حيث تنص على ضلوع المصرف أو المصرف الاجنبي أو الشركة القابضة المصرفية التي يكون للمصرف شركة تابعة لها أو ضلوع شركة تابعة للمصرف بأنشطة إجرامية تتضمن الاحتيال وغسيل الأموال أو تمويل الإرهاب.
أن العراق يستورد سنويا ما قيمته 65 مليار دولار، وقد كان للمصارف الأهلية الدور الكبير في تسديد أقيام هذه المستوردات عن طريق التحويلات الخارجية غير المنضبطة بقيد التسعيرة الحقيقية والمواصفة الدولية، إضافة إلى أن القسم الأعظم من هذه المستوردات كانت تحجم الإنتاج الوطني وتضعه في زاوية ضيقة انعكست على إجمالي الناتج القومي لعام 2022 على سبيل المثال، فقد بلغ إجمالي الناتج القومي لهذا العام 272 مليار دولار، منه 115 مليار دولار عائدات نفطية، أي أن المستورد ترك خللا بنسبة 20,4%. من الناتج القومي الفعلي، البالغ .157 مليار دولار. وهذا بدوره يشير إلى كثرة البطالة وزيادة نسبة الفقر. فلو كانت هذه المصارف كمصارف الدول الأخرى تدخل في عمليات التنمية الصناعية والزراعية والسياحية لكان دورها دورا اقتصاديا محسوبا لها، ربما دخل الكثير منها في تنمية مرفق الاسكان ولكن تجاه الاسكان عالي الثمن لا اسكان الطبقات الفقيرة.
إن وزارة التخطيط قبل البنك المركزي عليها مهمة تاريخية في تحديد دور هذه المصارف في مسألة دخولها ميادين الإنتاج بكل فروعه بناء على ما تراه هي، اي المصارف من مشاريع بعد دراستها للجدوى الاقتصادية والاجتماعية لكل مشروع، وبتقديرنا أن العراق سوق خصبة للإنتاج الزراعي بكل فروعه، وللإنتاج الصناعي بشتى ميادينه وأهدافه، وان لا يغفل البنك المركزي بتعليماته المستقبلية والقائمة على تحجيم التحويلات الخارجية والاعتماد على تشجيع الاستثمار الداخلي القائم على الإنتاج المحلي، وان يوجد التوازن الحقيقي وبالتدريج بين ما هو منتج محليا وما جرى استيراده على مدى عقدين.