اخر الاخبار

ولد الفقيد جعفر هجول في الحلة الفيحاء عام 1940 وأنهى دراسته الأولية ليلتحق بدورة تربوية تخرج فيها معلما أسهم في تنشئة جيل من الطلبة له أثره وإسهامه في مختلف المجالات، وسعى لإكمال دراسته فحاز على البكالوريوس من كلية الآداب الجامعة المستنصرية عام 1969 ليتحول تدريسيا على الملاك الثانوي  حتى عام 1985، وكان له نشاطه الدائب في الحياة الثقافية، فقد أسس مع نخبة من مثقفي الحلة وأدبائها ندوة عشتار الأدبية من عام 1969 حتى نهاية  عام 1973 حيث توقفت نشاطاتها لأسباب سياسية، وكانت منبرا ثقافيا حرا أسهم في أماسيها أعلام الأدب والفكر في العراق، وأدت خدمات جليلة لا زالت آثارها ماثلة في المشهد الثقافي الحلي ومن خلالها انطلقت الكثير من الأصوات الشعرية التي شكلت علامة بارزة في الحياة الفكرية والثقافية.

 

 

   وأصبح نائبا لرئيس اللجنة الثقافية في محافظة بابل عام 1974 حتى نهاية عام 1976، وهو عضو في إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين ومن العاملين النشيطين في بابل وكان له بعد سقوط النظام الدور الكبير في أعادة بعثه من جديد ليصبح المتنفس الوحيد لأدباء المحافظة ومثقفيها رغم التهميش والإقصاء الذي مارسته السلطات العراقية حيال الثقافة والمثقفين.

 ولأن التعليم مهنته الحبيبة إلى قلبه فقد تعاقد مع وزارة التعليم الليبية لتدريس العربية في مدارسها، فانتقل إلى هناك عام 1995 ليمارس دوره التربوي وأستغل وجوده هناك لإكمال دراسته فحصل على الليسانس في الحقوق، ليعود نهاية 2001.

 وقد أسهم الفقيد في العديد من النشاطات الثقافية والمهرجانات الشعرية والندوات الأدبية في العراق وخارجه ونشر العديد من قصائده في الجرائد والمجلات العراقية والمصرية والمغربية والليبية، وصدرت له العناوين المدرجة أدناه ولا يزال كثير من آثاره مخطوطا كان ينوي نشره ولكن الأقدار لم تمهله وعسى أن يقوم أصدقاؤه ومحبوه بنشره وفاء لهذه الشخصية التي كانت مثالا للعفة والشهامة والعلاقات الحميمة:

1- من أصداء الغربة ديوان شعري صدر في دمشق مطبعة دار العلم عام 2003 جمع فيه قصائده التي قالها في الغربة.

2- الحلة بين العشق والانتماء ج1 طبع في الحلة - مكتبة اللقاء العراقي للطباعة والنشر 2008.  وفيه ذكرياته التي تناول فيها طفولته ومدينته ونشاطه السياسي في الحزب الشيوعي العراقي مدرسته الأولى في الانتماء الوطني، وفي مهرجان أقيم لأربعينيته صرح مدير عام الإدارة الادارية والمالية في وزارة الاعلام العراقية أن الوزارة ستقوم بطباعة الجزء الثاني من مذكراته، ولكن في جلسة ضمت زملاء الراحل وأصدقاءه في كازينو الجنائن المعلقة طرح المحامي جاسم حسين الصكر زميل الفقيد الراحل فكرة طبع مذكراته وقام بطباعتها فعلا على نفقة أصدقائه من رواد الندوة.

3- بين الرؤى والمراثي ديوان شعري صدر عام 2007 في الحلة.

اما نشاطه في العمل التنظيمي فقد انتظم في صفوف الحزب عام 1957 وبعد ثورة 14 تموز1958 كان معروفا بانتمائه اليساري وكان في طليعة العاملين في الوسط الحزبي لما يمتلك من ثقافة رصينة وروح شبابية  وقد كرس حياته لعمله الحزبي حيث تسنم مسؤوليات عدة في العمل الحزبي والمهني وكان في طليعة الناشطين في انتخابات المعلمين لوجود منافسة قوية بين القائمة المهنية الموحدة التي تضم القوى التقدمية والجبهة التعليمية الموحدة التي ضمت القوميين والبعثيين وأنصار العهد المباد، وقامت تلك القوى بتحشيد العصابات المسلحة لمنع المنافسين من الدخول لقاعات الانتخاب، وبدلا من قيام اجهزة السلطة باعتقالهم.. قاموا باعتقال المعتدى عليهم، وغصت السجون بالمعتقلين وكان هو منهم.

وبسبب نشاطه التنظيمي قام أفراد من الشرطة بمحاولة القبض عليه أثناء اجتماع حزبي وقد تمكن من الفرار إلى بغداد والسكن عند أقاربه، وبعد وساطات لوالده تمكن من تسوية الموضوع، وبعد نشوب الحرب في كردستان رفع الحزب شعاره المعروف في المطالبة بالسلم في كردستان وإنهاء الحرب المشتعلة هناك، وكلف بأن تقوم منظمته بإلصاق الشعارات وتوزيع المنشورات في الصوب الصغير في الحلة، وأثناء قيامهم بالعمل المطلوب داهمتهم الشرطة وتمكن من الهروب والاختباء في بيت أحد أقاربه ثم الذهاب إلى بغداد لفترة حتى تهدأ الأوضاع.

 وفي انتخابات نقابة المعلمين قبيل انقلاب شباط الاسود1963 كان الجو مكفهرا والسلطة تستعمل أخبث الوسائل لمنع القائمة المهنية الموحدة من المشاركة بما في ذلك تهديد المرشحين أو اعتقالهم بقضايا كيدية ما دفع القائمة لوضع مرشحين احتياط في حالة انسحاب المرشحين وكان جعفر هجول أحد المرشحين الاحتياط للقائمة وفعلا أجبر البعض على الانسحاب ليحل بدلهم الآخرون، وقبل الانتخابات بيوم واحد اعتقل جعفر من قبل الأمن بحجة قيامه بتمزيق إعلانات القائمة المنافسة ولكنه أثبت من خلال إدارة مدرسته أنه كان مواظبا على الدوام ولم يغادر مدرسته نهائيا، ما أبطل التهمة، ولكن ضابط أمن الحلة هدده بشكل مباشر مانعا إياه من دخول قاعة الانتخابات وإلا سيتم اعتقاله، ولكنه حضر وشارك رغم أنف السلطة التي منعت المئات من مؤيدي القائمة المهنية من الحضور بالتهديد أو الاعتقال الكيفي لحين انتهاء الانتخابات.

من المفارقة ان أن شقيق جعفر هجول(جاسم) كان أحد القياديين البعثيين، ورغم اختلافهم الفكري إلا أن ذلك لم يصل بهم إلى القطيعة فكانوا أخوة متحابين، وعند حدوث انقلاب 8 شباط الأسود كان جعفر في بغداد صبيحة الانقلاب فاضطر للاختفاء في بيت أحد اقاربه منتظرا جلاء الموقف، وبعد نجاح الانقلاب اعتقل آلاف الشيوعيين والديمقراطيين وامتلأت بهم السجون الرسمية وغير الرسمية، وتمكن من الحصول على ورقة عدم تعرض ارسلها له شقيقه جاسم وعاد إلى الحلة، وبعد وصوله بساعات زاره في داره احد القياديين البعثيين مع أحد قادة الحرس القومي طالبين منه الانضمام اليهم أسوة بشقيقه الذي كان أحد قياديي الحزب في الناصرية فرفض بإباء ما دفعهم لاعتقاله في الأمن عارضين عليه الاعتراف على رفاقه، وعندما رفض ذلك أرسل إلى مقر الحرس القومي الذين حالوا نزع اعترافاته من خلال التفاوض وعندما رفض الانصياع لهم أرسل إلى غرفة التعذيب وأشرف على تعذيبه عبد الوهاب كريم (قتل بحادث سيارة بعد انقلاب تموز1968 من قبل منظمة حنين والضابط نايف ڰـصب الجنديل) الذي وصل إلى رتبة متقدمة في الجيش، وبعد جولة امتدت لساعات أعيد إلى التوقيف وهو بحالة يرثى لها، وفي اليوم التالي استدعي من قبل ضابط الأمن الذي أراه الاعترافات الكاملة للبعض والذين لم يتركوا شاردة أو واردة الا اعترفوا بها وقال له أنك شقيق فلان وسنساعدك بتأييد الاعترافات حتى نطلق سراحك لعدم وجود جديد لديك، وفعلا أيد تلك الاعترافات وأعيد إلى الموقف وبعد التئام جراحة بأيام، جرى نقله مع عدد من رفاقه إلى قصر النهاية في بغداد. ويروي الفقيد نفسه عن هذا الحدث فيقول.. وبعد وصولنا إلى قصر النهاية وجدنا ثلة من المسلحين رافقونا بسيارة أخرى بعد أن اوعز لهم أحد المسؤولين بتصفيتنا وفعلا انطلقت السيارة إلى مكان مجهول وعند وصولنا ذلك المكان سمعنا قعقعة السلاح وحركة الجنود واحدهم يقول (اجو ..جيبوهم ..أتحضرو.. نزلوهم) وتوالى علينا الضرب العشوائي وأدخلونا إلى زنزانة وأقفلوا الباب ونحن مكتوفي الايدي معصوبي الأعين، وعرفت بعد أيام أن هذا المكان مقر للحرس القومي ولا أدري كم يوم مكثنا. وذات يوم فتحت الباب وأطل علينا أحدهم يحمل رشاشا فأختبأ خلفي محسن كريدي، فسألته لماذا فقال هذا يعرفني، قلت له كلمه حتى يعرف من نحن لعله يخبر أخوينا بذلك ليطلق سراحنا، وفعلا تقدم منه محسن وعندما رآه رمي بندقيته على الأرض وأقترب منه معانقا وهو يقول: ها ولك محسن كنت أبحث عنك وانت هنا بالكلجية واما ادري) عندها طلبت منه اخبار اخي جاسم واخ محسن ليتصرفوا.

بعدة مدة جاء أخي جاسم ومعه حارس قومي وأخرجونا من السجن مكبلين الأيدي ووضعونا في سيارة، وبعد صعودنا للسيارة نزعوا القيود من ايدينا، وسارت بنا السيارة حتى مشارف مدينة الحلة حيث أعيدت الكلبجات إلى ايدينا، وادخلونا إلى مقر الحرس القومي في بيت أنور الجوهر، واستقبلنا دون ضرب أو اهانات اكراما لأخي جاسم، ثم ادخلونا إلى إحدى الغرف، وعصر ذلك اليوم جاء قائد الحرس القومي في الحلة عبد الوهاب كريم وأرسل خلفي وأراني الشجرة التنظيمية وهو يقول شامتا ها هي شجرتكم ولا نحتاج للتحقيق معكم، فقلت له اذن انقلنا لسجن الحلة ، وفي اليوم التالي نقلنا إلى سجن الحلة المركزي.

في سجن الحلة التقيت بمئات الرفاق ممن عرفتهم او عملت معهم وعشنا حياة السجن التي خفف مرارتها ما يتحلى به الرفاق من نكتة ومرح، وكان للطيف بربن دوره في التخفيف من معاناة السجن بما عرف به من حب النكتة وحسن صياغتها والمقالب اللطيفة التي كان ضحيتها عدد غير قليل من السجناء، والمواقف الانسانية لعبد الائمة هادي الذي أنسانا هموم السجن بأغانيه الجميلة وطرفه المستملحة.

 وبعد فشل حركة حسن سريع توافد علينا المئات من المعتقلين السياسيين، وبعد حركة تشرين أحلنا للمجلس العرفي العسكري، وكانت الاحكام متفاوتة، وكان نصيبي تسعة أشهر مع وقف التنفيذ وأفرج عني بكفالة ضامنة وعدم ممارسة العمل السياسي وبقيت خارج الوظيفة مسحوب اليد ثم صدر قرار فصلي عام1964.  وانصرفت للعمل الحر، ومن الغريب أن اخي جاسم اعتقل بعد انقلاب تشرين وبقي شهورا في السجن ثم أفرجت عنه المحكمة وأعيد لوظيفته فيما بقيت انا خارج الوظيفة.

 وحاولت استغلال الوقت لإكمال دراستي وبعد معاناة ومراجعات ووساطات حصلت على القبول في الجامعة المستنصرية وواظبت على دوامي فيها وتمكنت من نيل شهادة البكالوريوس منها، وبعد انقلاب تموز 1968 عدت للوظيفة على الملاك الثانوي.

 بعد قيام الجبهة الوطنية عام 1973 كان الفقيد ضمن الناشطين في المجال الجماهيري وطالما كلف بعرافة الاحتفالات التي يقيمها الحزب في المناسبات المختلفة ولبيان المواقف النبيلة فقد تزامن وقت فاتحة عمه الذي استشهد في محاولته اطفاء حريق في مستودع المنتجات النفطية واحتفالية تقيمها القوى الوطنية الديمقراطية للتضامن مع الشعب الشيلي في بغداد وكان عليه المفاضلة بين الواجبين  وكلاهما مهم لديه، وكان المهرجان يبدأ في الساعة التاسعة مساء، وعندما انهى اليوم الثالث للفاتحة وذهب المدعوون لتناول طعام العشاء طلب من شقيقه أن يقول لمن يسأل عنه أنه كلفه بمهمة وانطلق إلى بغداد لتأدية واجبه الوطني، وعند افتتاح مقر الحزب في الحلة عام 1973 كلف بعرافة الحفل، وكان ضمن الهيئة التحضيرية لنقابة المعلمين إلى جانب الشهيد مهدي كامل الزبيدي، ونسب عضوا في الهيئة الادارية لنادي المعلمين ممثلا عن الحزب، وكلف بعرافة المهرجان القطري للشعر الشعبي الذي أقيم في بابل، واغلب الشعراء كانوا من الشيوعيين، وكان من الاعضاء المؤسسين لندوة عشتار الحلية التي ضمت بعض الشخصيات الوطنية واليسارية ذات الماضي الكريم، وكانت له نشاطات أخرى اثناء قيام الجبهة يطول بيانها. 

وبعد سقوط النظام السابق كان جعفر هجول في مقدمة العاملين في الوسط الجماهيري، باعتباره شخصية وطنية يسارية لها موقعها الاجتماعي والثقافي، واسهم في النشاط الجماهيري بهويته المعروفة وكلف بمهام ثقافية تخدم التوجه اليساري الوطني، لقد تميز الفقيد بصفات نادرة تتمثل بالخلق الرفيع والعلاقات الاجتماعية الحميمة، وقبول الرأي الآخر، وعدم التقاطع مع مخالفيه في الرأي، والدبلوماسية التي جعلته موضع احترام الجميع رغم اختلافه معهم في الفكر والسلوك، وظل محبوبا من الجميع حتى رحيله المفاجئ. 

   ففي الطريق للمشاركة في مهرجان المربد الشعري.... تسلل الموت فجأة ليختطف من بيننا المربي الأستاذ الأديب جعفر حمود هجول مساء يوم 22-3-2010، فوجئنا بالخبر فقد كان في كامل صحته وأوج عطائه وعنفوان تألقه، يشارك في أماسي اتحاد الأدباء ويسهم في الحياة الثقافية والاجتماعية بنشاط ملحوظ، وآخر نشاطاته مساهمته في المهرجان التكريمي لعلم من أعلام العراق الحديث  الأديب الكيماوي البروفسور عدنان الظاهر الذي أقامته جامعة بابل  في انتباهة ذكية لتكريم أعلام الحلة، ورغم أن الظاهر يعيش في غربته الإجبارية في المانيا ، إلا أن حضوره من خلال الهاتف الجوال كان له الأثر الكبير في إضفاء نكهة على المهرجان عندما أستذكر ماضي الحلة ولياليها في لمحة خاطفة، تناول فيها أقرانه ولا زال صدى صوته يرن وهو يناجي بصوته المهيب(جعفوري) في إشارة لصديقه الصدوق جعفر هجول.

 

بينا يرى الإنسان فيها   

                                مخبرا وإذا به خبر من الأخبار