اخر الاخبار

يعتبر كتاب (ما العمل؟)، الذي ألفه لينين (مرت ذكرى ميلاده الـ 151 في 22 نيسان) أهم كلاسيكيات الماركسية التي كتبت في موضوع بناء الحزب الثوري، وهو أيضا النص الأكثر تعرضا للانتقاد من قبل الإصلاحيين والأكاديميين على حد سواء.

لكن وبالرغم من الافتراءات التي لا أساس لها، فإن )ما العمل؟( يحتل مكانا مهما في الأدب الماركسي، ويشكل معلما رئيسيا في تاريخ الماركسية الروسية.

نشر كتاب (ما العمل؟) في أوائل عام 1902 ولاقى ترحيبا كبيرا داخل الحلقات الماركسية في روسيا. قالت كروبسكايا في كتابها (ذكريات عن لينين): «لقد حقق (ما العمل؟) نجاحا كبيرا. وقد زودنا بالإجابات على عدد من الأسئلة الحيوية والملحة. كان الجميع يشعرون بالحاجة إلى منظمة سرية تعمل وفق خطة محكمة .. كان الكتيب دعوة متحمسة للتنظيم. لقد أوجز خطة شاملة لمنظمة يمكن للجميع أن يجد لنفسه مكانا فيها، ليصبح ترسا في الآلة الثورية، وهو الترس الذي مهما كان صغيرا، فإنه مهم لعمل الآلة».

كان كتاب لينين مساهمة مهمة في تلك الفترة المبكرة من حياة الحركة الثورية الروسية. يجب أن يقرأ جنبا إلى جنب مع مقالاته الأخرى لنفس الفترة، ولا سيما مقال “من أين نبدأ؟” الذي يكمل (ما العمل؟).

يفتتح لينين مقال “من أين نبدأ؟” بقوله: «في السنوات الأخيرة صار سؤال: “ما العمل؟” يطرح أمام الاشتراكيين-الديموقراطيين الروس بحدة خاصة. إنه ليس سؤالا حول الطريق الذي يجب أن نختاره (كما كان الحال في أواخر العقد التاسع وأوائل العقد العاشر)، بل حول ما هي الخطوات العملية التي يتعين علينا أن نخطوها في الطريق المعروف وبأي طريقة على وجه التحديد. إنه سؤال حول منهج وخطة النشاط العملي». كان عمل لينين الأخير  تطويرا لهذه الأفكار الأساسية.

كتب لينين هذا الكتاب للإجابة على “الأسئلة الملحة لحركتنا” حول التنظيم وفي الوقت نفسه لانتقاد الجناح اليميني للحزب. في ذلك الوقت كان الماركسيون الروس قد تحلقوا حول صحيفتهم “إيسكرا” ، التي خاضت نضالا مريرا لبناء الحزب على أساس مبادئ نظرية سليمة.

يشكل كتاب لينين بدون شك مساهمة هامة في النظرية الماركسية، كما أنه يشرح الدور الحيوي للحزب الثوري. في الواقع تعتبر أعمال لينين كلها مهمة لفهم الدور الأساسي للحزب. لقد سمحت له عبقريته بأن يرى أهمية الحزب بشكل أكثر وضوحا من أي شخص آخر داخل الحركة.

يستهل لينين كتابه(ما العمل؟) باقتباس من رسالة بعثها لاسال إلى ماركس يوم 24 حزيران 1852. لم يكن ذلك الاقتباس مصادفة بل كان هدفه التأكيد على الفكرة الرئيسية الموجهة للكتاب. «... إن النضال الحزبي يعطي الحزب القوة والحيوية؛ إن الدليل القاطع على ضعف الحزب هو الميوعة وطمس الحدود المرسومة بوضوح؛ إن الحزب يصير أقوى بتطهير نفسه...».

كان لينين طوال حياته حازما في الدفاع عن المبادئ الثورية والدفاع عن الماركسية. وعندما صدر (ما العمل؟) كان النضال ضد “الاقتصادويين” الروس قد بلغ أوجه. في مقدمة الكتاب قال لينين إنه لن يحدث أي تقدم في روسيا “حتى نضع نهاية كاملة لهذه الفترة (الاقتصادوية)”. وكان هدف الكتاب تصفية الحساب مع ذلك التيار الانتهازي.

كما أوضح لينين أن النضال ضد الماركسية طورته مجموعة المثقفين البرجوازيين في الجامعات وتم نقله إلى الإصلاحيين والانتهازيين داخل الحركة العمالية، حيث صار ذلك النضال مهمتهم الأساسية. وما زال الحال كذلك حتى اليوم.

يختم لينين كتابه “ما العمل؟” بالتأكيد على أهمية الصحافة العمالية. فيقول:

«يمكننا، في المستقبل غير البعيد، إصدار جريدة أسبوعية... ستصبح هذه الجريدة جزءا من منفاخ حداد ضخم ينفخ في كل شرارة من شرارات الصراع الطبقي والسخط الشعبي ويجعل منها حريقا عاما. وحول هذا العمل، الذي يبدو بريئا جدا وصغيرا جدا بحد ذاته، ولكنه منظم وعام سيتعبأ، بكل معنى الكلمة، جيش نظامي من المقاتلين المحنكين الذين سيجتمعون ويتلقون تدريبهم بشكل منهجي. وعلى سلالم وسقالات هذا الهيكل التنظيمي العام، سوف نتمكن قريبا من خلق اشتراكيين ديموقراطيين أمثال جيليابوف (الثوري الروسي وعضو في اللجنة التنفيذية لنارودنايا فوليا “ارادة الشعب” -المحرر) من بين ثوارنا وأمثال بيبل (أوغست بيبل الماركسي البارز والقائد في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني-المحرر) من بين عمالنا، والذين سيأخذون مكانهم على رأس الجيش المعبأ وإثارة الشعب كله لتسوية الحسابات مع عار ولعنة روسيا. هذا ما يجب أن نحلم به!»

في ما يلي مقتطف من الفصل الخامس من كتاب لينين (ما العمل؟) الذي يحمل عنوان (مشروع جريدة سياسية لعامة روسيا): 

«ينبغي أن نحلم!» ما أن كتبت هذه الكلمات حتى فزعت. فقد خيل لي أني جالس في «مؤتمر توحيد» وأمامي محررو «رابوتشييه ديلو» ومعاونوها. وإذا بالرفيق مارتينوف ينهض ويوجه إلي الخطاب الرهيب: «أجب من فضلك، هل يحق لهيئة تحرير مستقلة أن تحلم دون أن تستأذن في ذلك لجان الحزب بصورة مسبقة؟». ثم ينهض الرفيق كريتشيفسكي ويستطرد (معمقا على نمط الفلاسفة الرفيق ماتينوف الذي عمق منذ زمن طويل الرفيق بليخانوف) قائلا وفي صوته نبرة رهيبة أشد: «لن أقف عند هذا الحد. إني أسأل: هل يحق لماركسي أن يحلم بوجه عام إذا كان لم ينس أن البشرية في رأي ماركس تضع نصب عينيها على الدوام أهدافا قابلة للتحقيق وأن التكتيك هو سير نحو المهام التي تنمو مع نمو الحزب؟».

سرت القشعريرة في بدني لمجرد التفكير بهذه الأسئلة الرهيبة وأخذت أبحث عن ملجأ أختبئ فيه. إذن فلنلجأ إلى بيساريف (ديمتري ايفانوفيتش بيساريف، الناقد الأدبي الروسي البارز في القرن التاسع عشر – المحرر) ونحاول الاحتماء به.

فقد كتب بيساريف بصدد مسألة الخلاف بين الحلم والحقيقة: «ليست جميع الخلافات واحدة، إذ يمكن أن يسبق حلمي مجرى الأحداث الطبيعي، أو يمكن أن يسير في اتجاه لا يمكن أن يفضي إليه سير الأحداث الطبيعي بحال من الأحوال. في الحالة الأولى لا يسبب الحلم أي ضرر، بل قد يشجع ويشدد عزيمة الإنسان الكادح… ليس في مثل هذه الأحلام ما يمكن أن يفسد أو أن يشل القوة العاملة، بل بالعكس تماما. فلئن كان الإنسان محروما تماما من ملكية الحلم على هذا الشكل، ولا يستطيع أن يسبق مجرى الأحداث أحيانا وأن يتصور العمل الذي بدأ به لتوه جاهزا في صورته الكاملة النهائية، عندئذ لا أستطيع أن أتصور بوجه من الوجوه الدافع الذي يدفع الإنسان إلى الشروع بعمل جسيم متعب في ميادين الفن والعلم والحياة العملية وإلى الدأب حتى إنجازه… إن الخلاف بين الحلم والحقيقة لا يسبب أي ضرر، على أن يكون الشخص الحالم صادق الإيمان بحلمه وعلى أن يتأمل الحياة بانتباه ويقارن بين ملاحظاته والقصور التي يبنيها في الهواء وعلى أن يعمل بوجه عام وبصورة وجدانية على تحقيق حلمه. فعند وجود تماس بين الحلم والحياة تسير الأمور على ما يرام».

هذا النوع بالضبط من الأحلام قليل جدا لسوء الحظ في حركتنا. ويقع القسط الأكبر من تبعة ذلك على ممثلي الانتقادية العلنية و«الذيلية» غير العلنية الذين يتبجحون باعتدالهم وبـ«حسـ»ـهم للملموس.