لقد صدر قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 وبين في المادة (42) منه تاريخ تنفيذه بأثر رجعي منذ تاريخ/۲۰۱٤/۱/۱ وبموجب المادة (40) منه تم الغاء قانون التقاعد الموحد رقم (27) لسنة 2006 المعدّل. وبما ان القانون المنظم لحالة المتقاعدين ومؤسستهم كما هو معروف يتعلق بالمسائل المالية التي تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية، وليس للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بالإقليم الاجتهاد التعسفي في هذه المسائل، بل عليها الالتزام الكامل بها وذلك بتنفيذ مواد وفقرات هذا القانون ولكن للأسف فإنَّ إقليم كوردستان لم يلتزم بتنفيذ هذا القانون الجديد منذ تاريخ نفاذه وإلى ساعة كتابة هذه الأسطر، وإنَّه لمصلحته الخاصة ينفذ قانون التقاعد الموحد رقم ( 27 ) لسنة 2006 الملغى كما ذكرنا، منتهكا بذلك نصوصاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ ، ومن هذه النصوص:

1 - المادة (110/ثالثا)

(تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية ....... ثالثا- رسم السياسة المالية، والكمركية، وإصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وإنشاء (أولا - لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذه الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات.

البنك المركزي، وإدارته).

2 - المادة (121/أولا وثانيا)

الاتحادية).

ثانيا - يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة ووجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم، بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية

3 - المادة (130) تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور).

4 - المادة (14):

(العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي الاقتصادي أو الاجتماعي.

5 - بالإضافة الى بعض المواد الدستورية الأخرى الواردة ضمن باب الحقوق والحريات التي تكفل تكافؤ الفرص وحماية الأسرة والشيخوخة.

ونظرا للظلم والخسارة المادية والمعنوية التي لحقت بشريحة كبيرة من متقاعدي إقليم كردستان نتيجة إصرار حكومة الاقليم على الاستمرار في تطبيق القانون الملغي وعدم تنفيذها للقانون الجديد على هذه الشريحة المضحية أسوة بنظرائهم وأقرانهم في الحكومة الاتحادية، فقد لجأت مجموعة منهم إلى رفع دعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا ضد رئيس وزراء إقليم كردستان ووزير المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كوردستان مطالبين من المحكمة إصدار قرار بإلزام حكومة الإقليم تطبيق قانون التقاعد الموحد الجديد رقم (9) لسنة 2014 للمتقاعدين بدلا من قانون التقاعد الموحد القديم رقم (27) لسنة 2006، الملغى، وقد بينت المحكمة في حيثيات قرارها لهذه الدعوى المسجل ذي الرقم 212/ اتحادية/ 2022 الصادر في 2022/11/23 بأن استمرار حكومة الإقليم في تطبيق قانون التقاعد الموحد الملغي هذا مخالف لتلك النصوص الدستورية المذكورة وغيرها، ولذلك سارعت المحكمة الاتحادية بإصدار الحكم بعدم صحة تطبيق قانون التقاعد الموحد الملغى من قبل حكومة إقليم كوردستان وإلزامها بتطبيق قانون التقاعد الموحد المرقم (9) لسنة 2014 المعدل.

لكن حكومة الإقليم كدأبها لم تلتزم بكل هذه النصوص من الدستور بخصوص هذا الموضوع سابقا، بل ضربتها بعرض الحائط، فأنها لم تلتزم أيضا بتنفيذ منطوق قرار المحكمة الاتحادية المذكورة على الرغم من مضي أكثر من ثمانية أشهر على صدوره منتهكة ومخترقة بذلك المادة (94) من الدستور التي تنص على أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة.

فيا ترى هل حكومة الإقليم حكومة خارج دائرة السلطات المقررة بالدستور أم هي حكومة لا تأبه بالدستور ولا تلتزم بمواده جملة وتفصيلاً، وبالأحرى نسأل: أهي فوق المنظومة الفدرالية المقررة بالدستور؟ إذن ما دور الحكومة الاتحادية وسلطاتها لإجبار حكومة الإقليم على تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية؟ تلك المحكمة التي تعد بموجب الدستور الضمانة الأساسية لحماية احترام سمو الدستور الفدرالي وتطبيقه على الجميع، وكذلك هي الملجأ الوحيد لحماية الحقوق والحريات المقررة في الدستور عند أي اختراق أو انتهاك من السلطات الفدرالية أو الإقليمية.

ففي خضم هذا الوضع الناتج عن غياب سيادة القانون وعدم وجود قضاء مستقل وفعال لمحاسبة السلطات عند خرقها للدستور والقانون في هذه الدولة، يكون الخاسر شريحة واسعة من المواطنين ومنهم المتقاعدون الذين امضوا عقودا من الزمن من عمرهم وعرق جبينهم لخدمة الوطن، فهل من المنطق والمعقول أنه ضمن كل هذه السلطات الموجودة المسماة بالفدرالية والديمقراطية القائمة على أساس حماية حقوق الأنسان وحرياتهم أن لا نجد هيئة أو سلطة تسعف حماية هذه الشريحة لضمان حقوقهم دفعا للاختراق؟! فهل هذه هي المؤسسات القائمة على الإرادة الشعبية الحرة؟ وتصرفون مليارات الدولارات حين تعيدون الكرة للعمليات الانتخابية بين فينة وأخرى، بينما أمام أعينكم ومسامعكم ترون وتسمعون جهارا نهارا بأن إرادة الشعب تنتهك وتداس، بل ان نصوص الدستور وقرارات محكمتكم العليا ضربت عرض الحائط، وانتم لا تحركون ساكنا، ويبدو أنكم تغضون النظر عن هذا الانتهاك الصارخ لا بل انتم موافقون ومناصرون له تغفلون حقوق المتقاعدين، والا بماذا يفسر سكوتكم مقابل انتهاك الدستور وعدم احترام قرارات المحكمة الاتحادية، الأمر الذي نتج عنه الوضع المزري للحالة المعاشية للمتقاعدين في الإقليم، نتيجة الفرق الكبير في مستحقاتهم المالية مقارنة بأقرانهم في ظل الحكومة الاتحادية وهذا يعد مخالفا للمادة 14 من الدستور، اذ يتراوح الفرق بين (1000000) مليون دينار أو أكثر، ناهيك عن الحد الأدنى المحدد للراتب التقاعدي في الإقليم ب (220000) مائتين وعشرين ألف دينار بينما في المركز  لا يقل هذا الحد عن خمسمائة ألف دينار؟!

فيا أيها القائمون على أمر هذا البلد ألم يحن الوقت لتنهضوا بمسؤولياتكم الدستورية إزاء هذه الشريحة الواسعة من المجتمع العراقي كما عاهدتم بذلك عند أدائكم اليمين الدستوري، وذلك بإعادة النظر بحقوقهم القانونية وفق المبادئ المقررة بالدستور، فهل هم مواطنون لدولة غير دولة العراق؟ أليس الإقليم وحدة سياسية في إطار العراق الفدرالي؟ فإلى متى السكوت والقبول بهذه الانتهاكات المتعمدة واللامبالاة بحياة المواطنين والاستمرار في سياسة التمييز تجاههم حسب خضوعهم لسلطة الإقليم او المركز من حيث حصولهم وتمتعهم بحقوقهم المالية المشروعة؟!

عرض مقالات: