اخر الاخبار

جاء الإعلان عن مشروع ممر المواصلات الهندي العربي المتوسطي (الاسرائيلي) إلى أوروبا وتم ترويجه كممر تجاري ناشئ متعدد الوسائط يمكنه إعادة تشكيل أنماط التجارة بشكل جذري بين منطقة المحيط الهندي والشرق الأوسط وأوروبا من خلال إنشاء قوس من الارتباط التجاري يمتد على الحافة الجنوبية لأوراسيا من ساحل الهند على بحر العرب إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي لليونان نتيجة لعدة اسباب، فسبق وان نشرت جورسليم بوست الاسرائيلية في تموز عام 2022 ان وزير المالية الاسرائيلي ليبرمان التقى رئيس الوزراء الاسرائيلي لابيد للتأكيد على طرح مشروع ممر التكامل الاقتصادي بين دول الخليج العربي والاردن واسرائيل على الرئيس الامريكي بايدن، اما بالنسبة للهند، فيشكل هذا الربط الجديد نقلة نوعية استراتيجية ذات عواقب جيوسياسية هائلة يمكن أن تعيد تشكيل دورها في النظام الاقتصادي الأوراسي.

إن تشكيل ممر الاتصال الجديد جاء عقب التطبيع الدبلوماسي الذي جرى عام 2020 بين دولة الإمارات وإسرائيل، والذي أدى إلى تطوير شبكة سكك حديدية بين دولة الإمارات وإسرائيل عبر المملكة العربية السعودية والأردن مع ميناء حيفا الإسرائيلي كمحطة في البحر الأبيض المتوسط، وهذا سيعني إن الربط البحري من حيفا إلى البر الأوروبي الرئيسي في ميناء الشحن الضخم بيرايوس في اليونان، وستكون البضائع الهندية المشحونة إلى موانئ الإمارات العربية المتحدة قادرة على الوصول إلى الأسواق الرئيسية ومراكز التصنيع في أوروبا ويشكل الممر العربي المتوسطي من الهند إلى أوروبا طريق نقل تجاري بديلا لممر العبور الدولي المهدد بالتوتر والنزاع الامريكي الإيراني في تشابهار. وبهذا المشروع سيتم استبدال تشابهار بموانئ دولة الإمارات ــ والتي تعد ثالث أكبر شريك تجاري للهند ــ وسيتطور دور دولة الامارات لتصبح نقطة الاتصال الرئيسية في المحيط الهندي. وهكذا يمكن أن تصل البضائع الهندية التي يتم شحنها من بومبي عبر هذا الطريق المتعدد الوسائط إلى البر الرئيسي الأوروبي في أقل من 10 أيام، أي أسرع بنسبة 40% من الطريق البحري لقناة السويس.

وبدأت إسرائيل تصور نفسها على أنها مركز نظام هذا المشروع الطموح فصرح رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو: «ستكون بلادنا إسرائيل تقاطعا مركزيا في هذا الممر الاقتصادي، وستفتح سككنا الحديدية وموانئنا بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، ذهابا وإيابا.»

وأكد الخبراء أن المشروع هو نتيجة مباشرة للتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين. فقال إفرايم إنبار، رئيس معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمن: «إنه جزء من جهود الرئيس بايدن لجلب الهنود إلى المعسكر الأمريكي». وصرح جوزانسكي، الباحث في معهد الدراسات الوطني للشؤون الامنية، إنه ينبغي فهم المشروع على أنه علامة على طموحات واشنطن في المنطقة، بعد أن بدا أنها تتنازل عن بعض نفوذها في الشرق الأوسط للصين.

سبق وان عارض بايدن مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي اطلقته الصين في عام 2013 وصرح في آب في حفل استقبال لحملته الانتخابية في سالت ليغ سيتي عام 2016: «لقد جمعنا مليارات الدولارات في دول مجموعة السبع لتوفير بدائل لمشروع الصين - ما يسمونه مبادرة الحزام والطريق، وهي ليست في الأساس الا اتفاقية لاكثار ديونهم وخنقهم.» لكنه قال يوم الأحد 10 ايلول 2023 إنه «صادق» بشأن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، متراجعا عن التعليقات الصادرة تجاه بكين بأن رحلة الرئيس إلى الهند وفيتنام تركز على محاصرة نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقال بايدن للصحفيين المسافرين معه في فيتنام: «لا أريد احتواء الصين، أريد فقط التأكد من أن لدينا علاقة مع الصين في وضع أفضل، وأن الجميع يعرف ما هو الأمر»، مضيفًا أنه يريد أن يرى الصين تنجح طالما أنها تنجح «وفقًا للقواعد». ويظل السؤال المطروح هو ما إذا كان الطريق التجاري الجديد في المنطقة سيكون مكملاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية أو ينافسها.

وقالت سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، إنه من المحتمل ألا يكون هناك حجم تجارة كاف في المنطقة لجعل مشروع بايدن ومشروع الصين قابلين للتطبيق في نفس الوقت، وقالت: «جوهر الأمر هو أنه بديل (لمبادرة الحزام والطريق الصينية)». وأضافت بيانكو أن الشركاء في الطريق التجاري الجديد لديهم الأموال والإرادة السياسية اللازمة ايضا لتحقيق المشروع في وقت كاف ليكونوا قادرين على تحدي مبادرة الحزام والطريق.

لكن ثلاث دول اعضاء في الممر الجديد هم أعضاء فعليون في مبادرة الحزام والطريق الصينية ايضا، وسيجدون أنفسهم في موقف حرج بسبب انضمامهم إلى مشروع يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه مصمم لتقويض خطط بكين. أصبحت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات عضوين بالفعل في مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلى جانب إيطاليا، الدولة الوحيدة من مجموعة السبع التي انضمت لكن وسائل الإعلام الإيطالية ذكرت أن رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع الصين، بينما تسعى إلى خروج “ناعم” من مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي انضمت إليها روما في عام 2019. وقالت بيانكو إن عضوية إيطاليا في مبادرة الحزام والطريق هي «شذوذ»، وأن ميلوني ملزمة بالانسحاب.

اما فيما اذا كان بامكان الهند التحول إلى زعيم عالمي بصياغة هذه الهيكلية التجارية في القرن الحادي والعشرين فهذا سيعتمد على قدرة نيودلهي على تطوير سلاسل القيمة الصناعية عبر هذا الممر العربي المتوسطي الممتد من الهند إلى أوروبا. إن قدرة الهند على الاندماج في الممر العربي المتوسطي من الهند إلى أوروبا تتوقف بشكل أساسي على كيفية إدارة الهند لمجموعة الشراكات الأجنبية للمشاركة في الممر. المحور الحالي للممر العربي المتوسطي من الهند إلى أوروبا هو سلسلة القيمة التصنيعية في مجال إنتاج الأغذية وتصنيعها. يتم دفع مشروع «الممر الغذائي بين الهند والشرق الأوسط» الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات، من خلال الشراكات الاستثمارية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مع الهند والتي تعتمد على التحول في قطاعي الزراعة وإدارة المياه في الهند الذي يتم تنفيذه من خلال شراكة الهند مع إسرائيل. وبموازاة ذلك، تعمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مع الحكومة الهندية وشركات الطاقة الكبرى لتطوير سلسلة قيمة متكاملة للمواد الهيدروكربونية من خلال استثمارات بمليارات الدولارات في تصنيع البتروكيماويات ذات القيمة المضافة الأعلى في البلاد.

وتظهر التحليلات والدراسات أن هناك تركيزا قويا للسياسات في الهند ودولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وإسرائيل واليونان على تطوير ابتكارات في النظم الإيكولوجية توفر إطارا شاملا للتعاون في تطوير تقنيات الجيل التالي وبناء التصنيع عليها. وفي قطاع الابتكارات في مجال الطاقة الخضراء، تشارك جميع البلدان الخمسة في تنمية قطاع خاص متطور، مما يخلق التآزر بين الفرص لشراكات المشاريع المشتركة المتعددة الأطراف في التصنيع.

إن الشراكة الهندية الإسرائيلية – في تطوير تقنيات الجيل القادم المهمة في الزراعة، وتوليد الطاقة الشمسية واستخدامها، والبطاريات الكهربائية وشحن السيارات الكهربائية بالإضافة إلى قطاعات أخرى – قد اثمرت بالفعل وادت إلى التصنيع في الهند وأصبحت بمثابة نماذج لمشروع استثمار مشترك متعدد الأطراف.

ما هو تأثير ذلك على العراق؟

رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين 11 ايلول 2023، الخطط التي أعلنها زعماء الهند والسعودية والاتحاد الأوروبي لإنشاء ممر تجاري يربط جنوب آسيا بأوروبا ويتجاوز تركيا. وقال أردوغان إنه يدرك أن العديد من الدول تحاول توسيع مناطق نفوذها من خلال إنشاء ممرات تجارية، كما ان تركيا تدعم مشروع طريق التنمية في العراق، الذي يهدف إلى ربط الخليج بتركيا وأوروبا عبر خط سكة حديد وطريق سريع عبر موانئ في الإمارات وقطر والعراق. وصرح أردوغان إن الرئيس الإماراتي «قدم اقتراحا أكثر تصميما بشأن هذه القضية يوم السبت». ونقل الرئيس التركي عن الزعيم الإماراتي قوله: “دعونا لا نطيل هذا الأمر، فلينتهي أصدقاؤنا من المفاوضات خلال 60 يوما، ولنضع الأسس فورا وننطلق على الطريق”. وأضاف أردوغان: “الإمارات العربية المتحدة مستعدة للغاية لهذه المهمة وقطر مستعدة للغاية ونحن مستعدون جدا لذلك. أتمنى أن نكون قد اتخذنا هذه الخطوة بهذه الطريقة”.

يتضمن مشروع تطوير الطريق إنشاء خط سكة حديد مزدوج المسار يمتد لحوالي 1200 كيلومتر وإنشاء طريق سريع حديث يمتد من ميناء الفاو في محافظة البصرة جنوب العراق. وتخطط الحكومة العراقية لأن تعمل القطارات بسرعة تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة لتسهيل نقل الركاب والبضائع. بالإضافة إلى ذلك، تشمل الخطط إنشاء مراكز لوجستية ومجمعات صناعية والتكامل المحتمل لخطوط أنابيب النفط والغاز.

ومن المقدر أن يتطلب هذا المخطط الطموح استثمارا يبلغ حوالي 17 مليار دولار، مع عوائد سنوية متوقعة تبلغ 4 مليارات دولار وخلق ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل. إن الخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب يجب أن يمر عبر العراق وسوريا ثم تركيا. ويجب دعم الاسراع ببناء خط السكك الحديدية الرابط بين دول الخليج وخاصة الامارات العربية وقطر وتأهيل خطوط السكك الحديدية داخل العراق وربطها بميناء الفاو العراقي.

ان الظروف السياسية التي مر بها العراق، وضعته في مراحل حرجة واجه فيها اعمال عنف أدت إلى ضعف وتخلف قطاعات النقل والبنية التحتية، وأثرت هذه الحالة على شبكة السكك الحديدية والطرق وقطاعات النقل بشكل سيئ وكبير. ومن النظرة الشاملة على المستوى الكلي، أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة التجارة، مما يعيق حركة السلع والخدمات على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي. فتشكل منظومة وشبكات النقل الرديئة عائقا أمام الاقتصاد وعقبة لنشاط العمل التجاري.

لذلك تعد إعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات النقل إحدى أهم أولويات العراق. من خلال مشروع ممرات النقل في العراق. وقامت الحكومة العراقية باعداد خطة التنمية الوطنية الخاصة بها، حيث لعبت البنية التحتية للنقل دورا رئيسيا، فتكمل خطة التنمية الوطنية استراتيجية الحد من الفقر، وكجزء من مشروع ممرات النقل، وأعربت عن اهتمامها بتقييم الأثر الذي سيولد أدلة قوية لتوجيه استثمارات في ممرات النقل المستقبلية في العراق.

بحوث تقييم الأثر

ان الهدف الأساسي لتقييم الأثر هو دراسة ما إذا كانت استثمارات النقل تزيد من النشاط الاقتصادي في مناطق ممرات النقل والمناطق القريبة منها.

في أيار 2023، طرح العراق مشروعه الجريء والطموح لتشييد بنية تحتية لربط دولي يمتد على أراضيه، ويربط ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي بتركيا عبر شبكات السكك الحديدية والطرق. ويطمح العراق ان تكون ممرات النقل هذه بمثابة حلقة وصل جديدة مهمة بين «آسيا وأوروبا». وكان هذا المخطط هو الموضوع الرئيسي للنقاش في مؤتمر استمر يوما واحدا في بغداد، نظمه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وحضره وزير النقل ومسؤولون من مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن.

ووفقا للحكومة العراقية، سيبدأ العمل في ممرات النقل رسميا في عام 2024 ويمتد على ثلاث مراحل حتى عام 2050. وفي غضون السنوات الأربع الأولى، تهدف الحكومة إلى أن تكون قادرة على نقل 22 مليون طن من البضائع عن طريق السكك الحديدية سنويا.

ان هذا المشروع يستحق دعما وطنيا ويجب ان تستمر هذه المبادرة وتتطور لتشمل تحديث وترقية البنية التحتية لوسائل النقل في العراق وخاصة خطوط شبكة السكك الحديدية، بعد عقود من الصراعات وسوء الحكم والإدارة التي تركت شبكات الطرق والسكك الحديدية في حالة سيئة ومزرية، والتي أدت ليس الى تخلف النقل للأشخاص بل ايضا إلى ارتفاع تكلفة التجارة والتبادل التجاري، ما أعاق الحركة الدولية والإقليمية للسلع والخدمات من خلال العراق.

وبرغم الأهداف الطموحة، فقد تعرض طريق التنمية لمجموعة من الانتقادات، فجادل بعض المحللين بأن قدرات المشروع ونطاقه مبالغ فيها، مشيرين إلى حقيقة أن تقييم الجدوى أجرته شركة إيطالية متخصصة في قطاع الطاقة، مع خبرة قليلة على ما يبدو في تصميم شبكات النقل. لذا يجب على الحكومة العراقية اخذ هذا المشروع بجدية اكبر وإعداد دراسات وتصاميم اكثر عمقا ومن خلال جهات مشهود لها بالخبرة وربما إشراك الصين في هذا الموضوع والاعتماد على الخبرات الكبيرة المتوفرة لديها، وربما سيؤدي ذلك الى تحسس من الجانب الأمريكي، وهنا يجب على الحكومة العراقية إعطاء الأولية لمصالح العراق الوطنية وخاصة في جو التحديات التي تطرحها مشروع الربط الهندي الخليجي المتوسطي وبرعاية أمريكية وبدون مراعاة موقع العراق المميز.

واقع الحال أننا لا نجد إلا القليل جدا من الدراسات حول الفوائد الاقتصادية الأوسع نطاقا لتطوير البنية التحتية للنقل في ظروف العراق - وخاصة حول مرونة العوامل الاقتصادية عندما تكون هناك مخاطر أعلى مرتبطة باستخدام تلك البنية التحتية، لذا سيكون لدراسات تقييم الأثر لهذا المشروع مردودا كبيرا. وستقدم هذه الدراسات أساسا من شأنه أن يساعد في تقييم مساهمة النقل في تحقيق أهداف التنمية المزدوجة المتمثلة في تقليل الفقر وتعزيز الرخاء الاجتماعي وكذلك التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في التعليم وتوفير فرص العمل ودفع النشاط الاقتصادي مما يؤثر على التخفيف من حدة الاحتقان والشحن الاجتماعي الداخلي.

وربما سيواجه مسار المشروع الذي يقصده العراقيون بعض المشكلات، منها التفاهمات مع ايران والكويت حول المنافذ البحرية العراقية وميناء الفاو الكبير، وكذلك ربط البصرة ببغداد والموصل، قبل التوجه إلى الحدود التركية، وربما ستتجاوز ممرات النقل إقليم كردستان العراق وهنا يجب التفاهم مع الشركاء في كردستان، ومراعاة العوامل الطبوغرافية والاقتصادية التي قد تحدد هذا المسار، فنظرا للتضاريس الجبلية الوعرة في المنطقة، فمن شأن المسار عبر إقليم كردستان العراق أن يزيد مدة تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع لعامين وزيادة ميزانيته بمقدار 3 مليارات دولار، ما يرفع التكلفة الإجمالية إلى 20 مليار دولار.

إن مشاريع البنية التحتية هي دائما سياسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الاستراتيجية الدولية والإقليمية والوطنية. وبالنظر إلى أن الدولة العراقية تحكم في ظل خشية من التوترات الإقليمية والوطنية الداخلية، فإن استبعاد دول الجوار وخاصة تركيا وإيران والكويت وإقليم كردستان العراق من التفاهمات حول ممرات النقل يعد خطوة محفوفة بالمخاطر. فمن الضروري العمل على تحشيد دولي لدعم هذا المشروع العراقي.

عرض مقالات: