اخر الاخبار

تعلمنا من ماركس وانجلز أن علينا (كشغيلة يد وفكر) ان نثور ضد ظروف حياتنا اللاإنسانية وليدة المجتمع الرأسمالي، ولكن إذا كانت الرأسمالية مدمرة للإنسانية ككل، لماذا لا يعارضها الرأسماليون أنفسهم، على الأقل بعد أن يدركوا ما فعله نظامهم من دمار لكوكبنا؟ أليسوا بحاجة إلى طبقة أوزون معافاة ومياه صالحة للشرب وبيئة نظيفة كما هي حاجتنا لها؟

نعم يمكن للبعض منهم ان يغير مواقفه مثلما فعل نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور لكنهم استثناء، والقاعدة العامة هي ان الأغنياء يبذلون ما في وسعهم للبقاء أثرياء، حتى على حساب الكوكب، وحروب مروعة وإبادة الروح البشرية. فهل هم ضحايا للرأسمالية مثل الأشخاص الذين يستغلونهم؟

يعطي ماركس إجابة شيقة جدا بـ «نعم ولا» فيكتب في (العائلة المقدسة): «ان الطبقة المالكة وطبقة البروليتاريا يعانيان الاغتراب الذاتي الإنساني نفسه. إلا ان الأولى تشعر بالراحة والقوة في هذا الاغتراب الذاتي، فهي تدرك أن الاغتراب هو قوتها الخاصة، وتجد فيه مظهرا لوجودها الإنساني. أما الثانية فتشعر بتلاشيها في هذا الاغتراب؛ ترى فيه عجزها وحقيقة وجودها اللاإنساني ... سخط تُدفع اليه بالضرورة بفعل التناقض بين طبيعتها البشرية وظروف حياتها، يشكل رفضا صريحا، قاطعا، كاملا لهذه الطبيعة».

وهذا يعني ان الأثرياء يعانون من الاغتراب ايضا، وقد يصابون بالاكتئاب أحيانا، لكنهم،  كقاعدة عامة، يستخدمون أموالهم لشراء كل ما يطمحون اليه وخصوصا القوة السياسية، وقليلًا من التحكم وحرية القيام بما يريدون، ولو مؤقتا. وفي هذه الحرية، يمكن لهم استعادة «مظهر من وجود بشري». وهم يخشون فقدان هذا أكثر من أي شيء آخر. وهم مقتنعون تماما انهم يدافعون عن الإنسانية نفسها من خلال الدفاع عن امتيازاتهم الضيقة.

وفي (العائلة المقدسة) يكتب ماركس أيضا: «لا يهم ان نعرف الهدف الذي يتصوره مؤقتا هذا البروليتاري أو ذاك، أو حتى البروليتاريا بأكملها، بل المهم معرفة ما هي البروليتاريا، وما الذي ستكون مضطرة تاريخيا ان تفعله طبقا لهذا الكيان... ليست هناك حاجة لتوضيح أن قسما كبيرا من البروليتاريا الفرنسية والإنجليزية يدرك بالفعل مهمته التاريخية ويعمل باستمرار على تطوير هذا الوعي إلى أعلى درجة من الوضوح».

هنا، يقدم ماركس رؤية مدهشة لثورة وشيكة ترتبط بقوة الطبقة الاجتماعية التي تضم ملايين الأشخاص، وهي ثورة ديمقراطية بشكل جذري. لكنه في نفس الوقت، يبدو متبنيا موقفا حتميا، لأنه في هذه المرحلة من حياته لم يكن يعرف الكثير عن التاريخ الفعلي لنضال الطبقة العاملة. لهذا فقد كان اعتماده على المقولات الفلسفية التي وفرت له قوة مكنته من أن يتخيل تطورات اجتماعية دراماتيكية ستحدث مستقبلا.

وهنا أيضا يثار سؤال عن الوعي، إذ يؤكد ماركس على حقيقة أن العمال الفرنسيين والإنجليز يناقشون الأفكار ويعملون «على تطوير هذا الوعي إلى أعلى درجة من الوضوح». أي، أن أفعال وأفكار العمال تلعب دورا كبيرا جدا في النضال. لكن في الوقت نفسه، إذا لم يكن الأمر مهما «ان نعرف الهدف الذي يتصوره مؤقتا هذا البروليتاري أو ذاك، أو حتى البروليتاريا بأكملها» لماذا إذن كل هذا العناء طالما إن وجود البروليتاريا ذاته سيجبرها حتما على التوصل إلى تلك الاستنتاجات على أي حال؟ هل ستجبرهم ظروفهم الاجتماعية على ان يصبحوا ثوارا؟ (لم يكن ماركس وانجلز قد توصلا بعد الى أهمية قيام حزب يمثل البروليتاريا).

في (العائلة المقدسة) كان ماركس يقاتل على جبهتين غير مترابطتين تماما: أولا، كان يعتقد أنه من خلال تطبيق الديالكتيك الهيغلي على الظروف المادية (الاقتصاد)، سيكون قادرا على إثبات أن الشيوعية هي ضرورة تاريخية؛ وثانيا، ان أفراد الطبقة العاملة قادرون تماما على التعلم وإنتاج المعرفة مثل الفلاسفة، ويجب أن تلهم أفعالهم أي مفكر مهتم بالعدالة والحقيقة.

بعبارة أخرى، الشيوعية ضرورية ويريدها العمال. فانتبه أيها العالم «هناك شبح يجول في أوروبا – هو شبح الشيوعية».

ثم يجادل ماركس بأن «الأفكار لا يمكن أن تتجاوز النظام العالمي القديم، بل تتجاوز، فقط، أفكار النظام العالمي القديم. لا يمكن للأفكار تحقيق أي شيء على الإطلاق. من أجل تحقيق الأفكار، هناك حاجة إلى رجال يستطيعون ممارسة القوة العملية»، أي ان تكتسي الأفكار بلحم ودم، ان يجري تبنيها من قبل أشخاص يحققونها على ارض الواقع.

لقد قلنا سابقا بأن (العائلة المقدسة) ليس سهل القراءة. لكنه ساعد ماركس في صياغة أفكاره حول ثورة الطبقة العاملة، والمعرفة كمنتج اجتماعي، والتاريخ كسلسلة من المعارك بين الطبقات المتنافسة.

خلال الأشهر التالية، سيضيف إنجلز لونا حيا إلى رسومات ماركس النظرية. بالعودة إلى وطنه في ألمانيا، جلس إنجلز وسط جبل من المصادر التي جمعها في الفترة التي قضاها في مانشستر لكتابة أحد أكثر الكتب روعة في تاريخ الأدب الماركسي ونعني به (حالة الطبقة العاملة في إنجلترا) الذي فضح فيه دموية وبشاعة التربح الرأسمالي. وكان قد نشر قبله مؤلفه (خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي) الذي مثل نقطة انطلاق النقد الماركسي لمذهب مالثوس ونظريته عن السكان.

عرض مقالات: