اخر الاخبار

يواجه العراق اليوم تحديات كبيرة بسبب تأثيرات تغير المناخ في العالم كله، ومع ذلك، فلايزال دور مؤسسات الدولة العراقية لمواجهة ذلك محدودا.

فيؤثر تزايد احترار الأرض على محيطات وبحار العالم بعدة أشكال، ومنها أيضا التسبب في ارتفاع مستويات سطح البحر، ومن خلال عاملين:

أولا ذوبان الأنهار والصفائح الجليدية، وتدفق المياه الذائبة إلى المحيط التي تتسبب بزيادة مستوى سطح البحر.

ثانيا التمدد الحراري، فالمياه الدافئة تحتل مكانا أكبر من المياه الباردة، مما يزيد من حجم المياه في المحيط. وفقا لدراسة مينغل وفريقه عام (2016) (1) التي تم فيها استخدام العديد من الأدوات الحسابية للتنبؤ بإمكانية الوصول إلى مستوى سطح البحر، فمن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر في نهاية القرن الحادي والعشرين 0.57 إلى 1.31 مترا، ما لم يتم تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. أما سريفر ونيكولس (2,3) فيذهبان إلى أكثر من ذلك ويتوقعان ارتفاع بحوالي 2 متر بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. ( لاحظ الشكل 1)

خلال الفترة 1961-1993 ارتفع مستوى سطح البحر على مستوى العالم بحوالي 1.8 ملم/سنة كمتوسط، بينما خلال الفترة 1993-2003 أصبح المعدل 3.1 ملم/سنة (حسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ) ولا يزال مستمرا في الارتفاع، وتتعرض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر مثل معظم البلدان الأخرى في العالم التي لديها خطوط ساحلية. و سيكون هذا أكثر وضوحا في البلدان التي لديها مناطق دلتا، مثل العراق (دلتا دجلة والفرات). فهذه المنطقة أكثر ضعفا بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسب ارتفاع مستوى سطح البحر (4). ويشير أحد التقارير إلى أن هذا سيعرض المناطق الساحلية المنخفضة في الخليج العربي ومنطقة شط العرب وشمال إفريقيا لخطر خاص مع الإشارة بشكل خاص إلى العراق (5).

وسلطت إحدى الدراسات التي تم إجراؤها الضوء على قابلية تعرض البلدان العربية للتأثيرات المحتملة لارتفاع مستوى سطح البحر (6). وأشارت الدراسة إلى أن معظم هذه الدول، إن لم يكن جميعها، معرضة بشدة لتأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر. ليس فقط من خلال الغمر المباشر ولكن أيضا بسبب انتشار وتسرب المياه المالحة. فقد تم إجراء دراسة نموذجية لمحاكاة ارتفاع مستوى سطح البحر باستخدام بيانات نظام المعلومات الجغرافية (GIS) وبيانات مهمة طوبوغرافيا الرادار المكوك (SRTM)، ففي سيناريو ارتفاع مستوى سطح البحر 1م كشفت المحاكاة أن حوالي 41500 كيلومتر مربع من أراضي الدول العربية ستتأثر بشكل مباشر بارتفاع مستوى البحر. ولكن مع الأخذ في الاعتبار النطاق الكامل “المحتمل” للزيادات المتوقعة في درجة الحرارة، يمكن رفع مستوى سطح البحر حتى 1.4متر بحلول عام 2100.

في التعامل مع مصب شط العرب على رأس الخليج العربي، فإن الخط الساحلي للعراق محدود للغاية. ومع ذلك، فالمنطقة تعتبر واحدة من أكثر المناطق المهددة بسبب انخفاض ارتفاعها عن مستوى سطح البحر. يبدو أن المناطق المنخفضة الارتفاع تمتد عبر مدينة البصرة وإلى الشمال منها، وحتى مع بقاء ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد، فقد يؤثر التغيير المحتمل على ملوحة التربة عن طريق تسرب المياه المالحة وقد يتسبب في غمر أجزاء كثيرة من دلتا دجلة والفرات ويدفع السكان إلى النزوح والتسبب في فقدان أراض نتيجة غمرها بالمياه المالحة.

وفي حالة ارتفاع سطح البحر 3 أمتار فيمكن أن يتغلغل البحر إلى مدينة العمارة وخارج مدينة الناصرية، وبدرجة عالية من اليقين فمن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر حسب سيناريو الانبعاثات الذي يؤثر على محافظة البصرة. وان يكون متوسط الارتفاع بمقدار9.6 سم بحلول عام 2030 و17.9سم بحلول عام 2050 و30.2 سم بحلول عام 2080 وفقًا النماذج المتعددة (7). وفي ظل سيناريو انبعاثات عالية، يمكن أن تغمر المياه البصرة ثاني أكبر مدينة في العراق إلى حد كبير بحلول عام 2050 (8). (لاحظ الشكل 2)

وستتعرض المباني والمنشئات على طول السواحل لخطر شديد للفيضانات ولأضرار محتملة بسبب العواصف نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر. كما ويوجد ميناءان عراقيان على الخط الساحلي أم قصر والفاو، وهما ميناءان يدعمان التجارة والعديد من الصناعات بما في ذلك تصدير النفط وتخزينه. وكلاهما عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر ولأنماط الطقس المتغيرة التي قد تزيد من تأثير التآكل على السمات الطبيعية للساحل، وستؤثر على البنى التحتية فيها. فهذه المنطقة منخفضة للغاية بالفعل وعرضة لأي تغيير لمستوى البحر، فضلا عن كونها عرضة لإعادة توزيع الرواسب الساحلية والبحرية أثناء حدوث العواصف الشديدة، والتي تسد قنوات الشحن وتفرض الكري المتكرر.

 ومن الناحية السياسية والقانونية فإن ارتفاع مستوى سطح البحر والحركة المستمرة لأدنى علامة مائية منخفضة التي تحدد الحدود البحرية مع الكويت وإيران، يمكنها خلق نزاع دولي فيما يتعلق بموقع الممرات المائية؛ ووقعت هناك بالفعل عدة حوادث متعلقة بهذا في السنوات الأخيرة بين إيران والعراق. فبذلك سيتم تغير خط الأساس البحري، وخاصة ان هناك جدلا كبيرا حول ما إذا كانت اتفاقيات قانون البحار مجهزة بما يكفي للتعامل مع تحديات ارتفاع مستوى سطح البحر وتغيرات الحدود البحرية، ويمكن القول بأن حكمها المتمثل في خطوط الأساس المتنقلة قد يساهم في فقدان الأراضي، ونقل المناطق البحرية، ويخلق عدم اليقين وعدم الاستقرار.

كما ويعاني شط العرب بالفعل من تسرب المياه المالحة نتيجة نقص رفده بالمياه العذبة، وسيؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تفاقم هذه المشكلة. إن جميع التأثيرات المحتملة لتقلب المناخ في العراق واضحة حاليا في الأهوار والمناطق المجاورة، نظرا لحقيقة أن هذه المنطقة هي وعاء تصريف الأنهار وتصريف الري في العراق وهي معرضة لتأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر مما يؤدي إلى زيادة الملوحة في الأطراف الجنوبية مرورا بشط العرب وصولا إلى أجزاء من هور الحمّار. وكما هي منطقة ذات أهمية عالمية (الأراضي الرطبة ذات التنوع البيولوجي العالي والثقافات العريقة) التي تتعرض للهجوم على جبهتين (من الشمال ومن الجنوب) (6).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

توصيات

هناك بعض الاجراءات في العراق ولكن هذه الاجراءات لا تعالج سوى جوانب قليلة من العديد من تأثيرات تغير المناخ، فالحاجة ماسة لوضع خطة شاملة ولمراقبة مستمرة على المستوى الوطني للحد من النتائج المتوقعة لتأثيرات التغير المناخي ووضعها موضع التنفيذ على الفور. ومن عناصر هذه الخطة:

1 - مواجهة تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر على جنوب الدلتا وخط الساحل البحري، من الضروري إجراء المزيد من الدراسات لتحديد بطريقة وتفاصيل أكثر دقة التغييرات الدقيقة ومواقعها. وبناء على هذه الدراسات يمكن إعداد خطط للتنفيذ المرحلي لأعمال الحماية على شكل سدود وحماية شواطئ البحر.

2 - ويجب تحديد المستوطنات في المناطق التي لا يمكن حمايتها وعدم السماح بأعمال دائمة فيها؛ بينما يجب نقل السكان المستقرين إلى مناطق آمنة أخرى بعد توفير جميع الظروف المعيشية الجيدة هناك.

3 - القيام بدراسات دقيقة لتأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر على جميع الموانئ والبنى التحتية القائمة في العراق وتحديد السبل لحمايتها وضمان تشغيلها بشكل منتظم والحيلولة دون حدوث أضرار أو انخفاض في قدرتها.

4 - إعادة دراسة مشروع ميناء الفاو الكبير بمراعاة سيناريوهات ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل تفصيلي ودقيق لتجنب النتائج العكسية على المصالح الاقتصادية والسياسية للعراق.

5 - أعداد دراسات وخطط تفصيلية معززة باجراءات تنفيذية والاستعداد لتغير الحدود البحرية والبرية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر مع الكويت وإيران، لتجنب التأثيرات السلبية على مصالح العراق وسيادته على أراضيه ومياهه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

1 - Mengel M, Levermann A, Frieler K, Robinson A, Marzeion B, Winkelmann R (2016) Future sea level rise constrained by observations and long-term commitment. Proc Natl Acad Sci 113 (10): 2597–2602

2 - Sriver RL, Urban NM, Olson R, Keller K (2012) Toward a physically plausible upper bound of sea-level rise projections. Clim Change 115(3–4):893–902

3 - Nicholls RJ, Marinova N, Lowe JA, Brown S, Vellinga P, De Gusmao D, Hinkel J, Tol RSJ (2011) Sea-level rise and its possible impacts given a ‘beyond 4 degrees C world’ in the twenty-first century. Philos Trans R Soc A Math Phys Eng Sci 369:161–181

4 - Ghoneim E. “A Remote Sensing Study of Some Impacts of Global Warming”. Chapter 3.Arab Environment climate change- impacts of climate change on Arab countries. Edited by Tolba M and Saab N, 2009 http://www.afedonline.org/afedreport09/english/char3.pdf

5 - World Bank. “Water is Focus of Climate Change in the Middle East and North. Africa”. Archives.2013. http://web.worldbank.org/archive/website01418/WEB/0__C-151.HTM

6 - El Raey M. “Impact of sea level rise on the Arab Region,” University of Alexandria. Arab Academy of Science, Technology, and Maritime, 2010. https://www.researchgate.net/publication/266454174_Impact_of_Sea_Level_ Rise_on_the_Arab_Region

7 - L. Binder, B. Šedová, L. Rüttinger, J. Tomalka, S. Gleixner, (2022) Climate Risk Profile Iraq,  Potsdam Institute for Climate Impact Research (PIK) e.V.

8 - Abbas, N. , Nasrin, S. , Al-Ansari, N. Ali, S. , “The Impact of Sea Level Rise on Basrah City, Iraq,” Open Journal of Geology, vol. 10, pp. 1189 1197, 2020.

9 - UN Security Council holds session on sea level rise | World Meteorological Organization (wmo.int) accessed on 22 August 2023

 

عرض مقالات: