اخر الاخبار

يعاني اللبنانيون منذ أكثر من سنة من وطأة أزمة اقتصادية تعد هي الأسوأ، تتزامن مع اصرار على نهج سياسي معين يعيق تشكيل أي حكومة تكنوقراط  ويحدّ من قدرة السلطة على تقديم حد أدنى من الخدمات لمواطنين أضناهم تآكل أجورهم.

احتجاجات شعبية

بلغت نقمة اللبنانيين الذين خرجوا الى الشوارع خريف العام 2019 احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، ذروتها إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب. دفع حجم الخسائر في الأرواح والدمار حكومة حسان دياب الى تقديم استقالتها لامتصاص غضب الشارع. شكّل الانفجار ضربة قاضية للاقتصاد بعد أشهر من فرض قيود مصرفية مشددة وبدء انهيار سعر الصرف وتخلّف لبنان عن سداد دينه الخارجي. وتفاقمت معالم الانهيار مع فرض تدابير إغلاق مشدد على مراحل لمواجهة فيروس كورونا الذي حدّ أيضاً من وتيرة الاحتجاجات ودفع مؤسسات إلى إقفال أبوابها.

وجد اللبنانيون أنفسهم أمام ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، بينما تراجعت قدراتهم الشرائية ولا تزال تتراجع. حاولت السلطة احتواء الوضع عبر تدابير موضعية، كدعم سلع استهلاكية وملاحقة صرافين. لكن تدهور الليرة استمر، ليتجاوز سعر الصرف الثلاثاء عتبة 15 ألفاً مقابل الدولار، بينما الرسمي مثبت على 1507 ليرات.

والنزيف مرشح للاستمرار. فمن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي بالدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات.

ويؤخذ على مصرف لبنان استمراره في طبع الليرات ما يفاقم التضخم المفرط أساساً، عوضاً عن اتخاذ إجراءات حاسمة للجم التدهور وإعادة بناء ثقة المودعين بالمصارف وجذب الأموال من الخارج وتوحيد سعر الصرف. وفق محللين.

وعادت منذ مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات. قطع متظاهرون لأيام طرقاً رئيسية في أنحاء البلاد. وتستمر التحركات بشكل شبه يومي، لكن بصخب أقل.

تشكيل الحكومة

يوحي أداء القوى السياسية أنّها منفصلة عن الواقع، رغم ضغوط دولية قادتها فرنسا خصوصاً لتشكيل حكومة. ويصطدم تأليف الحكومة الجديدة بشروط واخرى مضادة واتهامات متبادلة بالتعطيل بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري منذ 22 تشرين الأول.

وتشير تقارير صحافية الى أن تشبّث رئيس الجمهورية وتياره السياسي بالحصول على حصّة حكومية مرجحة هو ما يعيق ولادة الحكومة، رغم أنه ينفي ذلك. ولم تنجح مبادرات محلية وخارجية حتى الآن في تقريب وجهات النظر.

ويقول مصدر دبلوماسي عربي في بيروت لوكالة “فرانس برس”، أن  “المعطيات الراهنة تسمح بتشكيل حكومة اليوم، لكن قياساً على سلوك القوى السياسية الموجودة وحساباتها التي يبدو أنها لم تتغير، فهناك تعطيل متبادل قد يستمر لأشهر” مضيفاً “قدمنا حلولاً كثيرة لكن الداخل لم يتلقفها”.

ويقول الباحث والأستاذ الجامعي ناصر ياسين لفرانس برس “ثمة تأزم سياسي كبير بينما نتجه الى الهاوية. يبحث كل فريق كيف سيستفيد من مكتسبات معينة قبل الانهيار التام”.

يحصل ذلك فيما مؤسسات الدولة ومرافقها في “حالة إنهاك تام”، ما يجعلها “عاجزة عن القيام بأبسط واجباتها، من توفير الخدمات اليومية وصولاً الى حفظ الأمن”.

“العتمة الشاملة”

خلال الأسبوع الماضي، أثارت تصريحات وزراء في حكومة تصريف الأعمال انتقادات واسعة. إذ نبّه وزير الداخلية محمد فهمي في مقابلة تلفزيونية إلى أن “الوضع الأمني قد تلاشى”.

وحذّر وزير الطاقة ريمون غجر من أن البلاد تتجه نحو “العتمة الشاملة” نهاية الشهر الحالي، ما لم تُقرّ سلفة لاستيراد الفيول. قبلها بأيام، أعلن وزير التربية طارق المجذوب إضراب المدارس لأسبوع احتجاجاً على عدم تقديم الحكومة مساعدات مالية ولوجستية لها.

وترتفع شكوى القطاعات كافة: محطات الوقود، نقابات الأفران، المستوردون والتجار.. كلهم يهددون بوقف العمل. وبعضهم بالفعل أقفل أبوابه خلال اليومين الأخيرين مع تدهور قيمة الليرة. حتى أن قائد الجيش جوزف عون انتقد، في خطوة نادرة، “الخفض المستمر والمتكرر لموازنة” مؤسسته.

ويقول ياسين “لم نصل بعد إلى مفهوم +الدولة الفاشلة+، بمعنى تفكّكها وانتهاء أدوارها، لكنّ المؤكّد أن قدرتها على الاستمرار تتراجع في كل يوم”.

وقال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، مروان راعي، لـ”طريق الشعب”، ان “لبنان دخلت الى قلب الانهيار بسبب السياسات الاقتصادية والمالية ‏التي اتبعتها هذه السلطة، هذه السياسات جاءت على حساب الطبقات ‏الفقيرة”. ‏

وأضاف ان “القدرة الشرائية للمواطن اصبحت شبه معدومة، ما دفع الناس الى ‏النزول الى الشارع”. ‏

وأوضح أن “احزاب السلطة ما زالت تتصارع على المناصب”، مبيناً أن “المرحلة تشهد بداية رفع الدعم عن المحروقات والمواد ‏الاولية”. ‏

وأشار الى اننا “في حال ذهبنا الى حكومة انتقالية هذه الحكومة تقع عليها مهمات عديدة على رأسها انقاذ الوضع ‏الاقتصادي”، مشدداً على أن  يجب ان تكون الحلول الاقتصادية المطروحة “خارج اللجوء الى ‏صندوق النقد الدولي الذي هو جزء من الازمة الاقتصادية اللبنانية”. ‏