في صباح الأول من شباط صحيتُ مفعماً بأنغام حلمٍ من ست كلمات أغنيته، شباط الخباط هذا بشرني بأن للشتاء وعود ستهطل حتماً حتى وإن جاءت متأخرة. بردٌ قارس، رياحٌ شديدة، أمطارٌ غزيرة، في أجوائها وبعد أن عزلت على التعرض لبعض الأنباء عن وطني المستعمَر، تفاجأت متسائلاً ما بيني وبين نفسي لماذا لم يسقط أحد من أبناءِ جلدتي شهيداً هذا الصباح؟

إنّ الأخبار ليست طبيعية هذا الصباح، كلا ليست طبيعية بتاتاً. بل إنّ هذا الشهر الماطر شاذ عن الطبيعة، طبيعة الواقع الكولونيالي الصهيوني التي باتت تحدق بنا، منقضةً على إنسانيتنا، وتلك الطبيعة البديهية القائمة على أساس الحياة الطبيعية التي تنتهي بموت طبيعي. ولكن أن يصبح القتل شأنا يوميا من شؤون منظومة الأبارتهايد الكولونيالي الصهيوني فهذا يعني أن الحياة برمتها في فلسطين المستعمَرة باتت غير طبيعية وغير مقاومة.

أن يشرع هذا العام برسم ملامحه الدامية بأكثر من ثلاثين شهيداً وشهيدة في كانون الثاني/يناير الماضي فهذا يعني أن شهر شباط الذي لم نشهد في فاتحته، حتى الآن، على الأقل شهيدة أو شهيدا، هو شهر شاذ عن ماهية الزمن الطبيعي الخاص بمنظومة الاقصاء والاضطهاد الصهيونية. بلى هذا هو بيد دولة النظام الصهيوني الحاضنة والراعية لتقنيات منظومة الأبارتهايد الكولونيالي، والتي تُعد تقنية إحالة الشاذ إلى طبيعي والطبيعي إلى شاذ، أحد أهم أدوات سيطرتها وقمعها وملاحقتها لأجساد الكائنات الكولونيالية الخاضعة.

  إنّ الكائن الكولونيالي المسيطر وهو الصهيوني فيما يدعي الحالة وفي سبيل تعزيز وفرض وجوده زمانياً ومكانياً في المستعمرة الكولونيالية لا يعني فقط إزاحة وتحييد الفلسطيني عن سياق الواقع الطبيعي، وإنّما يعمل على إعادة ترتيب الواقع بما يتلاءم مع مصالحه وأهدافه الرامية إلى تحقيق الخلاص النهائي من آخره الكولونيالي الخاضع، إذ يصبح الواقع الطبيعي هو واقع القتل، ونشرة الأخبار الطبيعية هي تلك التي تبدأ بأخبار القتل ومصادرة وملاحقة الجسد الفلسطيني زمانياً ومكانياً، والتوغل أكثر في الوعي الفلسطيني لإقناعه وايهامه بأن ما يحدث له من قتل يومي هو شأن طبيعي من شؤون الواقع الكولونيالي، إقناعه بدرجة قلقه وتفاجؤه الناتجين عن استقباله لشهر شباط خالٍ من القتل والدماء، شهراً شاذاً عن الطبيعة الكولونيالية الصهيونية، حتى هذه اللحظة على الأقل.

ــــــــــــــــــ

* روائي وأسير محكوم بثلاث مؤبدات، يقبع في سجن نفحة.

عرض مقالات: