اخر الاخبار

يتصاعد الصراع غير المعلن بين واشنطن وبرلين على الهيمنة في بلدان شرق وجنوب شرق أوروبا. وتتركز الخلافات حول إعادة إعمار أوكرانيا.

مفوضية الاتحاد الأوروبي ادعت في البداية قيادة إعادة إعمار البلاد، لكن واشنطن تقول إن بروكسل تفتقر إلى “النفوذ السياسي والمالي”. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون الدور القيادي الأول للولايات المتحدة. وبالتوازي تقوم الولايات المتحدة في بولندا بقمع مبادرة طرحتها برلين لإنشاء نظام دفاع جوي أوروبي، وتعمل على جعل بولندا مركزا لنشر التكنولوجيا النووية الأمريكية في شرق وجنوب شرق أوروبا، على حساب الصناعة النووية الفرنسية. وأخيرًا بدأوا في تحويل شرق وجنوب شرق أوروبا إلى سوق مبيعات آخر للغاز الأمريكي المُسال، عبر توظيف مبادرة البحار الثلاث، وهو مشروع إقليمي يشمل 12 دولة بين بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود، بضمنها بولندا، والذي تشكل عام 2015 بناء على اقتراح امريكي.. ان هذه المبادرة تتعارض مع المصالح الألمانية في المنطقة.

الغاز الأمريكي المسال الى شرق اوربا

بالنسبة للولايات المتحدة، تعد مبادرة البحار الثلاث أداة مناسبة لتعزيز نفوذها في شرق وجنوب شرق أوروبا لأنها تواجه الانجذاب السائد في المنطقة نحو الدور المركزي الألماني في الاتحاد الأوروبي. وتسعى الولايات المتحدة جاهدة لجعل بلدان المنطقة أسواقا لمبيعات غازها السائل وبالتالي تعزيز تبعيتها. يتم تزود ميناء كلايبيدا الليتواني بانتظام بالغاز الأمريكي السائل. وفي بداية نيسان 2022، أعلنت ليتوانيا أنها أول دولة في أوروبا تستغني تمامًا عن الغاز الروسي.  وتشتري لاتفيا وإستونيا بدورها الغاز الأمريكي من ليتوانيا؛ ويمكن لبولندا، التي تمتلك محطة خاصة بها، استيراد المادة الخام عبر ليتوانيا. وفي الجنوب ترسو ناقلات الغاز السائل الأمريكية في محطة قبال جزيرة كرك الكرواتية، والتي تعمل منذ بداية عام 2021 وسيتم توسيع قدرتها من 2,6 إلى 6,1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا. وتعمل كرواتيا أيضًا على توسيع البنية التحتية لخط الأنابيب الممتد شمالًا من كرك. ومن حيث المبدأ، يمكن أيضًا تزويد هنغاريا وسلوفينيا عبره.

الدفاعات الجوية الأمريكية بدلاً من سكاي شيلد الأوروبية

تعمل الولايات المتحدة حاليا على تعزيز تعاونها مع بولندا، في عدد من المجالات، على حساب ألمانيا والاتحاد الأوروبي مباشرة. مثال على ذلك خطط إقامة نظام دفاع أوروبي مشترك مضاد للطائرات والصواريخ، الذي أقرته 15 دولة أوروبية في 13 تشرين الأول 2022، والذي ستعلب فيه المانيا دورًا رئيسيًا. من بين مؤيدي مبادرة درع السماء الأوروبية (أي اس اس  ل) دول البلطيق وست دول أعضاء أخرى في مبادرة البحار الثلاث. لقد بقيت بولندا خارجه. والسبب هو أن بولندا مشتر مخلص للمعدات العسكرية الأمريكية منذ سنوات وشريك تعاون عسكري وثيق للغاية للولايات المتحدة، وتعمل منذ فترة طويلة على بناء نظام دفاع جوي خاص بها، ولا تريد الاندماج في نظام الدفاع الأوربي. وهكذا، تقوم بالتعاون مع الولايات المتحدة ببناء نظام دفاع يعتمد على بطاريات باتريوت المضادة للطائرات، والتي تحمل اسم ويسلا. ومن جهة أخرى تتعاون بولندا مع بريطانيا لبناء نظام دفاعي ثاني. ويثير هذا التوجه شيئا من الاستياء في برلين وبروكسل، لان التعاون الحصري لبولندا مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يتعارض مع إنشاء نظام دفاع جوي أوروبي موحد.

مدار للتكنولوجيا النووية الأمريكية

لقد بدأت بولندا تعاونًا نوويًا وثيقًا، وربما بعيد المدى مع الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في إطار سعيها الى التحرر من اعتمادها الهائل على محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، عبر بناء محطات طاقة نووية. وفي نهاية شهر آب الفائت، وخلال لقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اقترح رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي أن تحصل مجموعة أي دي اف الفرنسية على عقد لبناء أول محطة للطاقة النووية. لكن قبل أيام، قال وزير الخزانة البولندي، جاسيك ساسين، بعد محادثات مع وزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم في واشنطن، إن شركة ويستنجهاوس الأمريكية ستبني على الأرجح أول وربما ثاني محطة للطاقة النووية البولندية. بالإضافة إلى ذلك، تريد بولندا أن تصبح، بمساعدة الولايات المتحدة “مركزًا نوويًا لكل شرق أوروبا الوسطى”، وأن تعمل كمركز لتوسيع الطاقة النووية. يثير تحالف بولندا المتزايد مع واشنطن، باستمرار معارضة اوربية جادة. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، تدرس مفوضية الاتحاد الأوروبي منع تعاون بولندا النووي الأحادي الجانب مع الولايات المتحدة. وبالطبع، ستواجه بولندا بعد ذلك مسألة حدود سيادتنا، كما قيل في وارسو.

“لا هذا ولا ذاك”

ويستمر الخلاف حول من سيقود إعادة إعمار أوكرانيا، وبالتالي وضع الأسس لاتجاه أوكرانيا المستقبلي، في مؤتمر برلين لإعادة الإعمار، الذي عقد أخيرا، والذي تم تنظيمه مشاركة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع، اكد المستشار الألماني شولز: “لا يفعلها لا هذا ولا ذاك” ، بل الجميع معًا، ومن الضروري الآن إنشاء هيكلية “مختلطة بمشاركة كثيرين”.  ومن الواضح ان هذه ليست نهاية الصراع على الهيمنة.