اخر الاخبار

يبدو ان العبور الى الضفة الاخرى في السودان واستكمال عملية الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات دونه خرط القتاد. لدرجة ان مفردة “العبور” التي ظل يرددها السيد عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، ذو الشعبية المتضائلة بشدة، اصبحت مثيرة للسخرية وسط الجماهير.

 فالازمة الاقتصادية تزداد حدة، والانفلاتات الامنية تعود في اقليم دارفور المشتعل منذ خروج القوات الدولية، وعجز الحكومة السودانية عن سد الفراغ الذي تركته، الى جانب الصعوبة التي رافقت اتفاق شركاء الفترة الانتقالية على تكوين الحكومة، التي يفترض ان تفي بمتطلبات اتفاق جوبا الموقع في 3 حزيران العام الماضي.

فالعملة الوطنية تواصل تدهورها امام العملات الاجنبية، خاصة الدولار الذي تعدى حاجز الـ 350 جنيه، مما انعكس في ارتفاع الاسعار الذي يتصاعد بمتوالية هندسية، ويتصاعد معه السخط الشعبي. بينما  الشارع تتقاسمه عدة تيارات متناحرة.

 فمن جهة يحاول انصار النظام المباد استغلال الازمة ويغازلون الجيش ليتحرك ويستولي على السلطة. وتيارات المقاومة التي لعبت دوراً مهماً في ثورة ديسمبر، وعلى رأسها تجمع المهنيين ولجان المقاومة، تقوم بممارسة الضغط على الحكومة وتسندها في نفس الوقت ضد عناصر الثورة المضادة. وان كانت هذه المجموعات الاخيرة محسوبة على الحزب الشيوعي الذي اعلن خروجه عن الحاضنة السياسية للحكومة، بعد ان فقدت دورها كموجهة  لها عقب دخول شركاء الفترة الانتقالية، والسعي للاستعاضة عنها بمجلس يحمل هذا الاسم، عبر الخرق المستمر للوثيقة الدستورية   من قبل مجلسي السيادة والوزراء.

من جهة اخرى عادت الانفلاتات الى اقليم ادارفور بعد خروج القوات الدولية مع انتهاء الاجل المحدد لها. وكان من المتفق عليه ان تحل محلها قوات سودانية في حدود 12 الف جندي،   توفر الامن للسكان.  ولكن الحكومة عجزت عن الايفاء بهذا المطلب، ليس لانها لا تملك هذا العدد من القوات، ولكن لان القوات التي ظلت تعتمد عليها كانت من المليشيات التي اسهمت في خلق الاوضاع الامنية الهشة السائدة.

وقد توصلت الكيانات السياسية المختلفة والمتشاكسة اخيرا الى صيغة لتشكيل الحكومة، ولكن ليس واضحا ما اذا تعبر هذه الصيغة عن روح اتفاق السلام الموقع مؤخراً في جوبا. فبدلاً عن الخلاف القديم بين الجبهة الثورية وفصائل الحرية والتغيير،  ظهر خلاف داخل حركات جوبا نفسها حول تقسيم الوزارات في الحكومة، التي لم يعد سراً انها تقوم على محاصصات حزبية، في خضم تكالب على السلطة من قبل النخبة السودانية وصفه المراقبون بانه مخجل، في وقت تتدهور فيه الاوضاع بشكل ينذر بالانفجار.

في ذلك الوقت كان جنرالات الجيش يترقبون اللحظة التي ينقضون فيها على السلطة، تساندهم العناصر التي فقدت مكانتها السياسية والاقتصادية عقب الاطاحة بالرئيس البشير. ولكن دون ذلك تحديات كبيرة، مثل الموقف الدولي من عملية الانتقال السلمي، في وقت تفصلنا فيه ايام معدودة من وصول بعثة الامم المتحدة لادارة البلاد،  والتي يهلل لها السيد حمدوك ومجموعته من الراغبين في ان يلعب المجتمع الدولي دوراً متقدماً في دعم الحكومة المدنية. الى جانب التحذيرات الامريكية للعساكر بان حكومة بايدن لن تقف الى جانب حكومة عسكرية في الخرطوم، وانها سوف تمارس ضغوطاً عديدة عليهم في حال وقوع انقلاب عسكري.

ويبدو ان وضع البلاد تحت الحماية الدولية هو البديل لحالة الفوضى التي ربما تصل اليها، اذا استمر الحال على ما هو عليه. فالحكومة تصر على مواصلة نفس السياسات الاقتصادية التي قادت الى الزعزعة في ظل تناقص الاوتاد كما يقول الراحل منصور خالد. وهي نفس السياسات التي اودت بثلاث حكومات سابقة عسكرية ومدنية.

كما ان المختلفين معها عجزوا حتى هذه اللحظة عن تسمية ادوات نضالية لتعبئة الشارع، لاقتلاعها او ضغطها باتجاه نهج اقتصادي يحد من حالة التدهور المريعة. ويكتفي الحزب الشيوعي والجهات المحسوبة عليه حتى الآن بالاعتراض على سياسات الحكومة واعلان رفضها لها من خلال المؤتمرات الصحفية والوقفات الاحتجاجية. ولم تتحول  اللقاءات التي تمت بينهم وبين حركات مسلحة واحزاب سياسية اخرى بعد الى تحالف سياسي، يستهدف السلطة عبر تسمية شكل محدد للمواجهة. كما ان بعض تلك الجهات لم تقطع صلتها بعد بالسلطة في شقيها المدني والعسكري، وقد تمت لقاءات بين بعضها ورئيس المجلس العسكري.