اخر الاخبار

جاءت نتائج انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية التي جرت، الاحد الفائت، مطابقة الى حد كبير مع استطلاعات الرأي التي سبقتها. ويعود ذلك الى ان القائمتين الرئيسيتين المتنافستين (قائمة ماكرون وتحالف اليسار) قد استنفذتا تحالفاتهما الممكنة وقواهما التعبوية خلال خوض جولة الانتخابات الأولى، ولم تتحقق مشاركة واسعة في التصويت لتمنحهما فرصة التنافس على أصوات المقاطعين للمشاركة في الاقتراع، والتي بلغت أكثر من 54 في المائة.

سنحاول تناول الحدث في ضوء نتائج الانتخابات المتوفرة.

معسكر الرئيس ماكرون

مني تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهزيمة سياسية، وفشل في كسب الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. وحصلت قائمة الرئيس “معا”، وفق “فرانس 24” على 244 مقعدا. وبذلك خسر الأغلبية التي تمتع بها في انتخابات عام 2017.

بالإضافة الى ذلك، ترتب على هذه النتائج فشل ثلاث وزيرات في حكومة إليزابيث بورن في الفوز في دوائرهن الانتخابية، ما يعني مغادرتهن صفوف الحكومة. وهن بريجيت بورغينيون وزيرة الصحة وجوستين بينان كاتبة الدولة المكلفة بالبحار وأميلي دو منشلان وزيرة التحول البيئي. وهزم أيضا رئيس الجمعية الوطنية ريشار فيران وكريستوف كاستنير رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف الرئاسي في نفس الجمعية ووزير الداخلية السابق.

واعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن أن النتيجة تشكل “خطرا” على البلاد “في ضوء التحديات التي يتعين علينا مواجهتها”.

وقالت بورن في تصريح للإعلام إن حكومتها ستتواصل الآن مع شركاء محتملين، سعيا لحشد أغلبية تدعمها.

وأضافت: “سنعمل ابتداء من الغد من أجل تشكيل أغلبية لضمان الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة”.

وفازت بورن نفسها في سباقها للحصول على مقعد في الجمعية الوطنية عن منطقة كالفادوس بشمال البلاد. وكانت رئيسة الوزراء تواجه خطر استقالتها من منصبها في حال عدم الفوز في الدائرة الانتخابية.

ويرى محللون ان نتائج الجولة الثانية غيّرت المشهد السياسي الفرنسي عميقا، وأشار بعضهم الى مخاوف من حال عدم الاستقرار السياسي، فيما اعتبر آخرون ان النتائج تمثل بداية ممكنة لتحولات لصالح الأكثرية. ويأتي ذلك من حاجة الرئيس الى تفاهمات برلمانية لتنفيذ مشاريعه، كون النظام الانتخابي الفرنسي لا يسمح بتشكيل كتل جديدة بعد الانتخابات.

معسكر اليسار

واعترفت حتى وسائل الاعلام التقليدية في فرنسا وأوربا بان اليسار الفرنسي استطاع العودة بقوة لصدارة المشهد السياسي الفرنسي، وهو ما يشكل حاليا القوة الثانية في الجمعية الوطنية الفرنسية. ومن الضروري الإشارة الى اليسار الفرنسي الذي عانى لعقود من التشتت والتراجع، استطاع في الفترة القياسية التي تلت الانتخابات الرئاسية في 24 نيسان، تشكيل التحالف الاجتماعي الإيكولوجي الجديد: الذي يضم حتى اللحظة قوى اليسار الفرنسي الرئيسية (حركة فرنسا الابية، حزب الخضر، الحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي الفرنسي)، ويتمثل التحدي الأهم لقوى التحالف في الحفاظ على تماسكه وتطويره.

لقد حصل تحالف اليسار على 149 مقعدا توزعت بين قواه بالشكل الآتي: حركة فرنسا الابية بزعامة ميلونشون 86 مقعدا، حزب الخضر 28 مقعدا، الحزب الاشتراكي 22 مقعدا، الحزب الشيوعي الفرنسي 13 مقعدا، بضمنها مقعد للسكرتير الوطني للحزب فابيان رسل الذي حصل في دائرته الانتخابية على 54 في المائة من أصوات الناخبين.

وأكد زعيم تحالف اليسار جان لوك ميلنشون في خطابه الحماسي الذي القاه بعد اعلان النتائج الأولية، ان النتائج اكدت هزيمة معسكر الرئيس. وشدد ميلنشون على ضرورة الحفاظ على تحالف اليسار الجديد وتعزيزه. وان المستقبل الذي يحكم اليسار فيه فرنسا لم يعد بعيدا. وتدور في وسائل الاعلام مخاوف من خروج الحزب الاشتراكي من التحالف على أرضية التباينات المرتبطة بتعددية اليسار بمعناه الواسع، لكن هذه المخاوف لا تزال بحدود التوقعات. بالإضافة الى ذلك حصلت شخصيات في اطار ما يطلق عليه يسار متنوع على 21 مقعدا أخرى. بمعنى ان معسكر اليسار يملك بالحساب المجرد 170 مقعدا.

معسكر اليمين المتطرف

وعكست النتائج تقدما كبيرا لقوى اليمين المتطرف، حيث حصل لأول مرة على 85 مقعدا، وكانت حصة الأسد فيها لحزب التجمع القومي بزعامة ماري لوبان. وبهذا يصبح اليمين المتطرف، لأول مرة أيضا، القوة الثالثة في الجمعية الوطنية الفرنسية.

وبعيدا عن هذه الحقيقة، عملت وسائل الاعلام التقليدي على تسليط الضوء على نجاح اليمين المتطرف، في محاولة منها، ضمن أمور اخرى، للتغطية على عودة اليسار القوية والتي لم تكن في الحسبان، قبل شهرين.

إن خطورة نجاح اليمين المتطرف تكمن في الزخم الذي سيكسبه متطرفو اوربا عموما بسببه، بالإضافة الى الدور المؤثر الذي ستلعبه كتلة بهذا الحجم في الجمعية الوطنية الفرنسية. ان إمكانية تعاون تيارات اليمين المتنوعة، لمواجهة صعود اليسار امر وارد جدا، وبالتالي فان يسار الجمعية الوطنية الفرنسية لا غنى له عن تفعيل عمله المشترك مع النقابات العمالية والحركات الاجتماعية خارج البرلمان.