اخر الاخبار

ينتظر المفاوضون الأوروبيون مع نظرائهم من إيران والصين وروسيا الجولة الثامنة من المفاوضات النووية، بعد أيام عديدة من المحادثات المكثفة التي أحرزت حتى الان “تقدما طفيفا”، لكن الاطراف المتفاوضة لم تحدّد موعداً للجلسة المقبلة التي يأمل عقدها قبل نهاية السنة.

ومرارا  ما تنفي إيران أن لديها نية لبناء قنبلة نووية. ولم تتخلّ طهران عن تعهدها في اتفاق 2015 “لن تسعى إيران تحت أي ظرف من الظروف إلى الحصول على أي أسلحة نووية أو تطويرها أو حيازتها”. لكنها صعدت بشكل كبير من تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب ترامب من الاتفاق، وأعاد فرض العقوبات.

ويصنع موقف إيران المتصلب في محادثات فيينا إحباطا متزايدا لدى أمريكا وأوروبا، الامر الذي يهدد إحياء الاتفاق النووي من جديد. 

تقدم طفيف 

وتحدث دبلوماسيون كبار من فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن “تقدّم طفيف على المستوى التقني في اليوم الاخير” في المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، مشدّدين في الوقت نفسه على ضرورة استئناف هذه المحادثات في أسرع وقت، تجنّباً لفشلها.

وقالوا إن “هذا لا يفضي إلى شيء سوى إعادتنا إلى مكان أكثر قربا من النقطة التي توقفت فيها المحادثات في حزيران”، محذرين من “أنّنا نتّجه سريعاً إلى نهاية الطريق في هذه المفاوضات”. 

ووصف الدبلوماسيون التأجيل بأنه “توقف محبط في المفاوضات”. وقالوا إن رئيس الوفد الإيراني المفاوض علي باقري عبّر عن “رغبة في العودة إلى طهران”، معتبرين توقّف المحادثات لسبب لم يحدّد “مخيباً للآمال”. 

وأكّد الدبلوماسيون أن جميع الشركاء الآخرين “مستعدّون لمواصلة المحادثات”، ودعوا الإيرانيين إلى “استئنافها سريعاً” وتسريع وتيرتها.

قرار كارثي!

وفي تعليق على مسار المحادثات، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان: “لا تسير بشكل جيد بمعنى أنّنا لم نجد بعد سبيلاً للعودة إلى الاتفاق النووي”. 

وتابع “نحن نسدّد فواتير القرار الكارثي بالخروج من الاتفاق في العام 2018”. 

من جهته، قال الموفد الروسي ميخائيل أوليانوف إنه كان من المقرر أن تستأنف المحادثات من حيث توقّفت في حزيران حين طلبت طهران تعليقها بسبب الانتخابات الإيرانية. 

وأضاف في تغريدة تابعتها “طريق الشعب”، أن الجولة الأخيرة كانت “ناجحة بمعنى أنها أرست أساساً صالحاً لمفاوضات أكثر عمقاً”.

من جهته، قال كبير مفاوضي طهران علي باقري: “تضمنت هذه الجولة من المحادثات نقل آراء ومواقف الحكومة الجديدة”، مضيفاً: “لدينا الآن مسودتان جديدتان، الأولى حول إلغاء الحظر المفروض والثانية حول الإجراءات النووية”.

لا تبدو إيجابية

وقال الباحث في مجال العلاقات الدولية، علي غوان لـ”طريق الشعب”، أن “الامور لا تبدو ايجابية كما هو مشاع حالياً. التصريح الاخير لمستشار الأمن القومي الأمريكي قال ان المفاوضات عسيرة وقد لا نصل الى اتفاق نهائي”.

وأضاف “صحيح ان الديمقراطيين الأمريكيين اليوم هم من يقودون المفاوضات وهم الاقرب لتوقيع الاتفاق من الجمهوريين، لكن هناك لوبي اسرائيلي كبير ضاغط تجاه عدم الوصول الى اتفاق تسوية بين الغرب وايران”.

وفي ما يخص انعكاسات الاتفاق على الشرق الاوسط والعراق، قال الباحث انه من الضروري ان نفهم “كيف تتنظر الولايات المتحدة وايران الى العراق، فالولايات المتحدة لا تتعامل بجدية كبيرة مع الملف العراقي، ومكانة العراق في الاستراتيجية الامريكية متراجعة مقابل صعود الصين” بحسب رأيه. 

وأوضح غوان، أنه “في حال تحقق الاتفاق ربما تكون الانعكاسات إيجابية، ولكن في كل الأحوال لن يكون الانعكاس كبيرا لأننا في العراق لا نملك قدرة على توظيف هكذا أحداث دولية لمصلحة البلاد”. 

وعن تعامل حكومة رئيسي مع ملف الاتفاق النووي، قال إن “حكومة رئيسي التي تنتمي للتيار المحافظ، سياستها الخارجية أصبحت اكثر تزمتاً من أي وقت مضى، وهذا عكس سياسات الرئيس الاصلاحي السابق حسن روحاني”. 

أمن اسرائيل

وذكر أن “الولايات المتحدة لها مجموعة نقاط تخص أمن إسرائيل ومستوى تخصيب اليورانيوم ومستويات المصالح في الخليج، وبحر قزوين شمالاً ومضيق هرمز جنوباً، كل هذه الامور لها أولوية قصوى للتفاوض مع الجانب الايراني”، مرجحاً “تنازل ايران من أجل ان تكسب المزيد من الوقت لكي تجري إصلاحا اقتصادياً، رغم وجود حكومة من التيار المحافظ”. 

ولفت غوان إلى أن “شروط الاتفاق القديم صارت من الماضي باستثناء الثوابت التي تخص تخصيب اليورانيوم. الان الطرفان لهما وجهات نظر جديدة. طرأت الكثير من المتغيرات الاقليمية وفي المنطقة، وفي كل الاحوال ان المفاوضات ستذهب نحو منطلقات جديدة”. 

متعلقات كثيرة 

وفي السياق، قال الاكاديمي والمختص في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، فراس الياس، أن “الجولة الاخيرة من المفاوضات في فيينا لم تختلف عن الجولات السابقة، كونها ما زالت تدور حول النقاش بالاطر الشكلية للاتفاق المقبل، ولم تتمكن اطراف التفاوض حتى اللحظة من مناقشة المسائل الجوهرية والتي هي أصل الخلاف ومضمونه، ومنها ملف النفوذ الإقليمي وملف الصواريخ الباليستية، إلى جانب البرنامج النووي”.

وأضاف ألياس لـ”طريق الشعب”، أن احد اسباب اتمام الاتفاق النووية السابق هو التفاهم الامريكي الايراني حول عدة ملفات تخص العراق والمنطقة، وبالتالي فإن أي اتفاق مقبل سينعكس بصورة مباشرة على العراق والمنطقة، كونهم جزءاً أصيلاً من المعادلة الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة”. 

ورأى الباحث، أن “عملية إيقاف المفاوضات في فيينا، جاءت بسبب رفض الأطراف الأخرى في المفاوضات المقترح الإيراني المتضمن رفع كامل العقوبات، مقابل العودة للالتزام ببنود الاتفاق النووي”، مبيناً أن “عودة كبير المفاوضين يؤشر أنه بحاجة لتفويض مباشر من قبل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قبل أي تعهد يمكن أن يقدمه للقوى الكبرى”.

وأوضح الياس، أن “هناك اختلافا كبيرا في منهج التفاوض بين حكومة روحاني وحكومة رئيسي. هذا الاختلاف يتعلق بتغيير الفريق التفاوضي الإيراني، وكذلك بتغيير طريقة التفاوض؛ ففي الوقت الذي كانت فيه حكومة روحاني تعتمد التدرجية في مراحل التفاوض، غيرت حكومة رئيسي من هذه الطريقة، وبدأت تعمل وفق منهج التفاوض الواحد مقابل الصفقة الواحدة، دون الحديث عن ملفات أخرى لا علاقة لها بالاتفاق النووي”.

وتريد ايران العودة الى شروط الاتفاق القديم. ويقول الياس، أن “إيران تربط جيداً ما بين الظروف الاقليمية الجديدة التي حصلت بعد انسحاب ادارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي في أيار 2018، وما بين طلبات القوى الكبرى اليوم، ما يجعل عملية إلزام إيران بالعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي دون أي تغيير فيه صعب للغاية!”.

وكان هناك اتفاق بين “مجموعة 5 + 1” وإيران حول البرنامج النووي للبلاد، دخل حيز العمل في عام 2016 ووافقت ايران على قبول القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتخزينه وإغلاق أو تعديل منشآت في عدة مواقع نووية والسماح بزيارات المفتشين الدوليين لها.

وبموجب الاتفاق القديم، وافقت إيران على الحد من أنشطتها النووية الحساسة والسماح بعمل المفتشين الدوليين في إيران، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. ومن اهم هذه البنود هو مسألة تخصيب اليورانيوم.