اخر الاخبار

منذ الأول من تشرين الثاني 2021، بدأت اعمال قمة المناخ، والمعروفة أيضا بالمؤتمر السادس والعشرين للموقعين على الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، في مدينة غلاسكو الأسكتلندية. وشارك في أعمالها وفود تمثل نحو 200 دولة، لبحث سبل التقليل من الانبعاثات، والمساعدة في تحسين الحياة في كوكبنا. وقد طالب العلماء باتخاذ اجراءات عاجلة لتفادي كارثة مناخية مرتقبة. وفي هذه المساهمة سنتناول طبيعة مواقف المراكز الرأسمالية، والآثار الاجتماعية والاقتصادية للتغير المناخي والاحتجاجات التي رافقت انعقاد القمة.

وعود متكررة

تقترب اعمال القمة من نهايتها، ويبدو انها تسير على خطى سابقاتها، فلا شحة في الوعود، مثل أن الاتحاد الأوروبي مستعد للتعامل مع الغاز والطاقة النووية باعتبارهما “طاقة انتقالية” يمكن تمويلها من خلال برامج الاستثمار “الخضراء”. بالإضافة إلى ذلك، خصصت دول مجموعة العشرين، التي تلعب بلدان الاتحاد الأوروبي دورا رئيسيا فيها، أخيرا، 3300 مليار دولار للوقود الأحفوري، وكأنها تستثمر لمستقبل قد يطول.

والتزم أكثر من 100 رئيس دولة وحكومة بتكثيف مكافحة التدمير العالمي للغابات، ووفقا لمجريات المؤتمر، وفي سياق مكافحة الاحتباس الحراري، وبحلول عام 2030، يجب وقف إزالة الغابات. وحسب حكومة المملكة المتحدة، فان الاتفاقية تشمل أكثر من 85 في المائة من غابات العالم، بما في ذلك غابات الصنوبر في كندا والغابات الاستوائية في منطقة الأمازون البرازيلية، وفي حوض الكونغو. ويتم دعم هذا مشروع بما قيمته 17 مليار يورو. ولكن الامر ليس بجديد، ففي قمة المناخ في نيويورك في عام 2014، أعلن عن التزام 200 دولة بتخفيض عمليات إزالة الغابات، حتى عام 2020 الى النصف، وبحلول عام 2030 إيقاف تدمير الغابات، ولكن شيء من هذا لم يحدث، وبلا هوادة استمرت عمليات إزالة الغابات لأغراض التصنيع.

وفي ثاني أيام المؤتمر أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن “اتفاقية عالمية” مع الولايات المتحدة لخفض انبعاثات غاز الميثان، بحلول عام 2030، بنسبة 30 في المائة. وان أكثر من 100 دولة انضمت الى الاتفاق، ولكن سرعان ما نأت 8 دول اوربية مؤثرة، بنفسها عن الاتفاق، مؤكدة انها لا توافق على التدخل في تحديد عمليات انبعاث الميتان.

وقدّم الرئيس الأمريكي بايدن، في المؤتمر، وعودا كبيرة للعالم لخفض انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة، بحلول عام 2030، بنسبة 50 في المائة، وانهائه بالكامل في عام 2050، وفي الوقت نفسه، قام أعضاء مجلس الشيوخ المختلفين مع الرئيس من الديمقراطيين، بحذف “برنامج الكهرباء النظيفة”، الذي يهدف إلى استبدال محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز بمصادر طاقة متجددة، من قانون إعادة البناء بشكل أفضل، ما يعني عرقة تنفيذ الرئيس لوعوده.

في افتتاح قمة المناخ، أعلنت المستشارة ميركل في آخر خطاب لها بهذه الصفة، ان “عقدا من العمل” قد بدأ الآن. ولم تقل لماذا يجب أن يبدأ هذا العقد فقط عندما تودع منصب المستشارة. ولكن إعلانها يتماشى مع سلوك معظم الحكومات، التي تعد بالحياد المناخي في عام 2050 لكنها لا تفعل الكثير لتحسين أهدافها قصيرة المدى، حتى عام 2030. إن الوعد بتحقيق أهداف مناخية طويلة الأجل ليس التزاما بالعمل بقدر ما هو التزام بالتدابير خلال السنوات التسع المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، بحلول منتصف القرن، سيغادر معظم القادة مناصبهم، ولن يُحاسبوا، إذا ارتفعت حرارة الأرض بمقدار ثلاث درجات أو أكثر، كما يخشى غالبية خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وليس بمقدار هدف الـ 1.5 درجة مئوية المثبتة في اتفاقية باريس للمناخ.

في عام 2009 وعام 2015، وافقت الدول الغنية على تخصيص 100 مليار دولار أمريكي للدول النامية التي تعاني آثار تغير المناخ دون أن تكون مسؤولة عنه، وحتى الان لم يتحقق الهدف. ولم يتم حتى جمع 80 مليارا منها. وفي غلاسكو، عرضت المملكة المتحدة خطة تمويل مناخية، بمبادرة ألمانية – كندية لتوفير، حتى عام 2023، 100 مليار دولار، في حين تقدر الأمم المتحدة حاجة فعلية قيمتها ألف مليار دولار، لتمويل عملية الانتقال المناخي.

وليس غريبا أن العديد من الدول الناشئة لا تثق في الدول الغنية، لأنها تخشى أن تقدم حكومات المراكز الرأسمالية وعودا بلا تنفيذ، لغرض دفع البلدان الفقيرة والناشئة الى التعلم من “سخاء” البلدان الغنية والتضحية بمصالحها الوطنية وتحمل مسؤولية أكبر في خفض حجم الانبعاثات.

ويبدو أن مناشدة البابا فرانسيس لقادة العالم اتخاذ “قرارات جذرية” في قمة المناخ في غلاسكو، قد مرت دون اهتمام المهيمنين، والشيء نفسه ينطبق على مطالب الملايين لحماية المناخ والحضارة.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ

يشير بحث نشرته مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية، إلى أن التغيرات المناخية، التي سببها الانسان قد زادت من شدة تلوث البيئة وأن هذه التغييرات ستستمر في مناخ يتصاعد فيه الاحتباس الحراري.

وبين أحدث أطلس للمنظمة العالمية للرصد الجوي عن الوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية والمناخية والمائية، أنه من بين 22.326 ألف كارثة تم تسجيلها في جميع أنحاء العالم بين عامي 1970 و2019، كان أكثر من 11 الف كارثة بسبب الطقس والمناخ والمخاطر المرتبطة بالمياه. وتسببت هذه الكوارث في مقتل 2.06 مليون انسان وخسائر مادية بقيمة 3.64 تريليون دولار. وان قرابة 44 في المائة من الكوارث كانت مرتبطة بالفيضانات و17 في المائة بالأعاصير المدارية. وكانت الأعاصير المدارية والجفاف أكثر التهديدات شيوعًا، وأدت الى ما بين 34 – 38 في المائة من الوفيات. أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، فقد ارتبط 38 في المائة منها بالأعاصير المدارية، بينما كان 31 في المائة منها مرتبطًا بأنواع مختلفة من الفيضانات. وعلى الرغم من ان الكوارث المسجلة تضاعفت 5 مرات خلال هذه الفترة، انخفض عدد القتلى ثلاثة أضعاف تقريبًا. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنظمة الإنذار المبكر الأفضل لمختلف المخاطر التي تعمل على تحسين الوقاية والتأهب وسرعة الاستجابة.

لقد تركزت النسبة العالية من الوفيات في البلدان النامية، بينما حدثت أكبر الخسائر الاقتصادية في البلدان المتقدمة. ويؤثر التغير المناخي سلبا على تحقيق اهداف خطة التنمية المستدامة حتى عام 2030. على أساس سبعة مؤشرات مناخية (درجة حرارة السطح، والمحتوى الحراري للمحيطات، وتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتحمض المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتوازن كتلة الأنهار الجليدية وتوسع جليد البحر)، توصلت الدراسة إلى الاستنتاج بشيء من اليقين بأن تغير المناخ خطير، ويشكل تهديدا للتنمية المستدامة، ولا سيما التنوع البيولوجي، ما يؤدي إلى تحديات محتملة للأمن الغذائي، الذي يمثل الهدف الثاني للتنمية المستدامة، والحد من الفقر (الهدف 1) وحفظ السلام (الهدف 16). ويؤدي التأثير المتتابع لزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون على تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى زيادة أوجه عدم المساواة القائمة ويهدد الاحتياجات الأساسية للتغذية وإمدادات المياه والرعاية الصحية والمأوى والأممن الاقتصادي والسلام الجماعي في جميع أنحاء العالم.

إن فهم تعقيدات تغير المناخ والتنمية الدولية يمثل تحديًا مستمرًا. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تعاون دولي أقوى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية أو حتى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن. لا شك أن تسريع الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري هو أحد أكثر التدابير المتعلقة بالمناخ فاعلية وضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

احتجاجات واسعة

عادة ما تصاحب قمم المناخ بحركة احتجاج واسعة، وقبل انعقاد هذه الدورة، ومع انطلاق اعمالها، استمرت حركة احتجاج شملت 250 مدينة في جميع انحاء العالم، شارك فيها مئات الآلاف للمطالبة بالمزيد من حماية المناخ والعدالة المناخية، ونظمت احتجاجات السبت الفائت، في إطار يوم الاحتجاج العالمي، نزل خلاله أكثر من 100 ألف الى شوارع غلاسكو وحدها. وجاء في نداء التحالف لمواجهة قمة المناخ 26: ان “العدالة لا تمنح من قبل رؤساء الدول أو الحكومات أو الشركات”. و”نحن ننظم تعبئة جماهيرية لامركزية في جميع أنحاء العالم ونجمع الحركات سوية لبناء قوة من أجل تغيير النظام، من نضالات السكان الأصليين (الهنود الحمر) إلى نقابات العمال، ومن المجموعات المناضلة في سبيل العدالة العرقية إلى الشباب المضربين”. لأنه بدون تغيير النظام لن تكون هناك حماية فعالة للمناخ ولن تكون هناك عدالة مناخية.

وكتب على العديد من اللافتات الكبيرة عبارة “تغيير النظام، وليس تغير المناخ!”، وكتب على لافتات أخرى “أنقذوا البيئة، أنقذوا الأرض” أو “أنقذوا مستقبلنا”. وكان من أشهر شعارات الحركة المناخية هتافات: “ماذا نريد؟ عدالة مناخية! متى نريدها؟ الآن!”.

وشكلت مجموعات السلام “كتلة السلام ونزع السلاح” لأن “الحرب هي أحد أكبر أسباب التلوث البيئي وتغير المناخ. بدون سلام لا يمكن أن يكون هناك عدالة مناخية”.

عرض مقالات: