اخر الاخبار

مرت خمس سنوات على الانقلاب الفاشل ليلة 15-16 تموز 2016 ضد رجب طيب أردوغان ونظام حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ. وحتى خلال محاولة الانقلاب كان واضحًا بالنسبة للرئيس، من يقف وراءه: حركة رفيقه وخطيبه السابق الداعية الإسلامي فتح الله غولن، الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة. ومع ذلك، منعت الحكومة التعامل مع خلفية وتفاصيل ليلة الانقلاب حتى يومنا هذا.  وعرقلة جميع جهود المعارضة البرلمانية الرامية إلى ذلك، لأن الفضائح التي يمكن الكشف عنها تخص التحالف الإسلامي – الفاشي ولا تنحصر في جماعة غولن. وبعد خمسة شهور من عملها، حل اردوغان بمرسوم جمهوري، لجنة التحقيق، وقطع الطريق على استجواب مدير المخابرات لرئيسي الحكومة والجمهورية، وقادة عسكريين. وتم تحويل المهمة إلى القضاء بعد أن تم تغيير هيكليته وفق مقاسات الرئيس.

“هبة من الله”

وفي ليلة الانقلاب أعلن الرئيس أن ما حدث هو “هبة من الله”. وبعد ستة أيام فقط، أعلن حالة الطوارئ، ومددها سبع مرات، لتنتهي في تموز 2018، وخلال عامين مارس الرئيس وحزبه السلطة بعيدا عن البرلمان.

وقال أردوغان: “نعتقد أن النظام البرلماني في هذا البلد قد استمر على قيد الحياة”، و “نحن نبني تركيا جديدة، ونعتقد أننا بحاجة إلى دستور جديد ونظام رئاسي تنفيذي.” وفي نيسان 2017، صوت قرابة 51 في المائة من الناخبين على دستور جديد، مُنح بموجبه أردوغان سلطة غير مسبوقة. وبدأ ما أطلق عليه بعض المتابعين “ الانقلاب المدني”، في إشارة إلى انقلاب السلطة على القوى السياسية والاجتماعية المعارضة.

وظف الرئيس “هبة الله” ليشن حملة تطهير استثنائية في جميع مفاصل الجهاز العسكري والمدني للدولة، راح ضحيته عشرات الآلاف من الكفاءات التي تم استبدالهم بالموالين من حزب السلطة. وكان السجن من نصيب الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، وخلال الخمس سنوات الماضية شنت حملة ملاحقة قاسية للمعارضين السياسيين، من قوى اليسار، وحركة التحرر الوطني الكردية، والحركات المطالبة بالحقوق القومية والثقافية لجميع المجموعات السكانية على تنوعها الديني والثقافي. والتهمة الجاهزة ممارسة أو دعم نشاطات إرهابية. وعلى الرغم من أن قوى اليسار والديمقراطية لم تدعم يوما انقلابا عسكريا، إلا أنها عمليا كانت الضحية الأولى، وقد اعترف رئيس الوزراء التركي آنذاك علي بن يلدريم، بأن قوائم تصفية الخصوم كانت معدة قبل الانقلاب. ولا تزال سلسلة المحاكمات مستمرة بحق الأوساط التي استهدفها الاجتثاث او التطهير. وليس من المستغرب أن تتلقى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2020 وحده 11750 شكوى ضد الحكومة التركية. وحذرت المحكمة الحكومة التركية من 85 إحالة انتهاك، منها 31 لانتهاك حرية التعبير، و21 حالة انتهاك الحق في الحصول على محاكمة عادلة، و16 لانتهاك الحق في الأمن والحرية.  وعلى الرغم من طلب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 22 كانون الأول 2020 الإفراج الفوري عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دمرتاش، الموجود منذ أكثر من أربع سنوات في أحد سجون أردوغان شديد الحراسة، لم يحدث شيء لحد الآن. علما من أن تركيا عضو في مجلس أوروبا، إلا أن أنقرة تتجاهل أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا يزعج ذلك رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي.

أزمة واستبداد

وعلى الرغم من توظيف الرئيس التركي لأسطورة الانقلاب وحكاية مقاومة الشعب للانقلابيين، لكنه فشل في إخفاء سخط اوساط واسعة من المواطنين من تزايد القمع والفساد، وفي هذا السياق جاءت خسارة حزب الرئيس للسلطة في إسطنبول وانقرة، ومدن اخرى، بعد الانتخابات المحلية التي جرت قبل عامين، نتيجة لابتعاد شبيبة المدن عن العثمانيين الجدد، وحزبهم الإسلامي.

ولم تكن هزيمة المعسكر الحكومي بعيدة عن استراتيجية حزب الشعوب الديمقراطي اليساري، في دعم مرشحي الحزب الجمهوري المعارض، مما دفع الرئيس لتوسيع قمعه للحزب وعموم اليسار، إلى جانب حربه العنصرية ضد المدن الكردية. وتشير بيانات حزب الشعوب الديمقراطي إلى سجن واعتقال أكثر من 20 ألف من قادة ونواب وكوادر الحزب واعضائه منذ عام 2015. بالإضافة إلى وضع 48 بلدية، بما في ذلك ثلاث مناطق حضرية و5 محافظات و33 قضاء، فاز الحزب بإدارتها ديمقراطيا، تحت الإدارة القسرية بموجب مراسيم تنفيذية. وألقي القبض على 72 رئيس بلدية، سجن منهم 37، من بينهم 19 امرأة. ووُضِع رؤساء 7بلديات رهن الإقامة الجبرية.

وبدأت السلطة إجراءات حظر حزب الشعوب الديمقراطي امام المحكمة الدستورية، بتهم المساس بسلامة الدولة، والتورط في نشاطات إرهابية. والهدف الحقيقي هو منع الحزب من الاشتراك في الانتخابات العامة لسنة 2023. بالإضافة إلى حظر النشاط السياسي لـ 451 من شخصيات الحزب السياسية لمدة 5 سنوات. ومن جانب آخر يحاول اردوغان توظيف حروبه الخارجية في سوريا والعراق وليبيا ودوره الجديد في أفغانستان لتجميع القوى القومية المتطرفة، والتخفيف من أزمته الداخلية المستفحلة، واتساع المقاومة الشعبية لاستبداده، وآخرها نجاح الاحتجاجات الطلابية في جامعة بوغازيتشي في إسطنبول في اجبار اردوغان على إقالة رئيس الجامعة الموالي له، الذي سبق له أن عينه بمرسوم جمهوري.

وتبقى الأزمة الاقتصادية هي أوضح علامة على فشل الحكم الرئاسي لرجب طيب أردوغان، فقيمة الليرة التركية تشهد منذ عامين انخفاضا شديدا، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية والكهرباء والغاز، لتصل في بعض الأحيان إلى 60 في المائة. ويقترن ارتفاع تكاليف المعيشة بارتفاع معدلات البطالة، التي تؤثر على ما يقرب من نصف الشباب. بالإضافة إلى التهم التي وجهها رجل المافيا التركي سادات بكر الهارب إلى دبي، والتي كشف بموجبها عن تورط سياسيين حكوميين معروفين بجرائم قتل واغتصاب وتهريب المخدرات وإساءة استخدام السلطة.

عرض مقالات: