اخر الاخبار

بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل، أعربت المواقف الرسمية لكافة الأحزاب الألمانية الممثلة في البرلمان عن تضامنها مع إسرائيل. وقام أعضاء في البرلمان الألماني الاتحادي من اليسار إلى اليمين بنشر صور على إنستغرام تحمل العلم الإسرائيلي، ولم يكن هاشتاغ “أنا أقف مع إسرائيل” غائبا تقريبا عن أي بيان. كما أعربوا عن غضبهم إزاء الأعمال التي ارتكبتها حماس وتعاطفهم مع المتضررين وأسرهم. ولم يفتهم التذكير “بقدسية التضامن” مع إسرائيل في البلد الذي شهد عمليات الإبادة لليهود ومحارق النازية الشهيرة، مؤكدين وجوب عدم ممارسة إدانة إسرائيل في البلاد التي شهدت المحرقة. فهل ينحصر هذا الموقف المجافي لحقيقة ما يحدث في الشعور بالذنب التاريخي إزاء اليهود من ضحايا النازية؟

في الجانب الآخر من اللوحة، ومنذ بدء إسرائيل بحرب الإبادة الجماعية، التي جسدت روح الانتقام، والتي دمرت أجزاء كبيرة من قطاع غزة، وقتلت الآلاف، في سياق ما سمي بالضربة الانتقامية، لم يعبر أي من السياسيين الرسميين الالمان في البرلمان والحكومة عن أسفه لمعاناة الفلسطينيين أو إظهار التضامن مع الضحايا وأقاربهم. ناهيك عن إدانة الخطاب العنصري للحكومة الإسرائيلية، الذي تطابق مع خطاب النازية “يجب معاملتهم كحيوانات بشرية”، ولا حتى جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ا. لقد عبر النواب عن غضبهم بشدة على قتل الأطفال الإسرائيليين.  ولكنهم التزموا صمت القبور، إزاء قتل مئات الأطفال الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية منذ بدء الحرب.

لا شك ان ما أشرنا اليه يعكس نزعة انتقائية، ونفاقا سياسيا مكشوف، على الرغم من أن الأمر يتعلق بملف يفترض أن يكون إنسانيا. ولكن الواقع يقول إن السياسة الرسمية الألمانية، تعد حياة الفلسطينيين أقل أهمية من نضيرتها الإسرائيلية، وهذه رؤية عنصرية بامتياز. وأكثر من هذا، فان الصمت الألماني إزاء العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، يمثل منهجية تتجاوز مواقف مريبة لسياسيين افراد.

في عام 2006، أعلنت المستشارة الألمانية السابقة ميركل، في خطاب لها امام الكنيست الإسرائيلي الدعم غير المشروط لإسرائيل، معتبرة إياه أحد “أسباب” وجود الدولة الألمانية. وبناء على ذلك، دعمت ألمانيا إسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا طيلة عقود. باعتبار ذلك أحد اهم أوراق العودة لساحة السياسة الدولية بعد انهيار النازية الألمانية.

لكن هذه العلاقة الوثيقة بإسرائيل، كانت مصدر إحراج للدولة الألمانية، وكانت دوما بحاجة إلى تفسير، بسبب انتهاك إسرائيل الدائم للقانون الدولي، لانتهاجها سياسة توسعية استيطانية في الضفة الغربية.  وتقاطع العنف المنفلت للجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين في الأراضي المحتلة مع القيم التي تتبناها المانيا في التعامل مع العالم الخارجي.

وإلى جانب الشعور “بالذنب التاريخي الألماني” فان تهمة معاداة السامية جاهزة لكل من يتضامن مع النضال الفلسطيني، او يوجه نقدا حادا للسياسة الإسرائيلية، وبالتالي يصبح عرضة لحملات تشهير منظمة، فضلا عن إمكانية فقده لوظيفته. وهذا ما حدث أخيرا للصحفي مالكولم اوهانوي، الذي حرم من التعاقد مع مؤسسات الاعلام العامة، بسبب منشور في منتديات التواصل الاجتماعي. اما السياسيون فيواجهون التحذير التالي: “لا تتحدث عن فلسطين، لان ذلك سيكلفك موقعك”.

نحن أمام أكثر من رقابة دولة وفق النمط الكلاسيكي المعروف، بل هي ثقافة معادية للفلسطينيين تراكمت وتجذرت في جميع المجالات المجتمعية على مر عقود. وهذه الثقافة تبرر وتدعم منع التجمعات الفلسطينية في المانيا، وتفرض الصمت إزاء معاناتهم، وتضفي الشرعية على جرائم الحرب الإسرائيلية. سيستمر هذا الواقع، حتى بعد جريمة قصف المستشفى المعمداني في غزة مساء السابع عشر من الشهر الجاري، التي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد وجريح.ش

عرض مقالات: