اخر الاخبار

يشكو مواطنون في بغداد ومحافظات أخرى، من استمرار اعتماد الحكومة مباني وبيوتا قديمة متهالكة، كدوائر رسمية، مبينين أن بعض هذه الدوائر آيل للسقوط، وانها بشكل عام لا تصلح أن تكون دوائر رسمية، كونها لا تتسع أعداد مراجعيها ولا حتى موظفيها، ولا تتضمن أبسط الخدمات التي يحتاجونها من قاعات انتظار ودورات مياه ومسقفات تحمي من أشعة الشمس والمطر.

يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني في مراجعو الكثير من دوائر الدولة، روتينا إداريا قاتلا يهدر الوقت والجهد، والمال أحيانا، إضافة إلى المحسوبيات وسوء التعامل والفساد الإداري.

وكانت الحكومات المتعاقبة، منذ 2003، قد توجهت إلى استئجار منازل يملكها مواطنون أو استخدام أخرى سكنية تابعة للدولة، لتكون دوائر رسمية فرعية. وزعمت حينها ان هذه الإجراءات ترتبط بالحاجة الماسة إلى استحداث دوائر جديدة تستوعب متطلبات المواطنين، في ظل عدم توفر مبانٍ جاهزة. ومن أبرز تلك الدوائر التي شغلت منازل، هي دوائر كتاب العدول والمجالس المحلية ودوائر النفوس والمرور، فضلا عن دوائر البطاقة التموينية.

وقد أفادت الحكومة وقتها بأن هذه الإجراءات مؤقتة. غير ان الأمر لم يكن كذلك. إذ واصلت استخدام تلك المباني، كونها أقل كلفة من إنشاء مبان جديدة – حسب ما يراه متابعون. 

وتعتبر مباني هذه الدوائر غير صحيّة وغير مناسبة. وبسبب ضيقها يكتظ فيها المراجعون بشكل خانق، ما يُصعب على كبار السن والمرضى مراجعتها، خصوصا انها لا تحتوي على قاعات انتظار مكيفة. إضافة إلى ذلك، تشهد تلك الدوائر تأخيرا في إنجاز المعاملات، على اعتبار أن أعداد موظفيها قليلة بناء على صغر حجم المبنى، فيما أعداد المراجعين كبيرة.

ولم يتوقف الأمر على استخدام المنازل، إنما تعدى ذلك إلى إنشاء مبان لدوائر ومدارس من الكرفانات الجاهزة وألواح السندويتش بنل، التي تعد خطرة جدا نظرا لاحتوائها على مواد سريعة الاشتعال.  

ومن المفارقات، وحسب ما يجري تداوله باستمرار عبر وسائل إعلام، ان مواطنين ميسورين في مدن عديدة اضطروا إلى إهداء الحكومة منازل كي تحولها إلى داوئر إدارية أو مراكز صحية أو مدارس، لا سيما في المناطق الريفية، في ظل عدم قيام الحكومة بتوفير تلك المباني. فقبل شهور مثلا تبرع مواطن من قضاء أبو غريب غربي بغداد، بمبنى إلى الحكومة كي تحوّله إلى مركز صحي يخدم أهالي منطقة الكطوم في ناحية بوابة السلام، والمناطق المجاورة لها.

نموذج في البصرة

قبل نحو أسبوع، أبدى مواطنون في مدينة البصرة امتعاضهم من دائرة الكتاب العدول في حي الجمعيات، والتي هي عبارة عن منزل صغير متهالك. وقدموا شكاوى إلى وزارة العدل، مطالبين بتغيير المبنى.

وناشد المواطنون عبر إذاعات محلية وعلى صفحات تواصل اجتماعي، إنهاء العمل الرسمي في المنزل الصغير القديم، واستحداث مبنى جديد يستوعب عدد المراجعين “إذ لا يمكن أن يستمر العمل في هذا المنزل” – حسب ما ذكروه في شكواهم.

لكن لم يصدر أي رد رسمي من قبل وزارة العدل والجهات المسؤولة عن متابعة شكاوى المواطنين. وكما معلوم أن السلطات تلتزم الصمت المطبق في شأن هذا الملف المتفاقم منذ سنوات، والذي لم تجد له أي حلول.

لا يمكن أن يستمر الحال!

ولا يختلف الحال في بغداد وبقية المحافظات عما في البصرة. فهناك أيضا دوائر حكومية تشغل منازل، ومنها مراكز صحية ومدارس.

وفي حديث صحفي، يقول عضو مجلس محافظة بغداد إبراهيم الزيدي، أن “الفكرة الأساس من إنشاء دوائر رسمية في منازل سكنية هي خدمة المواطنين، وأن تكون الدوائر قرب مناطق سكنهم”، مضيفا قوله أن “هذه الفكرة جيدة لكنها يجب أن تكون مؤقتة وغير دائمة. فالدوائر ذات تصاميم خاصة، ولا يمكن في أي حال تحويل تصميم بيت إلى تصميم دائرة”.

ويتابع قائلا أنه “قُدمت فكرة استخدام البيوت القديمة كدوائر على مدى سنوات طويلة، وحالياً يجب أن تنتهي في أقرب وقت. إذ يعاني الموظفون أيضاً في هذه الدوائر التي يصعب العمل فيها. فهي لا تستوعبهم ولا تستوعب مراجعيهم”، مبينا أن “موظفي هذه الدوائر يعانون الفوضى وعدم التنظيم، ما يجبرهم على ترك العمل لساعات من أجل تنظيم طوابير المراجعين”.

المخصصات المالية لا تكفي!

حتى الآن، لا يبدو ان هناك خططا حكومية لإفراغ تلك المنازل المتهالكة من الدوائر الرسمية، واستحداث مبان جديدة بدلا عنها.

ووفقا للمسؤول في وزارة التخطيط محمد الهاشمي، فإن “المشكلة تتمثل في التراكمات التي تسلمتها الحكومة الحالية من الحكومات السابقة. إذ تحتاج كل البنى التحتية للمؤسسات الحكومية إلى توسيع، لكن المخصصات المالية لا تكفي لفعل ذلك”!

ويضيف في حديث صحفي، ان “الحكومة الحالية تعمل على توفير الخدمات وتطوير العمل المؤسساتي، لكنها لا تستطيع أن تنجز كل المطلوب. فالموضوع يتعلق بالمخصصات المالية، وهو أمر صعب للغاية ويتطلب وقتاً وأيضاً أموالاً كثيرة لمعالجة التراكمات التي استمرت سنوات طويلة”.

ويوضح الهاشمي أن “الحكومة لا تملك حالياً خططاً للمدى القريب لاستبدال هذه الدوائر بمبان جديدة. فهي لا تستطيع بناء مبنى جديد وفقاً للمواصفات الحديثة بدلاً من كل دائرة”، مشيرا إلى ان “الحكومة تخطط حالياً لإنجاز مبانٍ مهمة فقط، واستحداث دوائر في مراكز رئيسة، وهي تحتاج إلى وقت للتخلي عن استخدام الدوائر الفرعية التي تنتشر داخل المناطق السكنية لخدمة المواطنين”.

ويؤكد أن “الحكومة تهدف إلى تقديم الخدمات، وتعتبر توجهاتها وخططها جيدة لإحداث تغيير في مستوى الخدمات، لكنها تحتاج إلى وقت لتنفيذها”.