اخر الاخبار

في الوقت الذي تتعهد فيه الحكومة بإجراء إصلاحات اقتصادية، وبتبني نهج يختلف عمّا دأبت عليه الحكومات السابقة، تفتح الباب، من جهة أخرى، على مصراعيه أمام التعيينات التي تثقل كاهل الدولة، وتزيد من حجم الإنفاق في موازنتها التشغيلية، ولا تسعى الى إيجاد حلول لمعضلة البطالة المقنعة في دوائر الدولة، التي يشكو المراجعون من تردي مستوى خدماتها.

ولا يخفى على أحد أن منظومة المحاصصة والفساد المتشبثة بالسلطة، تستغل، منذ عقدين، هذا الملف، لتكريس زبانيتها وشراء الولاءات عبر الوظيفة الحكومية، واستغلال معاناة الشباب وحاجتهم، وبالتالي فإن تبني الحكومة لسياسات اقتصادية تنموية واضحة وفعالة، واجراء إصلاحات اقتصادية باتا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، مع إلغاء تدريجي لسياسات التوظيف والإغراق فيه، وتعزيز الإيرادات غير النفطية.

توصيات عديدة

وكان صندوق النقد الدولي دعا أخيرا العراق إلى تصحيح أوضاعه المالية تدريجياً والغاء التعيينات لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية.

جاء ذلك على هامش اختتام مشاورات المادة الرابعة التي أجراها المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي (IMF)، مع العراق، حيث جرت دراسة تقييم الموظفين، قبل أن يوصي المجلس بالسيطرة على الأجور العامة والإلغاء التدريجي للتوظيف الإلزامي.

ومن المتوقع أن تعقد مشاورات المادة الرابعة المقبلة مع العراق، في الدورة القياسية التي مدتها 12 شهراً، وفق تقرير وجداول صندوق النقد الدولي.

وشدد الصندوق على “الحاجة إلى سياسات اقتصادية كلية سليمة وإصلاحات هيكلية لتأمين المالية العامة والديون، والاستدامة، وتعزيز التنويع الاقتصادي، وتحقيق نمو مستدام وشامل بقيادة القطاع الخاص”.

وأكد، أنّ “هناك حاجة إلى تعديل مالي تدريجي، لكن كبير، لتحقيق استقرار الدين على المدى المتوسط وإعادة بناء هوامش الأمان المالية. وتشجيع السلطات على تركيز السيطرة على قوائم الأجور العامة، والإلغاء التدريجي لسياسات التوظيف الإلزامية، وتعبئة الإيرادات غير النفطية، مع توجيه المساعدات الاجتماعية بشكل أفضل”.

وجرى الاتفاق خلال المشاورات على “التنفيذ الفوري لإصلاحات إدارة الجمارك والإيرادات، والتنفيذ الكامل لحساب الخزانة الموحد، والرقابة الصارمة والحد من استخدام الأموال من خارج الميزانية والضمانات الحكومية”.

مزايدات سياسية

عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، أكد ان هناك ترهلا وظيفيا وتكديسا للملايين من الموظفين في دوائر الدولة العراقية، حتى وصلنا الى مرحلة باتت فيها كل الحلول شبه مستحيلة.

ودعا كوجر في تصريح لـ”طريق الشعب”، الحكومة الى “تدقيق متعددي ومزدوجي الرواتب والفضائيين”، معتقدا أن “سياسة الإغراق الوظيفي ستستمر في ظل استمرار المنظومة التحاصصية في السيطرة على سدة الحكم بالبلاد”.

وقال كوجر، إن السياستين المالية والنقدية تقامران بمستقبل العراق؛ فدولة الكويت ستعلن افلاسها بسبب كثرة التزاماتها في الموازنة التشغيلية، فيما ستتحمل الحكومة العراقية عجزا كبيرا اذا ما وصلت أسعار النفط الى ادنى مستوى.

وأضاف، أن قيمة الموازنة التشغيلية تزيد على 70 تريليونا، إذ تذهب بحدود 60 تريليون دينار الى الرواتب والالتزامات الشهرية، معتبرا ذلك “شيئا مخيفا”.

بشكل سلبي

المحلل للشأن الاقتصادي احمد عبد ربه، قال ان الموازنة العراقية تعاني من ازمة كبيرة: اتساع الجانب التشغيلي على حساب الجانب الاستثماري. للأسف، بدأنا اليوم نواجه مشكلة يفترض على الحكومة تداركها.

وحذر عبد ربه في حديث مع “طريق الشعب”، من احتمالية انخفاض اسعار النفط، وبالتالي فان اقتصادنا الريعي سيتضرر كثيرا، الامر الذي يلزم الحكومة بأخذ عدد من التدابير لتدارك أية أزمة محتملة، مشيرا إلى ان “العالم يتجه نحو الطاقة النظيفة والمتجددة، وهذه الخطط ممكن ان تؤثر في أسعار النفط، وتؤدي الى تراجعها”.

وذكر أن “الدولة العراقية لا تحتاج الى هذا الكم الهائل من الموظفين، نعم، هناك دوائر تعاني من نقص الموظفين، في مقابل تخمة وظيفية في دائرة أخرى، وهذا يحتاج الى هيكلة وإعادة تدوير، بما يعزز إنتاجية العمل الوظيفي في القطاع العام”.

واعتبر عبد ربه، ذهاب إيرادات النفط الى الإنفاق التشغيلي على حساب التنموي، سياسة ممنجهة تستهدف القضاء تماما على الاقتصاد الوطني.

عملية عبثية

فيما وصف مناف الموسوي، المحلل السياسي والاكاديمي، ملف التعيينات والعقود بأنه عبارة عن رشى تستخدمها المنظومة السياسية لرفع رصيدها الانتخابي، وهذا الامر ذاته احد العوامل التي ساهمت بتعميق ازمة البطالة وتعاظمها، حتى وصلت الى مديات وارقام مخيفة، تهدد الدولة العراقية، في حال حدوث اي ازمة اقتصادية.

وقال الموسوي لـ”طريق الشعب”، إن “عملية إضعاف وتقويض المشاريع الصناعية وايقاف الزراعة وعدم وجود قانون يحمي المواطنين العاملين في القطاع الخاص، كل ذلك يدفع بالمواطن والخريج الى الرغبة في الوظيفة الحكومية”، مشيرا إلى ان ذلك خلق مشاكل كثيرة وترهلا وظيفيا وإشكاليات كبيرة معروفة للجميع.

وأضاف، انه “لا توجد هناك استراتيجية خاصة في عملية التعيين، ولا توجد أولويات حقيقية بالنسبة إلى ما تحتاجه الدولة العراقية، كما ان هناك توقفا للكثير من المشاريع خصوصا المشاريع الصناعية، التي كان من الممكن ان تكون منافسا او عاملا نستفيد منه في إيجاد صناعة وطنية”.

وخلص إلى أن هذه الحكومات “لم تعط موظفي القطاع الخاص الامتيازات نفسها التي يتمتع بها موظف الحكومة. بينما لا توجد هناك ضمانات حقيقية للموظفين الذين يعملون بالقطاع الخاص، وبالتالي نتج عن ذلك استغلال لأصحاب الصناعات الخاصة او أصحاب القطاع الخاص العاملين والموظفين في هذه الشركات”.