اخر الاخبار

تواجه محافظة نينوى واقعاً صحيا مأساوياً إثر ارتفاع عدد الإصابات السرطانية بين سكانها بشكل غير مسبوق، بينما تفتقر إلى مستشفى متخصص في علاج هذا المرض، الأمر الذي ينذر بفقدان السيطرة عليه، لا سيما أن المحافظة يسكنها 10 في المائة من مجموع سكان العراق.

وكان وزير الصحة صالح الحسناوي قد أفاد في تصريح صحفي إبان نيسان الماضي، بأن نينوى تحتضن أعلى نسبة إصابات بالأمراض السرطانية، قياساً الى عدد السكان. فيما وصف خبراء صحيون تصدر نينوى نسبة الإصابات بـ”المفاجأة”، لا سيما ان المحافظة عاجزة عن تقديم العلاج الكافي للمصابين، نظرا لخلوها من مستشفى تخصصي وأجهزة ومستلزمات للعلاج الإشعاعي. وبسبب خلو المحافظة من أجهزة العلاج بالإشعاع، يضطر المصابون بالسرطان إلى السفر لمحافظات كردستان  أو إلى بغداد أو محافظات الجنوب، لتلقي هذا العلاج. علماً أن السلطات المحلية كانت قد وعدت بتوفير أجهزة الإشعاع بعد تحرير المحافظة من تنظيم داعش الإرهابي عام 2017.

64 مصابا بين كل 100 ألف

في حديث صحفي، قال مدير مستشفى الأورام والطب الذري في الموصل، عبد القادر سالم، أن “إحصاءات الإصابات بالأمراض السرطانية التي صدرت هذا العام خاصة بعام 2022، باعتبار أن وزارة الصحة تصدر كل عام إحصاءً بعدد المصابين المسجلين قبل عامين”.

واضاف قائلا ان “الإصابات لا تحسب بعددها، إنما بنسبة حدوثها بين 100 ألف نسمة. ويتغيّر عدد الحالات بحسب التزايد السكاني. فنسبة حدوث المرض في العراق هي 92 حالة لكل 100 ألف نسمة. وفي نينوى 64 حالة لكل 100 ألف نسمة. وعند حساب عدد المرضى سيبدو أنه أكبر في نينوى، لأن عدد سكانها يشكل نسبة 10 في المائة من سكان العراق، وهذه النسبة مقارنة بعدد السكان أعلى بكثير منها لدى سكان محافظات أخرى مثل النجف التي سجلت 123 إصابة لكل 100 ألف نسمة”.

وذكر سالم أن نينوى سجلت 2926 إصابة بالسرطان في آخر إحصاء أجرته وزارة الصحة، وهو خاص بعام 2022. في حين جرى تسجيل 39 ألف إصابة في عموم العراق. ويؤكد أنه “لا زيادة في عدد الإصابات في البلاد. وبالنسبة لنينوى فمعدلات إصاباتها لا تزال ضمن تلك السنوية الطبيعية. اما الزيادة التي سُجلت فهي ترتبط بارتفاع عدد السكان من جهة، وبزيادة معدلات كشف المرض من جهة أخرى”.

وعن عدد الوفيات، بيّن ان “العراق سجل 11421 وفاة عام 2022، بينها 989 في نينوى. وهذه الوفيات لا تشمل جميع الإصابات المسجلة في العام نفسه، بل أيضاً إصابات سُجلت في أعوام سابقة”.

عن مستشفى السرطان

وفي شأن افتقار نينوى إلى مركز طبي تخصصي لعلاج السرطان، يقول سالم ان “المستشفى المخصص لهذه الأمراض قيد الإنشاء منذ سنوات. وقد شهدت أعماله تأخيراً كبيراً كونها تُنفذ بمنحة قدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). فقد كان يُفترض أن ينجز المستشفى الذي يقع في مدينة الموصل عام 2022، لكن ذلك لم يحصل. حيث بلغت نسبة الإنجاز 70 في المائة، ونحن نأمل أن يُنجز المستشفى نهاية العام الجاري، كي يتم تجهيزه بالأجهزة الطبية، وبينها أجهزة المعجلات الخطية التي تنتج دفقات من الأشعة السينية تُوجَّه نحو خلايا الأورام لتدميرها”.

ويلفت إلى انه “من المقرر أن تصل ثلاثة أجهزة معجلات خطية إلى المستشفى، أحدها على حساب محافظة نينوى، والثاني على حساب وزارة الصحة، والثالث على حساب صندوق إعمار المناطق المحررة”.

من جانبه، يقول محافظ نينوى عبد القادر الدخيل، أن “المحافظة تحتاج بصورة ملحّة إلى إكمال تشييد مستشفى الأورام السرطانية، من أجل إنهاء معاناة المصابين الذين يضطرون إلى السفر لمحافظات أخرى من أجل تلقي العلاج”.

ويضيف في حديث صحفي قوله أن “نسبة إنجاز المستشفى تبلغ حاليا 70 في المائة. علماً أنه يُفترض أن يكون الأول والأكبر في المنطقة الشمالية في علاج وتشخيص الأمراض السرطانية”، لافتا إلى ان “الحكومة المحلية طلبت من ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيراً، الإسراع في إنجاز مبنى المستشفى وتسليمه، لأن الأمراض السرطانية تصاعدت بشكل كبير في المحافظة خلال السنوات الأخيرة”.

علاجات باهظة

في الوقت الحالي، يلجأ العديد من مرضى السرطان إلى العلاج في خارج البلاد، فيما إذا سمحت لهم أوضاعهم المالية. لكن المشكلة الكبرى تواجه الفقراء وذوي الدخل المحدود، فهؤلاء ليس أمامهم سوى مراجعة المستشفيات الحكومية، التي لا تقدم إلا الجزء اليسير من العلاج.

وتنقل وكالة أنباء “العربي الجديد” عن مصدر في هيئة صحة نينوى، قوله أن “المصابين يضطرون إلى أخذ جرعات العلاج بالإشعاع في المستشفيات الخاصة في بغداد وكردستان ومحافظات الجنوب، بسبب الازدحام الذي تشهده أجهزة “المعجلات الخطية” في المستشفيات الحكومية”، مبينا أنه “يتطلب من المريض، بعد أن يقدم على حجز الجهاز في مستشفى حكومي، الانتظار نحو 6 شهور حتى يأتي دوره”.

ويشير المصدر الذي حجبت وكالة الأنباء اسمه، إلى أن “تكاليف العلاج بالإشعاع في المستشفيات الخاصة تبدأ من 6 ملايين دينار وصولاً إلى 22 مليون دينار”، لافتا إلى ان “العديد من المصابين يتلقون العلاج الكيميائي على نفقة الدولة، بينما يضطر آخرون إلى شراء جرعات العلاج على نفقتهم الخاصة بأسعار تتراوح بين 100 و400 دولار للجرعة، بسبب عدم توفرها باستمرار في دوائر الصحة الحكومية”.

ويذكر أيضاً أن “العديد من المصابين في نينوى غير مسجلين في إحصاءات وزارة الصحة، لأن تشخيصهم وعلاجهم يجري في دول مجاورة مثل الأردن وتركيا وإيران”.

مافيات تعمل لصالح المستشفيات الخاصة!

إلى ذلك، يتحدث الناشط سعد العامر عن تعرض مصابين بأمراض السرطان في نينوى إلى “الإذلال” بسبب اضطرارهم إلى السفر لمحافظات أخرى ودول مجاورة من أجل تلقي العلاجات غير المتوفرة في المحافظة، خاصة العلاج الإشعاعي.

ويلفت في حديث لوكالة أنباء “العربي الجديد”، إلى ان “هناك مافيات في المؤسسات الصحية تعمل على عدم تفعيل ملف علاج الأمراض السرطانية في نينوى، من أجل تنشيط أعمال القطاع الخاص. كما أن الأمر يتأثر بتدخلات سياسية تهدف إلى ربط وجود الأجهزة الخاصة بالعلاج في نينوى بفترة الانتخابات، لمحاولة استغلال الموضوع في الدعاية الانتخابية”.

ويوضح أن “الوعود التي أطلقتها السلطات المركزية والمحلية في شأن توفير أجهزة المعجلات الخطية في نينوى ذهبت أدراج الرياح، وشمل ذلك أيضاً الوعود بتصليح جهازين من هذا النوع في مستشفى جامعة الموصل، كانا قد تعرضا لأضرار خلال الحرب”.

وينتقد العامر “غياب الأولويات في خطط صرف الأموال على المشاريع. فشراء الأجهزة الطبية لعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان، أكثر أهمية من تبليط الشوارع وإنشاء الحدائق وطلاء الأرصفة”.