اخر الاخبار

كثيرة هي الاخبار التي تُعلن بين الحين والاخر عن ملاحقة او اعتقال مدير عام او موظفين فاسدين في دوائر التسجيل العقاري، لكن الاكتفاء بذلك لا يعالج الازمة، بدليل استمرار انتشار ظاهرة تعاطي الرشوة في تلك الدوائر. وكعادتها لم تترك القوى المتنفذة كيانا مهما كهذا يفلت من قبضتها، حيث يؤكد مختصون ان دوائر التسجيل العقاري اصبحت احد مصادر التمويل الرئيسة للقوى المتنفذة في السلطة واذرعها المسلحة، ووسط كل هذا تغيب المعالجات الحقيقية للازمة، والتي يجب ان تكون كفيلة بالسيطرة على الفساد المستشري بشكل فظيع جداً. بينما يبقى المواطن وسط هذه الدوامة هو المتضرر الوحيد.

توصيات عديدة للنزاهة

واعلنت هيئة النزاهة، اخيراً، نتائج استبانة تعاطي الرشوة بدوائر التسجيل العقاري.

واوضحت ان نسبة تعاطي الرشوة في العراق بلغت ٢٤ بالمئة، بينما كان عقاري الكرخ الثانية هو الأعلى في بغداد. وسجل عقاري القاسم في محافظة بابل أعـلى نسـبة في دفع الـرشوة بين المحافظات؛ حيث دعت الهيئة الى “اختصار الحلقات الزائدة من الإجراءات عند مُراجعة دوائر التسجيل العقاريّ، بعد أن بيَّنت نتائج استبانة قياس مُدركات الرشوة فيها، أن 46 في المائة من المُراجعين صرَّحوا أنَّ الرغبة بسرعة إنجاز المُعاملة كانت السبب الرئيس وراء دفع الرشوة”.

واوصت بتفعيل “دور الأجهزة الرقابيَّـة في وزارة العدل؛ لمُتابعة أداء المُوظَّفين، بعد أن أفصحت نتائج الاستبانة في قطاع التسجيل العقاري أن ٤٢ في المائة، من دافعي الرشوة أكَّدوا أنَّ عمليَّة دفع الرشوة تمَّت بشكلٍ مُباشرٍ من المُراجع إلى المُوظف المُختصّ”، مُوضحةً أنَّ البدء بأتمتة إجراءات التصرُّفات العقاريَّة كفيل بإنهاء الروتين الذي يعانيه المراجعون ويساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في منع الفساد والحد منه.

دائرة العلاقات مع المُنظَّمات غير الحكوميَّة في الهيئة أفادت في تقريرٍ لها بأنها قامت “من خلال الفريق المركزيّ للهيئة، والفرق الساندة له والفرق المُؤلّفة في مُديريَّات ومكاتب التحقيق في بغداد والمُحافظات وعلى مدى ثلاثة أشهرٍ بزياراتٍ ميدانيَّةٍ إلى (٥٧) من دوائر مُديريَّة التسجيل العقاري تمَّ خلالها استبانة آراء (٧,٢٢٥) مُراجعاً فيها، وأظهرت النتائج أنَّ نسبة تعاطي الرشوة في عموم دوائر التسجيل العقاريّ في العراق بلغت ٢٤ في المائة”.

نتائج تحليل الاستبانة في بغداد والمُحافظات أوضحت أنَّه “بعد القيام بـ (٩٩) زيارةً إلى (١٧) دائرةً في بغداد، فإنَّ المُعدَّل العام لتعاطي الرشوة (إدراك) بلغ ٢٧،٧ المائة، وتُعَدُّ هذه نسبة مُرتفعة؛ برغم أنَّها أقلّ ممَّا سُجِّلَ في استبانة العام ٢٠٢١”، مبينة ان “دائرة عقاري الكرخ الثانية سجلت أعلى نسبة لتعاطي الرشوة ٤٠،٤ في المائة، يليها عقاري الأعظميَّة  ٣١،٨ في المائة، ثمَّ الكاظميَّة الأولى ٣١,٧ في المائة، في حين سجَّـلت دوائر التسجيل العقاري في الشعب والكاظميَّة الثانية والرصافة الأولى أقلّ نسبة تعاطي بلغت ١٨،٤ و١٩،٢ و٢٣ في المائة على التوالي”.

وأوضح التقرير، أنَّ أعلى نسبة تأخير بإنجاز المُعاملة “سجّلت في مُديريَّة التسجيل العقاري العامَّة وبلغت (٥٠,٨ %)، ورأى (٦١%) من المراجعين أنَّ التأخير أو عرقلة إنجاز المعاملة بسبب الروتين، في حين وجد (٣٨,٦ %) أنَّ ضعف الرقابة هو السبب في التأخير، أمَّا نسبة (١٩,٤ %) فأرجعت السبب؛ لغرض تعاطي الرشوة”.

ولفت إلى أنَّ “نتائج الاستبانة الحاليَّة والاستبانات السابقة في (٢٠١٨ و ٢٠٢١) أظهرت استمرار انتشار ظاهرة تعاطي الرشوة في دوائر هذا القطاع بمُعدّلاتٍ مُرتفعةٍ؛ رغم التحسُّن الطفيف؛ ممَّا يُؤدّي إلى زعزعة ثقة المواطن بدوائر هذا القطاع، مُشدّداً على ضرورة القضاء على البيروقراطيَّة التي تخلق بيئةً مناسبةً لضعاف النفوس من المُوظّفين لابتزاز ومساومة المراجعين، وأنَّ الفريق لم يُؤشِّرْ أيّ تغييرٍ ملموسٍ في إجراءات العمل عن تلك المُتَّبعة خلال السنوات السابقة”

وشخَّص التقرير كثرة حالات “فقدان الأضابير الخاصَّة بملكيَّـة العقار أو أجزاء منها، ممَّا يدخل المُواطنين الذين يواجهون مثل هذه الحالات في دوامة سلسلة طويلة من المُراجعات؛ لتنظيم إضبارة جديدة أو سدّ النقص الحاصل، إضافة إلى بطء وتماهل مُديريَّـة التسجيل العقاري باتخاذ إجراءاتٍ سريعةٍ لمُعالجة التلكُّؤ في عمل الدوائر، فضلاً عن أنَّ الأولويَّـة في إنجاز المعاملات تكون للمُعقّبين والدلالين الذين ينتشرون بأعدادٍ كبيرةٍ في الدوائر للقيام بدور الوسيط بين المُراجع والمُوظَّف”.

الاتمتة والنظم الالكترونية

المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح قال: ان “الفساد عادةً ما ينتشر في مثل هذه الدوائر، التي يكون فيها تماس مباشر ما بين المواطن والموظف للأسف، ما يسمح بتعاظم ظاهرة الفساد”.

وأضاف صالح في تصريح لـ “طريق الشعب”، ان هناك “ثلاثة عناصر تحبط بالغالب مجهودات الدول في التصدي للفساد المالي والإداري وتتلخص بالآتي: أولهما، التعامل بالمعاملات الورقية مع الجمهور والتواصل البشري المباشر، والثاني: التعامل النقدي المباشر في تسوية الجبايات وغيرها، والثالث: غياب الأنظمة الرقمية في تسيير المعاملات دون تدخل بشري”.

وتابع، ان “الحل يكمن في تطبيق مشروع البطاقة العقارية وأتمتة ملفات التسجيل العقاري او باي شكل من الاشكال التي نمنع فيها الفساد، كما يحدث اليوم في الكمارك على سبيل المثال حيث ان النظام هو من يدير كل المهام، ولا يوجد تدخل بشري الا في حالات نادرة”.

مصدر تمويل للقوى المتنفذة

تعليقاً على ذلك، قال الباحث في الشأن الاقتصادي احمد عيد ان “مستويات الفساد الحاصل في دوائر التسجيل العقاري، لا تختلف عن مستويات الفساد في بقية المؤسسات العاملة في الدولة، وتنتشر حالات الرشوة والتلاعب بالمستندات العامة بشكل فظيع وكبير جداً، لدرجة أن الكثير من حقوق المواطنين سلبت عن غير وجه حق، بسبب هذا التلاعب”.

واضاف في حديثه مع “طريق الشعب”، ان هناك “مدراء وموظفين ومعقبين يعملون في هذا الجانب، وهم متورطون في قضايا فساد كبيرة، حيث تعمل جهات متنفذة بالتعاون مع شبكات تزوير وتلاعب مكونة من موظفين ومسؤولين، تتسبب بهدر المال العام وتغيير ملكية عدد كبير من العقارات وقطع الأراضي لصالح مزورين”.

وحمل الباحث “الحكومة مسؤولية كبيرة في هذا الجانب، لأن القانون يتم تطبيقه على فئة من الناس دون اخرى، في ظل تورط دوائر التسجيل العقاري والبلديات ومديريات التخطيط العمراني في ملفات فساد كبيرة”.

واختتم حديثه بالقول: ان “المكاتب الاقتصادية للأحزاب المتنفذة واذرعها المسلحة، اتخذت من العقارات والعمل بهذا الجانب مصادر تمويل رئيسية، ويتم تعيين المدراء ومسؤولي الأقسام المعنية بالخدمات والتسجيل العقاري، عن طريق هذه المكاتب، لتسهيل عمليات حصولها على أكبر قدر من المنفعة”.