على شرف الذكرى الـ 90 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، أجرت «طريق الشعب» حوارا مع عضو اللجنة المركزية للحزب الرفيق فلاح القس يونان، حول اوضاع أبناء المكونات العراقية وكيفية تعاطي الحزب معها، وما هي الرؤية التي يقدمها لمعالجة اخطاء السياسات التي ادت الى نزوح وتهجير وهجرة اعداد هائلة منهم، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
تجربة مبكرة امتدت إلى الحاضر
يقول الرفيق فلاح القس يونان، أنه ومنذ اربعينيات القرن الماضي، انخرط العشرات ومن ثم المئات من المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، إيمانا منهم ببرنامجه السياسي الذي يمثل مصالحهم ويدافع عن حقوقهم في مختلف المجالات ويتعامل معهم كمواطنين عراقيين اصلاء، بعيدا عن روح الانتماءات الضيّقة.
ويوضح يونان، أن هذه التجربة النضالية المبكرة للحزب، أدت الى بروز الكثير الكثير من ابناء المكونات الأصيلة الذين برعوا في العمل الحزبي والالتزام بتنفيذ برامج العمل والتوجيهات، لذلك سرعان ما تحمّلوا مهاما كبيرة تتمثل بقيادة مفاصل حزبية وتنظيمية مهمة. وخلال مسيرة مشرفة في صفوف حزب الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، قدّم بنات وابناء المكونات الاصيلة المئات من الشهداء على يد الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة، فيما تعرضت عوائلهم الى الاعتقال والملاحقة والتشريد والتهجير من قبل الأجهزة البوليسية والقمعية التي وضعتهم نصب أعينها، وعادت انشطتهم الوطنية في صفوف الحزب الشيوعي.
وعن المحطة النضالية البارزة للحزب الشيوعي والمتمثلة بحركة الأنصار، يقول يونان إن الشيوعيين من هذه المكونات ساهموا بشكل فعّال في حركة الأنصار الأولى، ومن ثم الثانية. وما زال الكثير منهم يناضل داخل صفوف الحزب حتى هذه اللحظة، لافتا إلى أن مواقف الحزب الشيوعي العراقي وعلى مدى تاريخه تجاه المكونات ودفاعه المستمر عن حقوق ابنائها وبناتها، جعلت منهم ملتصقين به إلى اليوم، لدرجة أن البعض يصف هذه العلاقة القوية بالقول إن «الحزب الشيوعي العراقي هو حزب الأقليات القومية».
المحاصصة ومأساتها
ويتحدث عضو اللجنة المركزية عن أحوال المكونات بعد أن ذاقت الويل على يد الأنظمة السابقة، وتأملت خيرا بالتغيير الذي حصل في عام 2003.
ويقول الرفيق يونان، أن إبناء المكونات حالهم حال عموم العراقيين، استبشروا خيرا بسقوط النظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣ وأملوا بأن يأتي نظام جديد يمحو أخطاء الماضي وينصفهم ويتعامل معهم بروح المواطنة. الا انه وبسبب السياسات التي انتهجتها المنظومة الحاكمة، ازدادت وتفاقمت معاناتهم، وخاصة المسيحيين، حيث تركوا بيوتهم ومصالحهم في العديد من المحافظات ومنها بغداد والبصرة تحديدا، ليلجأوا مجبرين إلى مناطق في سهل نينوى والى اقليم كردستان.
ويبين الرفيق يونان، أن المئات من العوائل هاجرت للأسف إلى الخارج بسبب ممارسات بعض المجاميع المسلحة ضدها، وسط أجواء من غياب الأمن. ومع الأسف ان جميع الحكومات التي جاءت ما بعد ٢٠٠٣ لم تول اي اهتمام خاص للمكونات، انما تركتهم فريسة للجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، حتى احتل تنظيم داعش المجرم معظم مناطقهم في شمال البلاد، وقتل وسبي الآلاف منهم.
ويؤكد، أن مظاهر المحاصصة وتأثيراتها الحقت ضررا كبيرا بأبناء المكونات، حيث يعيشون اليوم حالة من الانقسامات وتوجد فجوة بينهم وبين مجلس النواب والمؤسسات الرسمية التي لم تقدم لهم أي شيء يذكر، فضلا عن تأثير الصراعات السياسية داخل مناطق تواجدهم وازدواج السلطات والمتاجرة بهم وبمعاناتهم، والتي أوصلتهم إلى مرحلة اليأس للأسف الشديد.
رؤية الحزب واضحة وتمتلك الحلول
وعن رؤية الحزب تجاه مشاكل المكونات وكيفية معالجتها بعد سنوات من الخراب وتعزيز روح الانقسامات الطائفية والقومية، يقول الرفيق يونان، إن الحزب يملك رؤية تجاه المكونات منذ مطلع تأسيسه، وليس للأوضاع الحالية فقط.
ويشير إلى أن برنامج الحزب يمكن أن يكون بمثابة بوصلة لأصحاب القرار لو توفرت لديها الإرادة الوطنية الحقيقية لتغيير الحال، حيث أن برنامج الحزب ينص على ضرورة تعزيز النضال المشترك والتآخي القومي بين قوميات شعبنا كافة، بما يمكن من بناء عراق ديمقراطي اتحادي (فيدرالي) موحد، فضلا عن ضمان إقرار الحقوق القومية الإدارية والثقافية للتركمان والكلدان السريان الآشوريين والأرمن وتطويرها وتوسيعها، بما يحقق التمتع بالإدارة الذاتية للقرى والبلدات التي يشكلون فيها الأغلبية السكانية في أنحاء العراق كافة.
ويضيف الرفيق قائلا: لم ينس الحزب التأكيد على احترام المعتقدات والشعائر الدينية للايزيديين والصابئة المندائيين وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى، وإلغاء جميع مظاهر التمييز والاضطهاد ضدهم، وإصدار القوانين التي تكفل ذلك، إضافة إلى معالجة آثار سياسة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي والتهجير القسريين، وتنفيذ المادة 140 من الدستور بما يحفظ التعايش والتآخي بين أبناء المناطق المعنية، ويصون وحدتها ويعلي شأن المواطنة مع أهمية حفظ ذكرى الايزيديين من ضحايا مجازر داعش الارهابي، وضمان حقوقهم وحقوق عوائلهم.
ويعتقد يونان أن هذه محاور مهمة جدا تمثل خارطة طريق وطنية شاملة يمكن لأي حكومة أن تستفيد منها لتغيير واقع المكونات الى الأفضل والحفاظ عليها من التمزق والشتات.
واختتم عضو اللجنة المركزية حديثه بالقول أنه ومع الاحتفال بالذكرى الـ 90 لتأسيس حزبنا لا بد وقبل كل شيء ان نستذكر شهداءنا الأبرار الذي ضحوا بالغالي والنفيس وجادوا بدمائهم الزكية التي روت ارض العراق من اجل الوطن والشعب.