تحدثت مع الرفيق فهد، كان يجيبني متبسطاً في لهجتهِ، وفي رنة صوتهِ، فدهشني بتسلسل كلامهِ، وكأنهُ يقرأ عليَّ شيئا في صحيفة بيدهِ. يدلي بالمقدمة، ببنيتيها الموضوع والمحمول، وينتزع النتيجةِ المنطقية معقولة مقبولة لا لبس فيها ولا غبار.
حدثتهُ عن شباب شيوعيين، نسكن معاُ، (معلم وطالب في كلية الحقوق...الخ) (هم لا يعرفون أن الذي معنا هو فهد كنا ندعوه أبو شكر) أحاديثهم بكلمات لا تليق بالشخص العادي، في مقهى مكتظ، ويتعرضون لشخصية تاريخية مقدسة عند الناس أجمع. حين تجمعنا ليلاً، أنا وأبو شكر، وأحد افراد تلك الثلةِ، وكان خريج ثانوية مسائية ودخل كلية الحقوق بمساعدة الحزب، ورفيق مشارك في هذا المسكن والإيجار باسمه، سأل أبو شكر «فهد»: هل لديكم استعداد أن تعتبروني الليلة ضيفاً فتعشوني؟ قال الاثنان: سيكون ما نحب. وعقب أحدهم «محمد علي»-هو محمد علي الزرقة طردتهُ الحكومة إذ ذاك فعاد إلى موطنهِ في سورية -انا لي شاغل هام لا يمكن تركه، وصاحبي لا يحسن طبخ الرز، فمن يقوم بهذا؟
كنت أنا، حين آتي لأمر حزبي أقيم معهما، فقلت أنا أجيد طبخ الرز، إلا أني اعتدت استعمال المصفاة. أبو شكر «فهد» ابتسم، وقال يجب أن تتعلم الاقتصاد الموجه، فأسلوبك هذا في الطبخ أسلوب غير موجه. إنه ينتمي إلى العقلية الإقطاعية.
بعد العشاء وأثناء شرب الشاي، أخذ أبو شكر بالحديث. بدا متشدداّ - طبعاّ على إثر مناسبة، بحكاية النبي محمد حين نزلت عليه الآية الكريمةِ (وأنذر عشيرتك الأقربين). قال: إن هذهِ الآية تشير إلى أمر هام في أُسس التنظيم لأية دعوة. فقبل إعلان النبي محمد الدعوة، دعا الأقربين من عشيرتهِ، أعمامهِ وأبناء عمهِ، إلى وليمة أعدها ثم دعاهم إلى كلمة التوحيد (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) ليضمن لهُ من يساندهُ حين يعلن دعوتهِ إلى كل قريش.
ومضى يتحدث كيف يجب على كل رفيق أن يبدأ بأهل بيتهِ، أخوتهِ، ليكونوا سنداً في نضالهِ. ولكن كيف؟ أن يكون أكثر حشمة، وأكثر اهتماما بكل واحد منهم، يحترم كبيرهم، ويحنو على صغارهم وضعفائهم، يحترم عقائدهم، ويتبنى حل مشاكلهم، ولا يهمز معتقداتهم بنقد، أو سخرية. إنهم شبوا عليها. ثم أن علينا أن نحيط بتاريخنا. ونتفهم أسسهِ لنتمكن من خوض موضوع حساس عند الضرورة، وبشكل بعيد عن الإثارة. أما أن بعض رفاقنا يجد لذة في أن يسخر من صلاة جدتهِ وأمه، وتعبد والده، ومن الشخصيات المقدسة لديهم، إن مثل هؤلاء الرفاق إن فعلوا هذا هم واحد من إثنين، جاهل مغرور، أو عدو مندس يقصد تشويه سمعتنا. وبصراحة إنهُ بهذا يريد أن يقول للناس - وفي مقدمتهم أهل بيته ِ- إنا جئنا لهدم معتقداتهم، ومحاربة مقدساتهم. فهو إذن محرض ضدنا، لا أبداً، لسنا من هذا أبداً.
إنا دعاة تكتل ضد الاستعمار، وضد الجهل والفقر. والأديان السماوية فيها ما يزال سنداً يمكننا أن نذكر بهِ الناس جميعاً ليكونوا صوتاً واحداً ضد الاستعمار والجهل والفقر.
اقرأوا في القرآن ووقوف الأنبياء أمام فراعنة زمانهم، تجدوا أنفسكم كأنكم تشاهدون جماهير تلك القرون كأن أصواتها تهز قصور الفراعنة وتنذرها بالموت المحتم. كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم.