ونحن نحتفل بالذكرى التسعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي، هذا الحزب الذي تمتد جذوره في أرض العراق، وارتبط تاريخه بتاريخ العراق المعاصر، وكل منا لديه قصص مع هذا الحزب، يطيب لي في هذه المناسبة أن أروي قصة هروبي من العراق في شهر كانون الأول عام 1963.
أخلي قصر النهاية من السجناء الشيوعيين أيام قيام مؤامرة القوميين برئاسة سلام أحمد، حيث امتلأ القصر بالعناصر القومية. وتم توزيع الباقي من الشيوعيين (وهم ما تبقى من أعضاء اللجنة المركزية واللجنة العسكرية ولجنة بغداد) على مختلف السجون.
وكان نصيبي أن اقتادونا أنا والرفيق شريف الشيخ إلى سجن رقم 1 في معسكر الرشيد، حيث كان فيه الشهيد حسن سريع ورفاقه الأبطال وودعونا من الكوة الحديدية في الباب وهم يقولون «لا تديرون بال أيها الرفاق»، وقد كانوا وكأنهم ذاهبون إلى حفلة عرس وليس إلى ساحات الإعدام.
وبقينا أنا والرفيق المرحوم شريف الشيخ وحدنا في السجن بعد أن تم قبل ذلك نقل السجناء الشيوعيين في قطار الموت المعروف. وثم تم نقلنا أنا وشريف الشيخ إلى مركز مدينة المأمون ليتم نقلنا بعد ذلك إلى نقرة السلمان. وفي مركز المأمون، جاء أخي المرحوم حازم مشتاق، وهو ذو ميول قومية، وأخبرنا بأن يوم الغد سيكون يوم حركة عبد السلام عارف ضد البعثيين. وقد تهيأنا أنا والمرحوم الرفيق عزيز الجصاني، الذي كان معنا، للهروب. وفعلا، ما ان دوى صوت راديو بغداد صبيحة اليوم التالي حتى هرب أكثر المقاومين من الحرس القومي والبعثيين. وهكذا هربنا أنا والرفيق عزيز الجصاني وذهبنا مع عدد من الرفاق المسجونين إلى بيت أختي في المنصور (دار المرحوم صلاح طيب الموظف في وزارة الخارجية العراقية) وبقينا ليلة واحدة ثم تفرقنا كل إلى جهة معينة خشية مجيء رجال عبد السلام عارف لإعادتنا إلى السجن. وقد أتوا فعلا ولكن لم يجدونا.
وثم تم حصولي من أحد أقاربنا على جواز سفر عراقي وعليه موافقة السفر. ثم طلبت بعض الأدوات والمواد اللازمة لوضع صورتي بدل الصورة الموجودة في الجواز. وحسب الاتفاق مع الصديق الكريم سفير لبنان في بغداد على سفري معه بسيارته كسائق السفير. وفي الرطبة (نقطة الحدود العراقية)، نزلت أنا ومعي جواز السفير وجوازي، وقدمتهما إلى الضابط المسؤول فختم على جواز السفير، ثم تمعن في وجهي وتصفح جوازي، وكانت تلك لحظات فارقة، وختمه وسلمني الجوازين.
وعدت إلى السيارة، حيث كان السفير ينتظرني وبدت عليه علائم الخوف الشديد. وهكذا انطلقنا بالسيارة نحو سوريا منتظرين والدي ليأتي إلى دمشق وكان لا يزال يشغل منصب سفير العراق في أنقرة.
وللقصة بقية