اخر الاخبار

وانا استعرض مسيرة تسعين عاما من عمر الحزب الشيوعي العراقي الذي لقب وبجدارة يستحقها عميد الحركة الوطنية العراقية وعميد احزابها السياسية  اجد بصمات هذا الحزب في كل جوانب ومفاصل الحياة العراقية .. حزب ومنذ ان التقى مجموعة من الشباب التقدمي المطلعين على احدث النظريات السياسية في 31/3/1934 واتفقوا على تأسيس لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار وبعد عام يغير الاسم الى الحزب الشيوعي العراقي وينطلقون مبشرين ناشرين لافكار ومبادئ هذا الحزب بين الجماهير التي استقبلته مجموعة واسعة من أبناء شعبنا بأيمان راسخ وبترحاب كبير وراحت تعمل بكل همة ونشاط في سبيل نشر أفكاره والسعي الى تحقيقها وما هي الا سنوات حتى انتشرت تلك المبادئ والأفكار في كل مدن وقصبات العراق .. في اقصى اريافه في الاهوار وفي قرى على سفوح جبال كوردستان ..

 وبات  الحزب يقود الجماهير في سوح النضال المختلفة .. واعضاؤه  يزرعون الوعي في عقول أبناء الشعب الذين تنتشر في صفوفهم الامية والجهل وراحوا يكشفون لهم زيف وخداع مستغليهم من التجار والاقطاع وان لهم الحق بالعيش اسوة بابناء تلك الطبقات ..هذا الانتشار الواسع لنشاط الحزب الذي هز مضاجع الحكام واقلق حياتهم ما كان ان يحدث لولا ذكاء قادة الحزب ورفاقه في ذلك الوقت الذين استطاعوا ان يعطوا للنظرية الماركسية بعدا وطنيا بطعم عراقي استطيع ان اسميه (عرقنة الماركسية) وجعلها مقبولة من المتعلم والامي من الأستاذ والفلاح من الاديب والعامل البسيط .. وتمكنوا من طرحها للناس بصيغ اقرب الى نفوسهم وتمس شغاف القلب  ، سهلة ممكنة الفهم والتطبيق،  ويشعروا ان حياتهم ستكون افضل اذا ما عملوا على تطبيقها في العراق..

اخذ رفاق الحزب وأصدقاؤه  العمل كل في مجاله من اجل ترك بصمة لافكار الحزب هنا وهناك في الحياة العراقية.. الفلاح في قريته والعامل في مصنعه والمعلم في مدرسته ومحيطه والطالب بين زملائه فراحوا ينشرون الوعي الطبقي والثقافي بنكهة شيوعية عراقية في البيئات المختلفة  التي يعملون وسطها وفي هذا النشاط استطاع الحزب ان يتحول الى مدرسة سياسية ثقافية فنية أدبية تخرجت أجيال وما زالت تتخرج لترفد الحياة العراقية بالاجمل والأفضل والانسب والمتميز عما تسير عليه الرتابة العامة ..

بفضل مدرسة الحزب الشيوعي ظهرت في الحياة العراقية حركات وأحزاب ومنظمات سياسية ومهنية تطرح شعارات تخدم جماهيرها وبأسناد ودعم الحزب انبثقت لأول مرة اتحادات ونقابات ضمت في صفوفها ابطال دافعوا عن حقوق زملائهم وتعلمت الأحزاب السياسية العراقية الطرق الحديثة في التنظيم الحزبي وكانت كلمة (( رفيق)) التي اول من استخدمها رفاق الحزب الشيوعي لتنتشر الى كل التنظيمات الحزبية المدنية وتعلموا من مدرسة الحزب أساليب الاعلام ونشر الأفكار السياسية عن طريق المنشور السري والصحيفة والمجلة.  وقد قدم الحزب الشيوعي المشورة والمساعدة لكثير من الحركات الوطنية حتى طرح مؤسس الحزب الرفيق فهد شعارا (( قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية)) .

وبفضل أفكار ومبادئ وتثقيف الحزب الشيوعي لرفاقه  وأصدقائه ولدت في العراق حركة أدبية جديدة استطاعت ولأول مرة في تاريخ  البلاد العربية  من كسر مدرسة الشعر العمودي وطرح نظرية الشعر الحر التي قادها شاعر شيوعي وكتب فيها لأول مرة على مستوى العراق والعالم العربي والتي أحدثت انقلابا ثوريا في الساحة الشعرية ولم تتوقف عند هذا التغير بل لحقته تجمعات وبيانات ومدارس أدبية جديدة في الستينات وما تلاها .. ليس في الشعر الفصيح بل استطاع رفاق وأصدقاء الحزب  الكتابة بأسلوب جديد للقصيدة الشعبية وكانت لقصيدة الريل وحمد للشاعر الشيوعي مظفر النواب القدحة الأولى في كسر رتابة القصيدة الشعرية الكلاسيكية والتي اوجدت شعراء كبارا جاؤوا بعد النواب ارفدوا الساحة الأدبية بقصائد كبيرة . وفي المسرح الجامعي والشعبي ابتدأ الشيوعيون بتقديم مسرحيات على النمط الحديث فاستطاعوا من تأسيس مدرسة مسرحية عراقية متميزة لا زالت في ذاكرة العراقيين والتي تخرج منها فنانات وفنانون كبار يحتفظ العرقيون بدورهم الريادي.

وفي مجال الثقافة العالمية ترجم الشيوعيون ونقلوا الى اللغة العربية كتب في شتى المجالات السياسية والأدبية من ثقافات العالم لكبار سياسيين وادباء عالميين فكان الكتاب بين يدي القارئ الذي لا يجيد الا لغته العربية او الكوردية  كتبا مترجمة من روائع الإنتاج العالمي والذي اثر على ثقافة العراقيين ووسع مشاربها وكان للسجناء الشيوعيين الدور في ترجمة كتب ماركس ولينين والادب العالمي في الرواية والشعر العالمي إضافة الى دور الأساتذة والمعلمين الشيوعين في هذا المجال وبتكليف من الحزب.

وفي مجال الاغنية كان للشيوعيين العراقيين الريادة في نشر الاغنية السياسية والاغنية الحديثة بالحان جديدة لم يعتداها العراقيون .. فكانت اغنية سنمضي سنمضي الى ما نريد وطن حر وشعب سعيد ، الاغنية السياسية الأولى التي انطلقت من حناجر الشيوعيين في السجون وانتشر بعدها هذا الفن الغنائي الى يومنا هذا مع ما ابداع الشيوعيين في كتابة كلمات الأغاني ليست السياسية فقط ،  بل الاغنية السياسية العاطفية والاغنية العاطفية وتلحينها بشكل مس شغاف قلوب العراقين الذين حفظوها ورددوها وما زالوا يستذكونها في مجالسهم

وفي مجال الاعلام الثقافي والجماهيري استطاع رفاق الحزب من تأسيس مجلة ثقافية تنشر الفكر العلمي التقدمي كانت منارا لكل المثقفين ومن معطفها خرجت صحف ومجلات رفدت الساحة الثقافية العراقية بنشرات ومواضيع استطاعت  احداث التغير الإيجابي في الحياة العراقية.

هذه  الشمولية والانتشار والتأثير في الحياة العراقية بكل جوانبها التي أحدثها الحزب الشيوعي العراقي التي لا يمكن تجاهل دور الشيوعيين وحزبهم فيها  .. فعندما يتحدثون عن الشعر فلا يمكنهم تجاوز الشعراء الشيوعيين الكبار مثل السياب وسعدي يوسف ،  وان تحدثوا في الرواية فسيتصدر الحديث غائب طعمة فرمان وان  جرى الحديث عن الشعر الشعبي سيكون لمظفر النواب وعريان السيد خلف وأبو سرحان وان تحدثوا عن المسرحيين فلا بد ان يذكروا دور يوسف العاني  وزينب وناهدة الرماح وهكذا في بقية المجالات وشؤون الحياة المختلفة.

لا يمكن تخيل العراق بلا حزب شيوعي ولهذا احتضن العراقيون الحزب وافكاره وحافظوا عليه رغم كل ما تعرض له من مطاردات واعتقالات وسجون  واعدامات . فقد بقي الحزب وافكاره في ضمائرهم لم يختف ولم ينقطع رغم كل بشاعة وقساوة أساليب السلطات على مختلف مشاربها وازمانها .. فقد تعرض الشيوعيون العراقييون نتيجة مواقفهم الوطنية  واندماجهم مع مصالح شعبهم بلا تهادن ولا مساومة الى ابشع أساليب القمع ومن كل السلطات التي تعاقبت على حكم العراق حتى في فترة حكم عبدالكريم قاسم الذي يحسب على الشيوعيين فهم أيضا  لم يسلموا من الاعتقال والتعذيب والمطاردات .. واقسى القمع والاضطهاد  ما تعرض له الشيوعيين  في فترة حكم الدكتاتور صدام الذي اجبر الشيوعين الى الهجرة باعداد كبيرة الى خارج الوطن او القتال في ذرى جبال كوردستان . ورغم هذا القمع لم ينته تنظيم الشيوعيين وان انتهى لفترة فهوا يعاود الظهور لان الناس تشعر بالحاجة لهم حتى من اشد اعدائه فهم يعرفون انه المدافع الأمين عن مصالح الناس جميعا .

يحتفل الشيوعين العراقيون هذا العام بالذكرى التسعين للتاسيس  وهو عمر يقارب عمر الدولة العراقية لهذا استطاع ان يترك بصماته الواضحة في الحياة العراقية،  شاء من شاء وابى من ابى ، أعداء وأصدقاء الجميع لا يستطيع ان يتخيلوا  عراقا بلا حزب شيوعيا

عرض مقالات: