اخر الاخبار

ألقى الكاتب والإعلامي عبد المنعم الأعسم، الجمعة الماضية في بغداد، محاضرة بعنوان "التسامح في مجتمع نزاع"، نظمها "غاليري مجيد" في المنصور.

وبحضور جمهور من المثقفين، استهل الأعسم محاضرته بالقول أن التسامح في الأساس مفهوم قيمي يضرب في عمق التاريخ، قبل أن يُترجم إلى التزامات وقوانين وسلوكيات وممارسات.

وأوضح أنه "في سنوات بعد 1990، عقب نهاية الحرب الباردة، ظهرت أفكار حول موضوعة التسامح. وتبيّن للوهلة الأولى ان التسامح لا يتحقق من دون أن يتخلى الضحايا عن حقهم في الاقتصاص والانتقام من الجلاد"، مستدركا "لكن، كي تُترجم عملية التسامح بشكل سلس – وهي في الحقيقة لم تترجم في أي مكان بسلاسة، إنما مرّت في طرق وعرة – لا بد أن تكون هناك ضمانات وظروف تُسهل تحقيق التسامح في المجتمع".

وتابع قوله أن أولى خطوات تحقيق التسامح، هي أن يعترف الجلاد – القاتل - المجرم، بفعلته، ويعتذر لضحاياه، فضلا عن تشريع قوانين العدالة الاجتماعية وتكريس دولة المواطنة وتحقيق المساواة بين المجموعات وبين الشرائح وبين الرجل والمرأة، مضيفا أنه "قبل كل شيء، ان الشرط الذاتي الذي يتوقف عليه مشروع التسامح هو السلطة السياسية. فإذا لم تكن هناك سلطة سياسية تؤمن بالتسامح وتسعى إليه، لن يتحقق في المجتمع. فالتسامح هنا قد يتحقق على مستوى المثقفين كثقافة عامة، لكنه لن يتحول إلى الواقع كممارسة".

ومضى في قوله إلى أن "عدم وجود سلطة تستوعب مفهوم التسامح، يُعقّد الموضوع أكثر. فالسلطة إذا كانت متحيزة أو غير مستوعبة ضرورات التسامح فإنها تضرم نار الكراهية في المجتمع، وتقدم مبررات للتنكيل المتبادل بين الجماعات".

ونوّه الأعسم إلى انه "قد يرد إلى ذهن البعض انني سأتناول موضوع قانون العفو العام في محاضرتي من حيث علاقته بمفهوم التسامح، إلا ان هذا الموضوع يحتاج إلى مساحة أوسع وإلى مشاركة قانونيين واختصاصيين. لكنني سأستبق ذلك بالقول ان هذا القانون لا يمت بصلة إلى موضوع التسامح، ذلك لأنه مشروع سياسي فئوي رافقته صبغة سياسية تُبقي الكراهية على حالها، وتُحوّل الحاجات الإنسانية إلى سلع سياسية".

ثم تطرق إلى مسألة تنازل الضحية عن حقه في مقاضاة الجلاد أو الانتقام منه، كشرط من شروط التسامح. وبيّن أن هذا الأمر حصل في ثقافات وتجارب عالمية عديدة. وقد عرّج على بعض تلك التجارب في أمريكا اللاتينية وأوربا وأفريقيا.

فيما لفت إلى انه "في العراق، مر اليوم العالمي للتسامح 16 تشرين الثاني، دون أن يشير إليه أحد، لا في الصحافة ولا في التلفزيون"، ذاكرا انه "في مجتمعنا، شهدنا محاولات كثيرة لتطبيق شكل من أشكال التسامح، وهو ما كان يُطلق عليه المصالحة. لكن هذا التسامح اختزل في أنشطة ومبادرات أقل ما يُقال عنها انها ضحك على الذقون. إذ يجمعون رجال دين وشيوخ عشائر من أطراف مختلفة في مكان واحد، ويفرشون لهم مائدة طعام، ويقولون انهم قلبوا صفحة من الماضي، والآن حققوا التسامح!".

وخلص الأعسم إلى ان "تحقيق التسامح في المجتمع العراقي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن هناك إمعانا في إبقاء الكراهية مستمرة في المجتمع، مع تشكيل مؤسسات ومراجع للكراهية"، مشددا على أهمية أن يبادر المثقف إلى ترويج قيم التسامح بالاستعانة بالمفاهيم الإنسانية الموجودة في قرارات الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو.

ونوّه إلى ان لديه مبادرة لإشاعة مفهوم التسامح، داعيا الحاضرين إلى التعاون معه في وضع خطوات لترويج ذلك المفهوم في المجتمع، مؤكدا أن مبادرته ليست محسوبة على أي جهة وليس لها بعد سياسي "فأكثر ما يُجهض مشروع التسامح في المجتمع، هو السياسة. إذ يُجيّر السياسيون مثل هذه المشاريع لصالحهم ويحولونها إلى صفقات".