اخر الاخبار

في آخر فعالياته لهذا العام، ضيّف منتدى "بيتنا الثقافي" في بغداد السبت الماضي، المترجم والكاتب المهتم بشؤون اليسار رشيد غويلب، الذي ألقى محاضرة بعنوان "اليسار بين الانكفاء والصعود.. الاسباب والتحديات"، بحضور جمع كبير من المتابعين والمهتمين، بضمنهم سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي.

المحاضرة التي احتضنتها قاعة المنتدى في ساحة الأندلس، أدارها السيد سعدون هليل، واستبقها بتقديم نبذة عن الضيف.

في بداية حديثه، نوّه غويلب إلى انه سيتحدث كناشط سياسي. ثم قدم تعريفا مكثفا لمفهوم اليسار، مؤكدا نسبية المفهوم واتساع حدود توصيفه "فهو يمتد وفق التوصيف التقليدي من الديمقراطية الاجتماعية الى اليسار المتطرف، في حين ان اغلب الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية وأحزاب الخضر في أوربا تتبنى بشكل متزايد سياسات يمينية وليبرالية جديدة".

وتابع قوله: "منهجيا – وفق قراءتي - فإن اليسار مضاد للرأسمالية، ويناضل من اجل بديل لها جوهره العدالة الاجتماعية الجذرية وإعادة توزيع الثروة لصالح الأكثرية، هو الاشتراكية. وان يكون علميا، أمميا، متضامنا، تحرري الموقف من حقوق المرأة وفي رؤيته للعلاقات الاجتماعية وخصوصية الأفراد".

وأشار الى العوامل التي ادت الى نهوض اليسار، منذ انشقاق الحركة العمالية العالمية على خلفية الموقف من الحرب العالمية الأولى، وانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917، التي اعطت قوى اليسار زخما استثنائيا. وشدد على ان اهمية اليسار قائمة ما دام النضال في سبيل عالم افضل مستمرا.

كذلك اشار الى النهوض الذي شهدته حركة التحرر العالمية، التي لعب فيها اليسار دورا رياديا، على خلفية انهيار عالم الامبراطوريات القديمة، مضيفا قوله: "أدى اندحار الفاشية إلى انكماش اليمين في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، ما شكّل عاملا مهما آخر لصعود اليسار". وتابع قائلا أن "الفاشية القديمة والجديدة، مثلت وتمثل تطورا داخل الرأسمالية السائدة وليس تجاوزا لها"، مشيرا إلى الدور المحوري الذي لعبته قوات الانصار الشيوعية في الخلاص من الفاشية في العديد من البلدان الأوربية.

وسلط المحاضر الضوء على الدور الذي لعبه المثقفون اليساريون في طرح ثقافة تقدمية في مواجهة الثقافات التقليدية السائدة، وعلى تصاعد الانتاج الذي ادى الى تعزيز دور النقابات العمالية في الحياة السياسية. كذلك تأثير بناء البلدان الاشتراكية السابقة، والذي ساعد ضمن امور اخرى في تبني البلدان الغربية نموذج دولة الرفاه، ما حقق قدرا من العدالة الاجتماعية وساعد على نشر مفاهيم تقدمية.

وبشأن اسباب تراجع اليسار، اشار غويلب الى "نهاية تجربة الاشتراكية الفعلية وغياب (المثل) بالنسبة لقوى اليسار، والى انتشار الجمود الفكري الذي حوّل الماركسية الى عقيدة جامدة، بجانب البيروقراطية والمركزية الشديدة، التي لم تنحصر في البلدان الاشتراكية، بل انتقلت الى احزاب اليسار العالمي بدرجات متباينة. كذلك التأثير السلبي لتقاسم مناطق النفوذ خلال عقود الحرب الباردة، وضعف التضامن مع شعوب الجنوب العالمي، نتيجة لنمو ارستقراطية عمالية في البلدان الرأسمالية. واخيرا سيادة الليبرالية الجديدة، واولوية نشاط رأس المال المالي على حساب تعزيز التصنيع والانتاج".

أما بشأن تحديات اليسار الراهنة، فقد لفت إلى "اهمية تجاوز الانغلاق الفكري، الذي ادى الى الابتعاد عن المنهج العلمي في التحليل. والى اهمية التثقيف بكون معركة اليسار الكبرى تدور اليوم حول تعزيز وعي تقدمي انساني، وضرورة ربط الفكر بالممارسة، وتأكيد الروح النضالية، والابتعاد عن النفعية وتبرير انتشارها واضرارها الفادحة على روح اليسار الكفاحية. وان يراكم اليسار تحالفات على اساس حاجات الناس بالاستناد الى مشروعه، وعدم الانجرار تحت اية ذريعة الى مشاريع قوى السلطة".

وشدد على اهمية المراجعة التفصيلية بروح تضامنية، وتجديد مشروع اليسار على اساس ثوابته وما هو مضيء في تجربته بما يتناسب وتطورات الحياة. ختاما، اشار غويلب الى نجاحات اليسار المتحققة عالميا رغم حالة التراجع العامة، كما هو الحال في بلجيكا والنمسا واخيرا في الأورغواي وسريلانكا. ودعا الى "منح مشروع اليسار المستقبل الذي يستحقه، بشجاعة ومثابرة، وبنقد ذاتي أساسه الاعتراف بالأخطاء وعدم محاولة تحجيمها، والاستعداد للتعلم باعتباره السبيل الوحيد لجعل اليسار أكثر تأثيرا. هذا وطرح الحاضرون أسئلة ومداخلات نوعية، بعضها يتعلق باليسار العراقي. وقد ردغويلب معقبا عليها وموضحا.

وقبيل الختام، قدم الرفيق رائد فهمي مداخلة ضافية تناول فيها طبيعة المرحلة والبرنامج الذي يتبناه الحزب، فضلا عن عديد من الأفكار بشأن تطور الرأسمالية والصراع بين تياراتها المختلفة.

وفي الختام قدم الرفيق حيدر مثنى عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، شهادة تقدير للضيف، باسم المنتدى.