استهل مهرجان طريق الشعب السنوي التاسع، المقام السبت الماضي 8-11-2024 فعالياته بندوة عن “شخصية المهرجان” الكاتب والصحفي الراحل الرفيق إبراهيم الحريري، شارك فيها الناقد فاضل ثامر ورئيس تحرير الجريدة مفيد الجزائري، والكاتب عبد المنعم الأعسم.
في البداية تحدثت الكاتبة منى سعيد التي إدارت الندوة عن إبراهيم الحريري بالقول: ابو فادي كان مبتهجاً بمنجزه الوطني والابداعي، حيث قدم للعراق خلال مسيرته المديدة مع اليسار العراقي، وتاريخه المشرف مع الحزب الشيوعي العراقي، الكثيروهو يردد: “لا انكسر ولن اهرم، ما دام لي وليد في وطن اسمه الحزب”.
وأضافت: رحل فقيدنا في منفاه الكندي عن عمر ناهز 82 عاماً، ومات بعد ان اترع بمتاعب الشيخوخة. لكنه التقط مع لحظة سكينته الأبدية، ما افتقده بانكساره وهوالايمان، وقال ان الانسان قد يضل الطريق او يكبو او ينحني امام العواصف او حتى ينكسر، ولكن ما ان يعتمر ما في وجدانه من ايمان بالحياة، يبقى عصياً لا يقهر.
بعدها أعطت الكلمة للرفيق مفيد الجزائري رئيس تحرير “طريق الشعب”، الذي جاء في مداخلته:
كاتباً وثورياً
يقول الرفيق مفيد الجزائري عن ابراهيم الحريري: الرفيق والصديق والزميل في “طريق الشعب”، وفي اعلام الحزب الشيوعي عموما .. ما زلت، وإن في احايين تزداد تباعدا، أجد نفسي في لحظة خاطفة اسائل نفسي: متى سيرجع من كندا؟ فقد طال الزمن على سفره الأخير اليها، وليس من عادته ان يتأخر كثيرا في العودة.
لحظة أكثر من خاطفة ، سرعان ما تتبدد مع استيقاظ الذاكرة، واستعادة وقع خبر رحيله الحزين، الذي جاءنا من كندا بدلا عنه، قبل حوالي عشرين شهرا.
كثيرون منا، نحن حضور هذه الجلسة اليوم، عرفوا ابو فادي شخصيا، وبعضنا من خلال كتاباته في “طريق الشعب” وبقية منابر الحزب. لكن بعضا منا عرفه عن قرب وتابع مسيرته صحفيا وكاتبا وحتى مناضلا في صفوف الحزب وفي الحراك الوطني عامة.
وهؤلاء الأخيرون هم العارفون بالكثير من صفحات تلك المسيرة وتفاصيلها، بجوانبها المضيئة وما حفلت به من تضحية ووفاء وعطاء وانتصار، وبوقائعها الكثيرة الصعبة وحتى القاسية التي انطوت في المقابل على مرارات ومشاعر احباط وانكسار.
ويضيف: والحقيقة انها لم تكن مسيرة ابراهيم الحريري وحده، بل مسيرة ما لا يحصى من المناضلين، الذين قيّض لهم ان يعيشوا وينغمروا في الكفاح الوطني خلال عقود السنين ذاتها، التي عاشها الحريري وخاض غمار الحياة والصراع.
حسب افادة له ذات مرة، فانه التحق بصفوف الحزب الشيوعي في ربيع 1952 (كان عمره حينذاك 15 سنة). وكان فتى متحمسا مندفعا، متأثرا كثيرا بخاله حسن قريطم، القيادي المعروف وقتذاك في الحزب الشيوعي اللبناني.
وبعد ما يزيد على نصف قرن من الزمن على انضمامه الى الحزب، كتب يقول:“منذ بداية تفتحي وضعت لنفسي هدف ان اكون كاتبا وثوريا”. ثم دقق كلامه هذا وقال بكلمات اخرى: “ كنت على الدوام مولعا بالكتابة وبالتغيير ، وبالأحرى التغيير بالكتابة”.
فهو كان يتطلع الى ان يكون ثوريا يصنع التغيير (والثورية لا تتجسد واقعا بغير التغيير)، وان يحقق هذا التغيير بالكتابة.
ومن يتابع مسيرته الحياتية بطولها، يلاحظ انه سعى عمليا، منذ فتوته المبكرة، وحتى في الظروف التي كانت بالنسبة اليه بالغة التعقيد والقسوة، الى بلوغ الهدفين المذكورين المتشابكين عنده والمتداخلين.
من المعقول الافتراض انه حين انضم الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي في ربيع 1952، انغمر على الفور ، ان لم يكن منغمرا بالفعل، في النشاط الثوري بأشكاله السرية وشبه السرية المعروفة آنذاك. ومن المنطقي ان يكون شارك في انتفاضة تشرين 1952، التي اندلعت بعد ذلك بنصف سنة تقريبا.
وتابع الجزائري كما لابد انه ساهم في النشاطات الوطنية المتنوعة التي شهدتها الفترات التالية، وبضمنها الحملة الشعبية التي اطلقها الحزب الشيوعي والمنظمات الديمقراطية ربيع 1954 لحماية بغداد من مياه الفيضان، ثم الحملة الانتخابية التي اعقبتها بعد فترة وجيزة، والتي تحولت الى معركة سياسية كبرى غايتها تأمين فوز المرشحين الوطنيين في انتخابات مجلس النواب آنذاك. وقد خاضها الحزب الشيوعي سوية مع قوى المعارضة الوطنية الاخرى ضد النظام الحاكم يومها ورأسه نوري السعيد.
فلولا انه شارك في هذه وغيرها من النشاطات السياسية الوطنية المتنامية وقتئذ، لما وجدناه مبعدا سنتي 1955 و1956 الى بلدة بدرة التابعة الى لواء (محافظة) الكوت، والتي كانت سلطات النظام تنفي اليها الطلاب والشباب والموظفين وغيرهم من الكوادر الوطنية النشيطة، عندما تعجز عن العثور على أدلة تمكّن محاكمها من ادانتهم والحكم عليهم بالسجن.
في بدرة وعلى عادة الشيوعيين “اللي ما يكعدون راحة” اينما حلوا، والذين يحبون الثقافة والعمل الثقافي، وحتى لو كانوا سجناء او مبعدين او مقاتلين بالسلاح في جبال كردستان ضد الدكتاتورية، ساهم ابراهيم مع رفاق له مبعدين ايضا، في تحرير وكتابة واصدار نشرة جدارية، نشر هو فيها قصتين قصيرتين.
ويستمر الرفيق الجزائري في حديثه عن شخصية المهرجان ابراهيم الحريري بالقول: ويروي إبراهيم ان هذه النشرة توقفت، بعد صدور بضعة اعداد منها. لماذا توقفت؟ منعها التنظيم حسب قوله، اي تنظيم الحزب. لكن لماذا منعها؟ بسبب “شقاوتها” – والكلام لابراهيم ايضا. والشقاوة هنا تعني “الوكاحة”، وتعني إثارة للمشاكل، كأن تكتب وتنشر عن امور وقضايا يرى التنظيم، لسبب او لآخر، ان لا مصلحة للحزب في الكتابة والنشر العلني عنها، او يعتبرها ضارة وقد تخدم العدو: التحقيقات الجنائية (الجهاز الامني آنذاك) التي كانت محاربة الحزب الشيوعي مهمتها الاولى، او يرى ان لغتها غير لائقة (او غير مؤدبة بكلمات ابراهيم نفسه).. وغير ذلك.
واقعة نشرة بدرة هذه تستحق التوقف، لانها ستتكرر بعد ذلك مرة وربما مرات، ومعها تتكرر شكوى التنظيم من ابراهيم.
هنا استعيد واقعة اخرى مشابهة، حدثت بعد ذلك بعشرين سنة تقريبا، ورواها ابو فادي ايضا، وكثيرون منكم سمعوا بها او قرأوا عنها.
في السبعينات استأنف ابراهيم نشر اعمدته وكتاباته الأخرى (اقول استأنف لأنه بدأ النشر قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، في جريدة “اتحاد الشعب”، التي كلفه الحزب بالعمل فيها غداة صدورها علنية في كانون الثاني 1959.. باشر نشر عمود بعنوان “حكايات حمدان”)، وبعد عودته من الخارج الى بغداد مطلع 1974 والتحاقه بـ “طريق الشعب”، عاود نشر كتاباته وخاصة عموده، الذي بدأ يظهر هذه المرة بتوقيع زكور . لكنه سرعان ما أحيا ايضا “حكايات حمدان” الصحفية، التي أخذ ينشرها هذه المرة باسم (السِكِن) ابو عمشة (سكن سيارة) وبتوقيع “نفر”.
شقاوة ومشاكسة
عن أبو عمشه (السكن) هذا، الذي تظهر الحكايات باسمه، يتحدث ابراهيم في مقابلة صحفية نشرت بعد نيسان 2003، ويقول انه:
“لم تكن حكاياته تخلو من قلة ادب، لا تتحملها الصحافة العراقية الجادة، خصوصاً صحافة الحزب!”
ويضيف ما معناه ان حمدان اختفى “من الجريدة ( من طريق الشعب) لأنه اصرّ مفضلا ان يبقى “سكن” سليطاً، قليل الادب (ادب سز حاشا السامع)! - على ان يصبح شيوعياً “مهذباً” كما نصحني الراحل زكي خيري، في محاججة شهد طرفاً منها الصديق عبد الرزاق الصافي، تلوت فيها “دفاعاً عن ابو عمشة!” (دفاع من خمسة اوراق احتفظت به فترة طويلة ثم مزقته وانا اغادر العراق الى المنفى من جديد اوائل عام 1979)”.
كان ابراهيم، وهو العضو في الحزب الذي لا شك في اخلاصه، كان متمسكا كما يبدو بهدفه ان يكون ثوريا. فهل ان الثورية عنده، او التغيير بالكتابة كما قال، هل تتحقق بإبداء التمرد وبالمشاكسة والاستفزاز؟
لعله كان يعتقد ان في الحزب الذي يعلق آماله عليه ويكرس نفسه له، مظاهر جمود فكري مثلا، او بيروقراطية وروتينية في التنظيم، او غيرَ ذلك مما يراه سلبيا ومؤذيا، وان عليه كـ “شيوعي ثوري” ان يعمل على تخليصه منه، عبر كتاباته بما تتضمن من استفزاز وسخرية، وما تعكس من تمرد؟
اقول هذا متسائلا .. وأنا ابحث عن معنى قوله من جانب ان تلك الحكايات لا تخلو من قلة ادب، لا تتحملها صحافة الحزب قبل غيرها، ومن جانب آخر تمسكه بها وباصرار، بما تتسم به من قلة أدب!
أم ان ما يقوله يشكل اعترافا في الظاهر، ولا يعدو كونه في الواقع كلاما يعكس تمسكا بالشقاوة والمشاكسة؟
من يعرفون ابراهيم، ومن كانوا يتابعون كتاباته وعامة نشاطاته، قد يميلون الى هذا الاستنتاج الاخير. لكنهم يعرفون ايضا، وافضل من غيرهم ربما، ان ذلك لم يغيّر يوما من ثبات موقف ابراهيم الفكري والسياسي والتنظيمي. وواضح ان هذه الحقيقة كانت دائما تكمن وراء تفهم الحزب لحالة ابراهيم وخصوصيتها، ووراء الامتياز الذي ظل يتمتع به حتى النهاية، وأعني انفتاح ابواب منابر الحزب، واولها الجريدة المركزية، امام كتاباته المتنوعة.
مما قد يستحق الاشارة هنا، ان ابراهيم اتيحت له مرة فرصة ممارسة ثوريته في غير الكتابة، الصحفية او الادبية. حيث ساهم، بتكليف من الحزب، في تأسيس التجمع الديمقراطي العراقي اوائل التسعينات، سوية مع شخصيات ديمقراطية اخرى يتصدرها الكادر القيادي السابق في الحزب صالح دكله. وكانت الغاية من تشكيل هذا الكيان السياسي تتمثل في العمل على استقطاب الاوساط الديمقراطية العراقية الواسعة جدا والمشتتة، واجتذابها للعمل السياسي المنظم والمؤثر بالتالي. وكان حزبنا يدرك الاهمية الكبيرة للجهد الذي يبذل على هذا الصعيد، بالنسبة للكفاح المحتدم آنذاك من أجل اسقاط النظام الدكتاتوري. ولذلك قدم كل الدعم للكيان الناشيء، الذي اصدر جريدة “الغد الديمراطي” وظل يعمل بضع سنوات. الا انه لم يتوفق في النهاية، بسبب “المناعة” الشديدة التي تتمتع بها الاعداد الهائلة من الديمقراطيين العراقيين المستقلين المبعثرين، ازاء التنظيم والعمل المنظم!
بعد انتهاء مداخلة الرفيق مفيد الجزائري طلبت مديرة الندوة منى سعيد من الأستاذ الناقد فاضل ثامر تقديم مساهمته حول الجانب الادبي من عطاء الحريري الراحل.
شخصية مناضلة متنوعة العطاء
بداية تحدث الناقد الكبير عن مهرجان طريق الشعب قائلا انه يدلل على المكانة الكبيرة التي احتلها الحزب الشيوعي العراقي وصحافته في ضمير جميع العراقيين؛ في الماضي والحاضر، والذي يؤكد ان مستقبل العراق في ايدٍ امينة، قادرة على ان تحقق النهوض الديمقراطي والجماهيري المأمول.
وعن شخصية المهرجان قال ان “الحديث عن ابراهيم الحريري، هو حديث عن شخصية مناضلة ومتنوعة، وشاملة الثقافة والسلوك، فكما نعرف كان الحريري، ذلك الفتى الشاب الشيوعي المناضل، قد بدأ حياته مبكراً وهو منغمس في العمل السياسي، واستطاع ان يؤكد شخصيته الصحافية. لكن للأسف، بقي الجانب الادبي من تجربته في منطقة الظل، ونحن في الثقافة العراقية والنقد العراقي نتحمل المسؤولية أيضا لأننا لم نحاول تسليط الضوء على تجربته القصصية والروائية، وهي تجربة غنية”.
وتابع يقول: كان الحريري يكتب العمود الصحافي والقصة والمسرحية والشعر، وله ديوان شعر اسمه “ارتكابات”، وكان يسخر فيه حتى من ميله لكتابة الشعر، وكتب ايضاً مسرحية اسمها “الخروج”، وكتب عدة قصص طويلة منها “النبگة” و”سيدتي الجميلة”. كما كتب مجموعة روايات قصيرة منها “الجثة” و”القيامة”. لكني اعتقد ان عمله التأسيسي يتمثل بصدور رواية “الاغتيال”، التي ظهرت في وقت مبكر وحظيت بأعجاب الكثير من النقاد والادباء العراقيين والعرب.
ماذا كتب المثقفون العرب عن الحريري؟
ولفت الناقد فاضل ثامر الى ما كتبه الناقد المغربي الكبير محمد برادة عن رواية الاغتيال للحريري حيث قال: “نجد روايات ذات ابعاد كونية مثل نجمة اغسطس، وشرق المتوسط لعبد الرحمن منيف والاغتيال لإبراهيم الحريري، واعترافات لكاتب الصوت لمؤنس الرزاز” وبذلك وضع ابراهيم الحريري في مصاف هذه المجموعة المتألقة من رموز السرد الروائي في ذلك الوقت، وهي مكانة كبيرة غابت عن ذهننا بأن نبرزها في ذلك الوقت، والكلام للناقد فاضل ثامر، الذي زاد على ذلك بالقول: هذه الرواية لفتت انتباه قاص وروائي مصري كبير، هو الاستاذ ادوارد الخراط، الذي كتب مداخلة كبيرة عن هذه الرواية، عبر فيها عن اعجابه، ونشر ابراهيم الحريري رداً عليهاً في سجال حول تصوراته وفهمه لمشروعه الروائي.
وعن سيرة الحريري في مجال الادرب والثقافة، أضاف ثامر يقول: الحريري كان مثقفا شاملا، في مجال الادب استطاع ان يقدم الكثير من الاسهامات الجادة، وفي تقديري ان الجوهر الاساسي في فهم تجربته، انه كان ينطلق من رؤيا كافكوية، لان معظم رواياته ذات طابع سوداوي وكافكوي اذا جاز التعبير، ونسميه في الحاضر ديستوبي عكس يوتويوفيا؛ بسبب عالم الاضطهاد والقمع، كان يصور لنا هذا البؤس الذي تعيشه شخصياته والعوالم التي كان يصورها.
ويؤكد ان “الحريري لم ينقل هذه الاشياء بطريقة آلية وفوتوغرافية، وانما كان يمررها عبر فلتر يسميه الكوميديا السوداء، وكان يحاول بهذا ان ينتزع الجوانب العاطفية المؤلمة، ويحولها الى وعي، تماماً مثل ما يفعل بريخت في مسرحياته، عندما يحاول ان يحيل بيانات وحيثيات النص الى الفكر والقارئ لكي يتأمل ويحاور.
ساخراً في جميع قصصه
وتابع الناقد فاضل ثامر حديثه عن شخصية المهرجان الحريري بالقول: ربما نتذكر رواية “المتشائل” للروائي الفلسطيني اميل حبيبي، رغم انه كان ينقل اجواءً كئيبة وسوداوية ودموية، لكن نقله لها كان بطريقة ساخرة، السخرية عنصر مهم لكسر حاجز الخوف فجدار الخوف يجب لن يهدم، وبهذه الطريقة يتيح الفرصة للمواطن لان يفكر ويتأمل ويتحدى، وهذا شرط مهم من شروط الكتابة المناضلة والحداثية، خاصة وانه يدعو الى التغيير من خلال الكتابة. هذه الرواية اقترح ان يعاد طبعها، وفي الحقيقة جميع اعماله بحاجة الى اعادة طبع.
واستطرد عن الحريري يقول: كان ساخراً في جميع قصصه، وكان يقول إني لا احاول ان التزم بالحدود الاجناسية للنص، وانما اتحرك على وفق ما تتطلبه وتوحيه التجربة. قد اكتب نثرا او شعرا اومسرحية، ولهذا تجد ان الكثير من نصوصه السردية مليئة بالحوارات المسرحية، ووصل الامر الى انه فعلاً كتب مسرحية كاملة في احد اعماله، وهو اعترف في احدى المرات وقال: قد لا التزام بالحدود السردية، ولكني التزم باللقطة السينمائية، وطبعاً هذا مفهوم للسيناريو وكان ينتبه لهذه المستويات الكبيرة من التعبير، فهو كان واعياً ويعمل بطريقة خاصة خارج حدود المواصفات الرسمية لخلق بنيات سردية ومسرحية وشعرية وثقافية مؤثرة ومغيرة، لأنه دائماً كان يقول ان التغيير يتم من خلال الكتابة.
واختتم الناقد فاضل كلامه بالقول: كان ابراهيم الحريري شخصية ثقافية شاملة وموسوعية ومؤثرة في الوسط الثقافي من خلال عمله الصحافي واعمدته، وكان لي شرف التعرف الشخصي عليه لفترة طويلة، عندما صدرت جريدة القاسم المشترك عام 2005، وكان يكتب عمود صحافي في الصفحة الاخيرة، وكان عمودا مقروءا جداً بالنسبة للقراء، وكانت فترة جميلة، كان دائماً يتنقل فيها بدراجته الهوائية، تعرفنا فيها على هذه الشخصية الرمزية الكبيرة التي اغنت الثقافة العراقية والنضال العراقي، وتركت بصمة لا تمحى من هذا السفر النضالي والثقافي للأدب العراقي والمثقف العراقي
الاعسم عن شخصية الحريري
وبعد الناقد فاضل ثامر، قالت مديرة الندوة الكاتبة منى سعيد ان الاستاذ فاضل ثامر اضاء نقاطا مهمة جداً في المسيرة الادبية للراحل ابراهيم الحريري، و”اننا جميعاً مقصرين في متابعة كتابات وادب ابراهيم الحريري”. ثم طلبت من الكاتب عبد المنعم الاعسم تسليط مزيد من الضوء على شخصية الحريري.
قال الاعسم ان “كل هذا الذي تحدثنا عنه، وراءه كاتب لم يبلغ الصف السادس الابتدائي، وهذه معجزة تضاف الى معجزة هذا الاسم، ابراهيم الحريري الذي كتب وشغل كل هذا الفضاء الثقافي والصحافي، وقدم اشياء نادرة ينبغي ان نتعز بها جميعاً، وتعتز بها الصحافة العراقية والادب العراقي، وان جاءت الدعوة الى هذا الاعتزاز متأخرة.
يجمع تناقضات عجيبة
وتابع ان هذا الكاتب الذي يجمع تناقضات عجيبة، هو ارستقراطي من حيث الثقافة والخلفيات، وهو بسيط الى ابعد مستوى من البساطة والتواضع؛ التواضع الذي يصل الى حد ان الدراجة الهوائية ليست سوى مؤشر نأخذه نحن في المخيلة ونبني عليه، هذا الرجل الكبير الذي قدم كل هذه المسيرة اللامعة، ويستخدم الدراجة الهوائية في السبعينات فيما يركبها ابناءاعمار لا تتجاوز 10 او 15 سنة.
وتابع الكاتب الاعسم حديثه عن شخصية المهرجان بالقول: كتب الحريري، قصة حوارية صغيرة فيها تأملات وتحولت الى فيلم تلفزيوني وباسم كاتب آخر. وان اي مثقف تتم سرقة افكاره وتوظف في اعمال كبيرة، لا اعتقد انه سيسكت حيال هذا الاعتداء الفظ، لكن ابراهيم الحريري سكت.
وشدد الاعسم عن ان ابراهيم الحريري ينظر الى الانتماء والشيوعية بنظرة تختلف عنا جميعاً؛ فهو سعى الى اسقاط الجانب المقدس بعد الانتماء للحزب، كنصير للشيوعية اسقط “اللاهوت” وحوّل هذا الانتماء الى حياة ومرشد، فالحزب ليس لديه حد اخلاقي او ادبي.
واختتم الاعسم مداخلته بالقول: في الحريري الكثير من التهذيب الجم والاحترام والاعتراف بفضل المناضلين والشهداء، كنا في الحوارات الجانبية مع الحريري نفهم منه انه ينصحنا ان لا نقع في اللاهوت، وكان دائماً يقول ان اللاهوت خطر على الشيوعية وعلى الانتماء للحزب الشيوعي، افهموا الانتماء بطريقة انسانية وثقافية، بحيث تتحول كل هذه القيم الى مرشد يوصل الإنسان الى حل المشكلات التي يواجهها، ويساعده على الاجابة على الاسئلة.