اخر الاخبار

محمد عزيز حسن، اسم من بين ملايين الاسماء التي قدمت دماءها فداءً للوطن الغالي، هؤلاء الذين أفنوا أنفسهم على مدى 35 عاما كنا نعيشها تحت ظل حكم ظالم مجرم لم يسلم من بطشه شاب او طفل او امرأة او شيخ، قام هذا الحكم باغتيال العقول النيرة التي كان يحتويها وطننا الغالي.

ومن بين هؤلاء الشهداء، شهيدنا الغالي وشهيد العراق محمد عزيز حسن من مواليد عام 1947، انحدر من عائلة عمالية، كان أبوه عاملا في أحد معامل الصابون منذ عام 1934 والذي يمتلكه تاجر يهودي جشع يعمل لصالح الانكليز، وبدون تحديد لساعات العمل أو أي شكل من أشكال الضمان، عانت عائلته من شظف العيش بشكل قاس.

كان شهيدنا يتذكر بين الحين والآخر طفولته البائسة وخصوصا عند دخوله المدرسة الابتدائية، وقد تحدث في مذكراته (في أحد المرات سأل المعلم: أي الطلبة يرغب في ان يكون مهندسا؟، فرفع بطلنا يده، طلب المعلم منه أن يخرج أمام اللوحة وعندما نظر بعض الطلبة إلى ملابسه الرثة البالية ضج الصف بالضحك والاستهزاء فاطرق بطلنا قليلا بعد ان تصبب العرق من وجهة ثم رفع عينيه إلى المعلم فوجده يخفي ايضا ضحكة متجاوبا مع اولئك الطلبة، فعاد مسرعا إلى مكانه محاولا اخفاء ما بداخله من حزن وألم وظلم، وبقيت تلك الحادثة رمزا للاضطهاد النفسي الذي يتعرض له اطفال الكادحين وكانت هي النواة التي ابتدأ فيها بإنشاء شخصيته وتكوينها، ومن ثم حددت موقفه من الحياة، وكان عام 1958 عام انعطاف تاريخي في حياة العراق فقد سقط النظام الملكي الرجعي الذي استعبد شعبنا طوال عشرات السنين حيث كان يخيم الجوع والمرض)،.

في عام 1970\1971 التحق بجامعة بغداد قسم هندسة النفط والمعادن. وقد ذكر في مذكراته (إنه في أوائل عام 1976 أصبح رمزا للكثيرين من الطلبة ولم يكن ذلك الاحترام بسبب مآثره الشخصية بل لأنه كان واجهة لأسمى حركة اجتماعية طبقية يعيرها الناس الشرفاء اهتمامهم وتستقطب تعاطفهم وحبهم وقد كان هذا الاحترام يزيد من الرابطة العتيدة بينه وبين الحركة التي يمثلها)، حيث انه كان مسؤول الطلبة الشيوعيين في كلية الهندسة للأعوام (1974، 1975، 1976).

يقول أقرب الناس اليه من عائلته، إن محمد كان ثائرا، ذا اخلاق عالية، لا يكذب، شخص مبدئي، ناكر للذات، لم تغره المناصب او الأموال، مستعدا للتضحية يناقش الامور بهدوء وروية، وقد كان كتوما خصوصا فيما يخص حزبه، وكان يتحاشى كل ما بوسعه ان يضر بحزبه من قريب او بعيد.

تخرج عام 1976 من الجامعة وعين بعدها بمدة وجيزة في شركة نفط الجنوب/ مؤسسة بتروبرانس البرازيلية في البصرة.

في عام 1980 كانت تراوده شكوك حول بعض الاشخاص المحيطين به في الشركة وقد أخبر بعض اخوته بشكوكه بان هناك من يتتبع أخباره محاولا الايقاع به، نصحه البعض أن يغادر العراق لكنه أبى ذلك، وقال لهم (واصلوا حياتكم بدوني).

وفي نهاية عام 1980 والتحديد يوم 17/ 8 انقطعت اخباره، كان من المفروض انه مسافر إلى شركة نفط الجنوب في البصرة، ولكن لم يصل منه أي خبر، انتظرت عائلته أخباره لأيام عدة دون جدوى، حاولوا السؤال عنه دون جدوى وظل الأمل متواجدا طيلة سنوات غيابه إلى أن سقط صدام ونظامه الفاشي، فعاد الأمل من جديد عله يعود، وأمه التي ذبلت من طول الانتظار تقول(أمعقول أني سأراه من أخرى)، ولكن الأمل بدأ يتلاشى ونحن نرى كل يوم مئات المقابر الجماعية وآلاف القوائم بأسماء الشهداء الذين ذبحهم صدام وزمرته النتنة، وفي النهاية وجد اسمه من بين آلاف الشهداء .

لم يبق منه سوى دفتر مذكراته وبعض القصاصات من الورق حتى أننا لم نعرف لحد الآن اين تراه يكون قد دفن.

ثم وجدنا بين أغراضه قصيدة كان قد كتبها إلى حبيبته التي قد تكون هي الأخرى احدى شهداء العراق، يقول فيها:

إلى المرأة التي ضاعت في المنعطفات

سأبحث عنك في نهاية الشوارع وبداياتها

سأبحث عنك في عيون الاصدقاء

سأبحث عنك في عيون العشاق المحبين

وفي ابتسامات المتهامسين

سأبحث في كل الندوات ودور العرض

سأبحث في صفوف الجموع الغاضبة من أجل حريتها

وفي الظلال الوارفة تحت الاشجار

وبين شارات العمال في المصانع

سأبحث عنك في مداخل المدن الاشتراكية

وفي المرافئ يا زهرة كل المرافئ

سأرفعه عاليا الموت، أو حبيبتي

وسأجدك وسأكتب اسمك على باقات الورد الخضراء

ونعود للحزب كما كنا يا حلوة الكلمات

ولكن ما أفظع النهاية

 

هذا جزء من الدين الذي في أعناقنا لشهيد العراق الغالي محمد عزيز حسن برغم أن جميع الكلمات لن تفي بحقه وحق جميع شهداء العراق الذين عاشوا من أجل العراق واستشهدوا في سبيله وفي سبيل رفع شعار وطن حر وشعب سعيد.

عرض مقالات: