اخر الاخبار

إن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي أقرها المؤتمر الحادي عشر للحزب تضع معالجات واقعية لأزمة الاقتصاد العراقي. فالتنمية المنشودة تبقى في حالة شلل بدون عملية تدوير القطاعات الرئيسية في العملية الانتاجية. وبكون الاقتصاد العراقي اقتصاداَ ريعياَ وأحادي الجانب بسبب اعتماده شبه التام على استخراج النفط وتصديره، واعتماد الموازنة العراقية على الواردات النفطية بنسبة 95 بالمئة لذا فإن الحزب في برنامجه يدعو إلى التحول التدريجي من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الانتاجي.

بعد عام 2003 جرت عملية تغيير جذري في السياسة الاقتصادية للدولة العراقية تمثلت في الانتقال من رأسمالية الدولة الريعية المركزية إلى اقتصاد السوق الرأسمالية الحرة بالتوافق مع القوى الطائفية التي تولت إدارة الدولة.

وهي عملية أطلقتها سلطة الاحتلال تقوم على نهج الليبرالية المتطرفة التي يلخصها برنامج الحزب في تقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي وإزالة القيود والضوابط على التجارة الخارجية وعلى انتقال رؤوس الأموال والسلع وخصخصة الشركات المملوكة للدولة مما أدى إلى انهيار الإنتاج الوطني بشكل مروع وبشكل خاص في قطاعي الصناعة والزراعة وإلى تشديد الطابع الريعي والاستهلاكي للاقتصاد العراقي.

إن اقتصاد أي بلد من البلدان سوف يبقى اقتصاداَ مقعداَ ولا جدوى منه ويدور في حلقة مفرغة وتتعمق أزمته وتداعياتها المدمرة على الأسعار السلعية واستقرار الأسواق والحياة المعيشية إن لم تجر عملية إصلاح فعالة ومتناسقة للقطاعات الاقتصادية والنهوض بها لتحقيق التنمية المرجوة. ويؤكد برنامج الحزب أن هذه العملية تتطلب إعادة الفاعلية للاقتصاد من خلال خطط تنموية متوسطة وقصيرة الأجل، تهدف إلى تحديث قاعدة الاقتصاد الوطني وتغيير طابعه الريعي والأحادي الجانب ودمج القطاع النفطي بالاقتصاد الوطني وإخضاعه لمتطلبات التنمية وتحديد نسب معينة من الواردات النفطية لتطوير القطاعات الاخرى.

وفي هذه العملية يطالب الحزب في برنامجه بتفعيل قطاع الدولة وتحديثه وإصلاحه اقتصادياً وإدارياً وتشجيع القطاع الخاص المحلي ومبادراته. ويحث الدولة على تقديم الدعم الحكومي للقطاعات الاقتصادية وإعطائها الأولوية في العطاءات والعقود والاستثمار بما يستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني وتطوره المتوازن.  ويقف الحزب ضد بيع ممتلكات الدولة وضد خصخصة المؤسسات والشركات المملوكة للدولة ذات الجدوى الاقتصادية، ويطالب بإعادة تأهيلها بدلاً من خصخصتها، كما يرفض وصفة المؤسسات المالية الدولية المتمثلة بصندوق النقد الدولي وآلية السوق الرأسمالية لحل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها بلادنا. ويدعو إلى التدخل النشط للدولة واستعادة دورها التنموي وتنشيط دور القطاع الخاص كقطاع وطني يعمل في إطار خطة وطنية شاملة. ويشير البرنامج إلى أن هذا الإصلاح يتطلب عدداَ من الإجراءات الضرورية من بينها تحديث وتوسيع القطاع المصرفي بشقيه الحكومي والخاص والتنسيق بين السياستين المالية والنقدية وإلغاء نافذة بيع العملة في البنك المركزي والمحافظة على البطاقة التموينية ووضع حد أدنى للأجور والاهتمام بحقوق المتقاعدين ومعالجة أزمة السكن الخانقة.

إن فاعلية الاقتصاد وتطوره المستقبلي يرتبط بمدى النهوض بالقطاعات الاقتصادية وفاعليتها وقدرتها على تحقيق مستويات إنتاجية عالية.

وقد تناول برنامج الحزب بشكل مفصل قطاعات الاقتصاد العراقي المتمثلة في القطاع النفطي والاستخراجي وقطاع الطاقة والكهرباء وقطاعي الصناعة والزراعة وقطاع التجارة الداخلية والخارجية وقطاع السياحة وقطاع التشييد والإعمار.

ففيما يتعلق بالقطاع النفطي والاستخراجي يؤكد البرنامج على أن يبقى هذا القطاع ملكية عامه للدولة وتحويله من قطاع مهيمن ومصدر للعوائد المالية إلى قطاع منتج للثروات.

أي دمجه في الاقتصاد الوطني وتحديد نسبة معينة من عائداته المالية لتطوير القطاعات الأخرى. ويشير البرنامج أن تطوير هذا القطاع يتطلب بناء المصافي النفطية التكنولوجية وإعادة تأهيل المنشآت النفطية والتوسع بصناعة البتروكيماويات والاستغلال الأمثل للحقول النفطية والغازية.

وبالنسبة إلى قطاع الكهرباء الذي يشكل المعضلة الكبرى في الأزمة العراقية المزمنة التي يعيشها المجتمع العراقي، فإن البرنامج يدعو إلى تطوير حقول استخراج الغاز والاستفادة من الغاز المصاحب لإنتاج الطاقة الكهربائية وتجديد وتطوير المحطات الغازية المستخدمة من قبل وزارة الكهرباء، وتنويع مصادر الطاقة وتطوير عمليات إنتاجها بما فيها الطاقة الشمسية.

أما قطاع الصناعة وهو القطاع الذي يشكل العمود الفقري للصناعة الوطنية ويعكس مدى تطور الاقتصاد ونهضته الحضارية فيشير البرنامج إلى أن هذا القطاع يعيش حالة من التدهور والعجز الانتاجي لأسباب مختلفة ومنها عدم اهتمام الدولة بالصناعة الوطنية وتوجهها نحو الخصخصة والاعتماد على الاستيراد الخارجي. ولأجل تأهيل هذا القطاع باعتباره قطاعاَ رئيسياَ من القطاعات الانتاجية فان برنامج الحزب يطالب بإحداث نقله نوعية للنهوض بواقع الصناعة العراقية ويدعو الدولة لتقديم الدعم اللازم للمشاريع الصناعية ذات المكوِّن التكنولوجي وإعادة تأهيل المنشآت الصناعية والمعامل العائدة للدولة، وإصلاحها إدارياً واقتصادياً لكي تحقق مردوداَ اقتصادياَ يساهم بقدر أكبر في الناتج المحلي الإجمالي.

كما يدعو إلى الوقوف بوجه المساعي الرامية إلى بيعها أو خصخصتها، ويؤكد البرنامج على ضرورة تأمين تنمية متوازنة بين القطاعين الصناعي والزراعي ومختلف القطاعات الأخرى وإيلاء اهتمام خاص بصغار المنتجين من كسبة وحرفيين وأصحاب ورش صناعية صغيرة، ومساعدتهم على النهوض بمشروعاتهم الاقتصادية نظرا للدور الذي يمكن أن تنهض به هذه المشروعات في زيادة الإنتاج وتلبية جزء من حاجات الأسواق المحلية، ويدعو إلى دعم القطاع الخاص المحلي ومنحه التسهيلات التي تطمئنه وتشجعه على الاستثمار الصناعي.

وفيما يخص القطاع الزراعي فيشير البرنامج لكي يحقق القطاع الزراعي أهدافه فلا بد من تفعيل دوره في الاقتصاد الوطني لتحقيق الأمن الغذائي من خلال استصلاح الأراضي وإعادة النظر في قوانين الزراعة والإصلاح الزراعي، وتمليك الأراضي التي وزعت على الفلاحين وفق القانون رقم 30 لسنة 1958، والقانون رقم 117 لسنة 1970، وتمكين الفلاحين والمزارعين من زراعة أراضيهم والاهتمام بتطوير إنتاجيتها كماً ونوعاً، وذلك باستخدام المكننة المتطورة والأسمدة العضوية والكيماوية واعتماد الأساليب العلمية في الزراعة والري. ويؤكد البرنامج على حماية المنتج النباتي والحيواني المحلي، وترشيد عمليات الاستيراد والعناية ببساتين النخيل وأشجار الفواكه.

والاهتمام بقطاع الثروة الحيوانية والسمكية ومكافحة التصحر وتطوير مناطق الغابات الطبيعية والاصطناعية.

أما قطاع التجارة فان برنامج الحزب قبل أن يضع المعالجات لهذا القطاع الآخذ في التدهور فإنه يطالب بإيلاء اهتمام خاص لمراقبة المستوردات من مواد البطاقة التموينية لما تعانيه من فساد كبير ويطالب بتنويع وتحسين مفرداتها. ولأجل ضمان توفر السلع والمواد الضرورية ووصولها إلى المواطنين وإلى الفئات الفقيرة بأسعار مناسبة يدعو البرنامج إلى تنظيم الأسواق التجارية وتأهيل الأسواق المركزية كما يدعو إلى تقديم الدعم للنشاطات الإنتاجية القادرة على التصدير وتفعيل قانون حماية المنتج الوطني.

وفيما يخص قطاع السياحة فإن برنامج الحزب يعتبر هذا القطاع من القطاعات المولدة للدخل ولهذا يدعو إلى وضع استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع الهام وتطوير السياحة الدينية نظراً لما توفره من فرص عمل تساعد في الحد من البطالة وتوفير مصادر مالية للدولة.

كما يدعو للاهتمام بالسياحة الطبيعية وبضمنها الأهوار والبحيرات والمصايف والمحميات، وإدارة مرافقها من قبل الدولة بالاستفادة من خبرات القطاع الخاص. 

وبالنسبة إلى قطاع التشييد والإعمار فيطالب برنامج الحزب الدولة ببذل المزيد من الاهتمام بهذا القطاع باعتباره قطاعاَ للمواد الإنشائية وشركات مقاولات الدولة ليساهم بفعالية في تنفيذ مشاريع التشييد والإعمار وإنشاء السدود واستصلاح الأراضي والمجاري ومشاريع إسالة المياه. وهذا يتطلب إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي لتنفيذ اعماله بالمواصفات العالمية.

ويدعو البرنامج إلى تشجيع الاستثمار الحكومي والخاص في مشاريع إنتاج وتطوير المواد الإنشائية وحماية الشركات والمؤسسات الحكومية من مشاريع الخصخصة، والعمل على تطويرها وتشجيع البنوك الحكومية والأهلية للاستثمار بهذا القطاع الهام.

إن سياسة الحزب الشيوعي تؤكد على ضرورة أن توجه الدولة اهتمامها نحو تنويع مصادر الدخل من خلال إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية والنهوض بها وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من أجل تقليص الاعتماد شبه التام على القطاع النفطي والتخلص من المخاطر التي يفرضها الاعتماد على النفط. ويشير برنامج الحزب إلى أن تفكيك الأزمة الهيكلية للاقتصاد العراقي يتطلب إعادة هيكلته على أسس جديدة تخرجه من طابعه الريعي وتطوير قطاعاته الانتاجية واصلاح النظام الضريبي والمالي وتحويل المؤسسات الحكومية المتلكئة والخاسرة إلى القطاع المختلط بدلاً من خصخصتها. ولا بد من تهيئة مناخ الاستثمار الخصب القادر على جذب الاستثمار الاجنبي والوطني لدعم العملية التنموية والاستفادة من الثورة العلمية والتقنية. وفي هذه العملية تظهر أهمية تفعيل دور القطاع الخاص والاستفادة من قدراته المالية والإدارية والتكنولوجية في تعزيز الانتاج الوطني مما يوفر فرص عمل كثيرة ومتنوعة لتشغيل أعداد كبيرة من الطاقات والكفاءات العاطلة ومعالجة مشكلة غسيل الأموال معالجة جذرية لكونها تشكل تحدياَ خطراَ يواجه التطور الاقتصادي.

وأن هذه الخطوات المهمة ستؤول إلى الفشل إن لم تدعمها خطوات إصلاح جذرية لأجهزة الدولة الإدارية والرقابية وإزاحة مافيات الفساد وتطهير الإدارة من المحسوبية الطائفية والحزبية.

وفي ضوء ما تقدم فان عملية الاصلاح يجب أن تحقق التوازن في عملية التنافس بين القطاعين العام والخاص، وفسح المجال امام مبادرات القطاع الخاص من أجل مشاركته في تعبئة الموارد المحلية اللازمة للتنمية المنشودة. وتوجيه الإنفاق العام نحو دعم البنى الأساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية وتطوير السوق المالية المحلية وتشجيع حركتها بما يدعم تنمية القدرات الإنتاجية.

إن الإصلاح المنشود ينبغي أن يكون خياراَ وطنياَ وبالمقاسات الوطنية وألا يفرض من الخارج وألا يكون من رؤية صندوق النقد والبنك الدوليين، ولا من منطلق التكيف مع المصالح الإقليمية التي تسعى إلى تخريب الصناعة الوطنية والزراعة العراقية والثروة السمكية وإعاقة الجهود الوطنية للنهوض بهذه القطاعات الحيوية من أجل أن يبقى العراق سوقاَ لتصريف المنتجات الاجنبية.

إن خروج البلد من نفق الأزمة يتطلب برامج استراتيجية واضحة المعالم  وفق سقوف زمنية تتبنى سياسة تنويع مصادر الدخل الوطني وتنمية القطاعات الأساسية وضبط موارد المنافذ الحدودية والكمارك واعتماد الضريبة التصاعدية وإنشاء الصناديق السيادية ومراجعة مسألة الرواتب العالية والمخصصات والامتيازات وتخفيضها خصوصاَ مخصصات وامتيازات الرئاسات الثلاث والدرجات العليا وتشريع قانون عادل ومنصف و موحد للرواتب والتصدي الناجع للفساد، واسترداد الأموال المنهوبة ومراجعة عقود التراخيص بما يضمن مصالح العراق ويؤمن تجنيبه تبعات التذبذب في أسعار النفط  والتدقيق في عمل نافذة بيع العملة في البنك المركزي، ووضع حد لحالات الفساد وتسرب الأموال إلى الخارج، ومعالجة قضية استيراد المشتقات النفطية حيث تتوفر في العراق كافة مستلزمات الصناعات البتروكيماوية التي توفر إمكانية كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاجها  وتركيز الاعتماد على القوى الذاتية.

ولا بد من توفير شروط أفضل لزيادة انتاج المنتجات ذات الاستهلاك الشعبي لتغطية الاحتياجات المتنامية والاهتمام بزيادة إنتاج السلع التصديرية التي يمتلك العراق ميزة نسبية في إنتاجها خاصة في الصناعات البتروكيمياوية وصناعة تصفية النفط وتطوير باقي الانشطة الصناعية والزراعية، واتباع سياسة نقدية ومالية مناسبة لمكافحة التضخم وتخفيض معدلات البطالة وإعادة توزيع الثروة بطريقة تقود إلى تقليص الفجوة الاجتماعية العميقة.

ونستنتج من ذلك أن معالجة الأزمة في هيكلية الاقتصاد العراقي تتطلب عملية اصلاح جذري لإنقاذ الاقتصاد من الاختلالات العميقة وفق رؤية وطنية وواقعية بعيدة عن النظريات الغربية التي أثبتت الحياة عدم جدواها والتي لا تؤدي الا إلى تخريب الاقتصاد وإدخاله في حلقة مفرغه لاستدراج البلد إلى مستنقع الديون الخارجية.