أظهرت الاضرابات البطولية لعمال بلادنا قبيل ثورة 14 تموز عام 1958 المجيدة، المزايا النضالية العالية التي تتمتع بها الطبقة العاملة العراقية، والتقدم الملموس في وعيها الطبقي والوطني.
وكان من أهم هذه الإضرابات وأبعدها تأثيراً في الحياة السياسية لبلدنا، إضراب عمال النفط في كركوك المعروف باسم « إضراب كاورباغي «. ففي 3 تموز 1946 أضرب خمسة آلاف من عمال النفط مطالبين بالاعتراف بحقهم في التنظيم النقابي وزيادة الحد الأدنى للأجور من 80 فلساً إلى 250 فلساً واستحداث نظام للضمان ضد المرض والعجز والشيخوخة ووقف الطرد الكيفي للعمال.
وقادت الإضراب لجنة من العمال الشيوعيين وأصدقائهم ضمت دنخا يلده وجون صاكيان وحنا الياس، إضافة إلى حكمان فارس الربيعي وفاضل جواد ورسول عبد الكريم. ولعب الشيوعيون دوراً كبيراً في تعبئة سكان مدينة كركوك لإسناد المضربين.
وطوال أيام الإضراب الاثني عشر، كان العمال يقيمون الاجتماعات والمسيرات، التي يتولى فيها الخطباء فضح السياسة الاستعمارية في نهب النفط العراقي واضطهاد الشعب، الأمر الذي جنّ بسببه جنون السلطة وشركات النفط، فدّبرت مجزرة للعمال المضربين الذين كانوا يجتمعون في بستان (كاورباغي) في 12 تموز راح ضحيتها (16) شهيداً و (27) جريحاً. وقد حاولت الحكومة ان تحمّل العمال مسؤولية هذه المجزرة، إلا ان لجنة التحقيق الرسمية التي ألفتها الحكومة ذاتها للتحقيق في الجريمة أثبتت ان « العمال لم يقوموا بأية حركة تستدعي إصدار الأوامر لتفريقهم وإطلاق النار عليهم». وفي اليوم التالي اندفعت جماهير كركوك للتظاهر احتجاجاً على المجزرة المروعة، التي أثارت مشاعر السخط لدى جماهير الشعب في البلاد كلها، ودفعت مختلف الأحزاب السياسية إلى الاحتجاج، مما عجّل بانهيار حكومة أرشد العمري التي عرفت باضطهادها الشديد للحريات. كما اضطرت شركة النفط إلى الرضوخ لمطالبة العمال بزيادة الأجور، فزادت الحد الأدنى إلى 140 فلساً، وادخلت زيادات أخرى في الأجور، إلا أن الحكومة لم تستجب إلى مطلب المضربين بالتنظيم النقابي.
لقد أجج هذا الاضراب المشاعر الوطنية والطبقية لدى عمال البلاد، وحفّزهم على العمل لتوحيد صفوفهم، فاحتجاجاً على تقديم 22 عاملاً من عمال النفط إلى المحاكم في كركوك قدم ممثلو 14 نقابة عمالية مذكرة مشتركة إلى رئيس الوزراء طالبوا فيها بمحاكمة شركة النفط المسؤولة عن تهربها من تطبيق القوانين المرعية وعن معاداتها للعمال ومسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة عن المجزرة، ومحاكمة رجال الإدارة المسؤولين عن الأمر بإطلاق النار على العمال المضربين، والكف عن مطاردة عمال النفط واسقاط الدعوى المقامة ضدهم وإرجاع العمال المفصولين وتعويض عوائل شهداء وجرحى العمال، والاعتراف بنقابة عمال النفط.
وهكذا شكّل الإضراب صفحة مجيدة من صفحات نضال وكفاح الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية المناضلة.