في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة العراقية بروز العديد من المستشارين العقاريين الذين أصبحوا نجوما في وسائل الإعلام، يروجون لأنفسهم كخبراء في مجال العقارات والسكن. ولكن هذا الظهور الإعلامي اللافت ألقى بظلاله على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها قطاع العقارات في العراق.
المشكلة الكبرى التي تواجه العراق ليست في نقص الخبرة أو الاستشارة، بل في الأساسيات الهيكلية لهذا القطاع الحيوي. تضخم أسعار العقارات وتفاقم أزمة السكن تتطلب قرارات حكومية جذرية وشاملة، تتضمن سياسات إسكانية متكاملة ودعم حكومي موجه للفئات الأكثر احتياجاً. بدلاً من ذلك، نجد أن المستشارين العقاريين، غالباً بدون خبرة عملية حقيقية، يساهمون في زيادة تعقيد المشهد عبر نصائحهم السطحية والمضللة التي تثير الهلع والتخبط بين المواطنين.
الظهور الإعلامي الكثيف لهؤلاء المستشارين العاطلين عن العمل يزيد الطين بلة، حيث يبتعد بالنقاش العام عن الحلول الحقيقية ويغذي تضخم الأسعار عبر خلق توقعات غير واقعية. إنهم يروجون لفكرة أن استثمار العقار هو الحل السحري لجميع المشاكل الاقتصادية، متجاهلين تأثير ذلك على الفئات المتوسطة والفقيرة التي تعاني بالفعل من صعوبة تأمين مسكن ملائم.
يجب أن يتم إعادة توجيه النقاش نحو الحلول الجذرية التي تحتاج إلى تدخل الدولة بشكل فعّال. تحسين البنية التحتية، تقديم تسهيلات للقروض السكنية، وضبط الأسواق العقارية هي بعض الإجراءات التي يجب اتخاذها. الإعلام يجب أن يلعب دورًا في تسليط الضوء على هذه الحلول بدلاً من الترويج لنصائح المستشارين العقاريين التي تزيد من تفاقم المشكلة.
علاوة على ذلك، تبرز ضرورة تعزيز الرقابة والتنظيم الحكومي لسوق العقارات بشكل يحد من المضاربات والفساد الذي يسهم في تضخيم الأسعار دون مبرر. ومن المهم أيضاً تعزيز الشفافية في عمليات البيع والشراء وتسجيل الملكيات لضمان حقوق المواطنين والحد من التلاعبات التي قد تحدث.
يتعين على الحكومة أيضًا الاستثمار في مشاريع الإسكان الاجتماعي وتطوير المناطق العشوائية لضمان توفير مساكن ملائمة لشريحة أكبر من السكان. هذه الخطوات يمكن أن تساعد في تخفيف الضغط على سوق العقارات وتوفير حلول سكنية بأسعار معقولة.
إن التعليم والتوعية العامة يلعبان دورًا حيويًا في حل هذه الأزمة. ينبغي أن تساهم وسائل الإعلام في نشر الوعي حول حقوق المواطنين في الحصول على سكن مناسب، وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول السوق العقارية. كما يجب دعم المواطنين ببرامج تدريبية وتعليمية تساعدهم على فهم السوق واتخاذ قرارات مستنيرة عند شراء أو استئجار العقارات.
في الختام، إن التصدي لأزمة السكن في العراق يتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام. لا يمكن الاعتماد على المستشارين العقاريين وحدهم لحل هذه المشكلة، بل يجب التركيز على الحلول الشاملة التي تعالج الأسباب الجذرية وتوفر استقراراً حقيقياً في السوق العقارية. يجب أن يتم تحويل النقاش من النصائح السطحية إلى استراتيجيات مستدامة تضمن حق السكن الكريم لجميع المواطنين العراقيين.