اخر الاخبار

تعد الصحافة الشيوعية جزءاً أساسياً من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الذي يحتفل هذا العام بالذكرى التسعين لتأسيسه. يحيي هذا الاحتفال أيضاً الذكرى التاسعة والثمانين لصدور أول صحيفة شيوعية سرية في العراق، «كفاح الشعب»، التي صدرت في 31 تموز عام 1935. لعبت هذه الصحافة دوراً حيوياً في نشر التنوير وتعزيز حرية التعبير والرأي والرأي الآخر، وذلك في سياق تاريخي وسياسي مضطرب.

منذ بداياتها، كانت الصحافة الشيوعية تسعى إلى تنوير الجماهير من خلال تقديم تحليلات سياسية واجتماعية تعكس الأوضاع الحقيقية التي يعيشها الناس. كانت «كفاح الشعب» بمثابة صوت للعمال والفلاحين والفئات المهمشة، حيث كانت تعبر عن آمالهم وتطلعاتهم وتفضح الظلم والفساد. من خلال هذه الجريدة، تمكن الحزب الشيوعي من بناء قاعدة جماهيرية واسعة وناشطة، مما ساهم في نشر الوعي السياسي والاجتماعي بين طبقات الشعب المختلفة. كانت الصحافة الشيوعية دائماً مدافعة قوية عن حرية التعبير والرأي الآخر، رغم التحديات والقمع الذي كانت تواجهه. في وقت كانت فيه الرقابة الحكومية صارمة، كانت الصحافة الشيوعية تصر على نقل الحقيقة وكشف الفساد والتجاوزات. لعبت دوراً رقابياً هاماً، حيث كانت تراقب السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ما جعل الإعلام يستحق لقب «السلطة الرابعة».

يعتبر الإعلام، وخاصة الصحافة الحرة، الأداة الأساسية لنشر الديمقراطية والسوق الحرة للأفكار. فالصحافة الشيوعية لم تكن تكتفي بنقل الأخبار والأحداث فحسب، بل كانت تسعى لبناء مجتمع مدني نشط يساهم في ترسيخ القيم الديمقراطية. كانت تعبر عن الحاجة إلى نظام سياسي قائم على الشفافية والمساءلة، وتطالب بالإصلاحات اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد.

 رغم الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها الصحافة الشيوعية، بما في ذلك القمع والملاحقات الأمنية، إلا أنها استطاعت أن تظل صوتاً قوياً للمعارضة والنقد البناء. ساهمت بشكل كبير في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي لدى العراقيين، وفي نشر الأفكار الاشتراكية والمبادئ الشيوعية التي كانت تعتبر في ذلك الوقت حلولًا لكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. مع مرور الزمن، تطورت الصحافة الشيوعية وتكيفت مع التغيرات التكنولوجية والاجتماعية.

 اليوم، تعد «طريق الشعب» و»الثقافة الجديدة» منبرين هامين يواصلان نشر الوعي والتنوير، مستفيدان من وسائل الإعلام الحديثة للوصول إلى جمهور أوسع. كما مهد الحزب طريق الصحافة الكردية مثل «ريكاي كوردستان»، «آزادي»، و»شورش»، وأيضاً صحيفة «همك» الناطقة باللغة الأرمنية. ثم تلتها صحافة الخاصة بالأنصار (نهج الأنصار) (النصير) مع البث الاذاعي (اذاعة صوت الشعب العراقي)، ومجلة (رسالة العراق) ومجلات للأطفال (طلائع تموز)، كذلك تم إصدار مجلات إلكترونية تصدر من قبل محليات الحزب في المحافظات، وهذه الأدبيات الحزبية تعتبر امتداداً للصحف السرية مثل «الشرارة»، «اتحاد الشعب»، «العمل»، «النجمة»، «شورش»، و»كفاح السجين».

 مع الاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، يستمر هذا الإرث الصحافي في التأكيد على أهمية حرية التعبير والرأي الآخر في بناء مجتمع ديمقراطي وعادل. تظل الصحافة الشيوعية في العراق نموذجاً رائعاً للدور الذي يمكن أن تلعبه الصحافة في التنوير وتعزيز الديمقراطية وحرية التعبير.

من خلال تاريخ طويل من النضال والمثابرة، استطاعت هذه الصحافة أن تثبت مكانتها كصوت للحق والعدالة، ومصدر إلهام للأجيال القادمة من الصحفيين والناشطين. باستمرار تطورها وتكيفها مع الظروف المتغيرة، تظل الصحافة الشيوعية في العراق رمزا للمثابرة والإصرار على نقل الحقيقة وتعزيز القيم الديمقراطية، مشددة على ضرورة الشفافية والمساءلة في جميع مستويات الحكم. إنها تظل شاهداً حياً على قوة الكلمة ودورها المحوري في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، مما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العراق الحديث ومسيرته نحو الديمقراطية.

عرض مقالات: