اخر الاخبار

شكلت ثورة 14 تموز الوطنية مثل غيرها من الثورات العظيمة التي أنجزتها الشعوب بخضم تاريخها النضالي العنيد للخلاص من الإستبداد، إنعطافة كبيرة في حياة شعبنا، وموضوعآ لجدل وصراع سياسي حاد في ذات الوقت، لاسيما بعد أن تبين إنحيازها التام لقضايا الفقراء والكادحين في بلادنا، وشكلت لهم حلماً جميلاً للخلاص من الجهل والفقر والأمية، وبعد أن ضربت مصالح الرجعية المحلية والإقليمية وألحقت بالمصالح الحيوية للرأسمالية العالمية في الشرق الأوسط وأحلافها الاستعمارية المشبوهة ومخططاتها الإستراتيجية، خسائر فادحة، منعشة الآمال في قوى حركة التحرر الوطني العربية.

ولا أعتقد أن شخصآ عاصر تلك الأيام المشحونة بالعاطفة الثورية، لا يتذكر المبادرات الشعبية العفوية لدعم الثورة وتوجهات قيادتها، حتى صدق الفقراء خيالهم بأن الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم  يطل على أكواخهم الرثة بأبتسامته العذبة من سطح القمر. كما سرت بينهم شائعة بعد أكثر من عقد على استشهاده، بأن الزعيم قد شوهد متنكرآ يؤدي مراسيم زيارة ضريح الإمام موسى الكاظم (ع).

لم يأت ذلك التأييد والإعجاب، وذلك الوفاء الخالص لهذه الثورة الفتية، من فراغ، بل جاء كردة فعل لما قامت به الثورة على صعيد انجاز الاستقلال الوطني وتوطيد الوحدة الشعبية والأخاء القومي وأنصاف الفقراء، والسعي لحل مشاكلهم المزمنة وأرساء مقدمات بناء حياة حرة وكريمة للمواطنين، وأصدار قوانين الإصلاح الزراعي وقانون النفط رقم 80، وهي انجازات دعت كل القوى المتضرره من نهجها التقدمي أن تصطف معاً في حلف غير مقدس للتشويش على الثورة ومناصريها ومن ثم إجهاضها.

وبسبب من غياب رؤية واضحة، اتسقت بعض القوى السياسية ومنها أحزاب الإسلام السياسي، من كلا الضفتين، مع الدعوات المناهضة للثورة وجماهيرها وشجعت أتباعها في مناطق نفوذها وبعض تجار سوق الشورجة بجمع التبرعات سراً لصالح العمل على إسقاط الثورة. كما أستدرجت وللأسف قيادات دينية كبيرة لتضع ثقلها الروحي ضد الثورة، مصدقة الإدعاءات الباطلة والمفبركة ضدها، كفرية تمزيق القرآن الكريم والغاء المهور وغيرها، مما أدى إلى إصدار فتوى، استغلها الإنقلاب البعثي الدموي في شباط عام 1963، فالحق بالشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين أذى كبيراً، وشكل غطاءً شرعياً للحاكم العسكري حينذاك رشيد مصلح، الذي أعدمه رفاقه البعثيون بتهمة التجسس لبريطانيا أوائل السبعينيات، لإصدار قرار رقم 13 سيئ الصيت، الذي أجاز للحرس القومي إبادة الشيوعيين في الشوارع، محدثاً ردود فعل دولية غاضبة وإضطراباً واسعاً بين المواطنيين العراقيين، ومنهم بعض علماء الدين المتنورين، كالشيخ عبد الحسن الساعدي.

ففي أحد الأيام، صادف وجود الشيخ عبد الحسن في مسجد في الرحمانية، كان الإمام فيه أخوه الشيخ صالح الساعدي ذو الميول القومية، الذي قام بإبلاغ الناس بعد الصلاة بمضمون الفتوى. فما كان من العالم الجليل الشيخ عبد الحسن إلاّ أن ينهض معترضاً على ذلك ومحذراً من مخاطر الفتنة، إذ لم تعد هناك عائلة عراقية خالية من تنوع السياسيين في صفوفها. كما أصدر الشيخ عبد الحسن وآخرون غيره من علماء الدين الذين اجتهدوا فأصابوا، بياناً في الصحافة المحلية فضحوا فيه اكاذيب البعثيين والقوميين من أن هناك من قام بتمزيق المصحف بعد أن تحرّوا بدقة عن الأمر واكتشفوا بطلانه.

ولم يمر سوى أسبوع، حتى حُرم الشيخ عبد الحسن من إمامة جامع حسين أبو الروح الكائن في منطقة الشورجة ببغداد، ومنع من استحصال مستحقات الزكاة والخمس والتبرعات الأخرى من تجارها. وقد أدى ذلك إلى أن يعيش شظف العيش، وأن يهاجر إلى قم ويموت فيها وحيداً غريبا، فقط لأنه أراد حقن دماء العراقيين وقال كلمة حق استرشاداً بوصية إمام الفقراء علي ابن أبي طالب (ع).

عرض مقالات: