اخر الاخبار

 14 تموز، هو اليوم الوطني للجمهورية الفرنسية، إنه يوم مميز لشعب حمل الهراوة ليدحر بها حراس سجن الباستيل صبيحة يوم تموزي رائع في أجواء باريس أو قصر فرساي، حيث كان الملك لويس السادس عشر وزوجته يقيمان، وحيث حاول الملك الهروب بعد الثورة التي أجج أوارها الخطيب روبسبير. وفي العام ١٧٨٩ حيث وضع الشعب الفرنسي حدا للظلم، وضع العراقيون في ذات اليوم الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ حدا لسجن نقرة السلمان الذي اختاره المحتل البريطاني لثوار شعب رفض الاحتلال، فإذا كان سجن الباستيل في باريس بين المروج والأشجار، فإن نقرة السلمان في صحراء يجف عندها دم الإنسان وتكثر فيه الأفاعي وانواع الزواحف، والسجين الهارب منه هالك لامحالة، فهل استكثر المحتل الجديد على شعبنا ثورته الوطنية.

إن محاولة استئصال هذا الجزء من التاريخ، وإبعاد الأجيال اللاحقة عن تسلسله إنما يراد منه ايضا وبعد أيام إلغاء ثورة العشرين لأنها ايضا كانت ضد الإنكليز، والحق أن ابو ناجي كما قالها أجدادنا، ما ايعوف العراق.

إن تمسك العراقيين بثورة ١٤ تموز لا يختلف أبدا عن تمسك الفرنسيين بثورة ١٤ تموز، لأن المبررات واحدة والظلم كان واحدا والاختلاف في التاريخ، والغريب أن يوم توقيع معاهدة ١٩٣٠ مع بريطانيا يراد من ورائه شرعنة الاحتلال البريطاني آنذاك، وأن تلك المعاهدة كانت سلسلة قيدت العراق بشكل جديد للانتداب، ومهدت الطريق للاستقلال الكاذب، والعضوية الشكلية في عصبة الأمم.

إن اعتبار الثالث من تشرين الأول يوما وطنيا للعراق إنما هو افتراء على الحقيقة، فقد كان يوما خادعا للحكام ولم يكن خادعا للشعب، والدليل عندما أراد صالح جبر تجديد معاهدة١٩٣٠، خرج العراقيون عن بكرة أبيهم عام ١٩٤٨ ضد تلك المعاهدة التي أبقت الجيوش البريطانية في الموصل والشعبية وسن الذبان، فأي تزوير للتاريخ تريدون، وعن أي استقلال تتحدثون، وعن أي أهداف ترمون.

إن ثورة تموز فجرها الجيش، ولكن نفذ تفاصيلها الشعب، لم يسقط الجيش النظام، بل الشعب، وبسبب التمرد العارم على النظام تلك الصبيحة، منع الجيش التجول ، نعم الشعب ( وأنا شاهد) كان وراء قانون الإصلاح الزراعي بعد أن كانت كل الارض بيد الإقطاع المتحالف مع الملكية والضباط الذين جاءوا على ظهر الدبابة البريطانية عام ، ١٩١٧ ، وتملكوا السلطة والأرض والمال ، والشعب كان وراء خروج العراق من منطقة الإسترليني، أتدرون لماذا ، لأنه لم يك الا مالك للوعي الكامل لمصالح بلاده، وكان الشعب وراء إلغاء حلف بغداد الذي أراد أن يبتلع سوريا ويضمها إلى الاحلاف البريطانية، وكان الشعب وراء قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لعام ١٩٥٩، وكان الشعب وراء وضع يد الدولة على آباره النفطية التي كانت تعبث بها الشركات البريطانية في قانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٦١ ٠ وكان الشعب وراء إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك ) عام ١٩٦١ ، وكانت الثورة وراء انتصار الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي ، وكانت الثورة وراء إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ،  وكان الشعب وراء نهضة صناعية كبرى أجهضها انقلاب  البعث الاسود في شباط عام ١٩٦٣ .

إن من يريد مسح تلك الحقبة من تاريخ العراق إنما يريد أن يلجم التاريخ ويسود صفحة جيل كان من أكثر الأجيال وعيا بتحركات بريطانيا آنذاك، وان بقاياه اليوم هم من يتصدون للاحتلال الأمريكي الذي أمرنا بتعويض الكويت عن خسائر الحرب لأنها حرب عدوانية، وينكر علينا مطالباتنا بتعويضنا عن احتلاله للعراق وتدمير مرتكزاته وقتل أبنائه، وهي حرب هي الأخرى عدوانية لم تكن بموافقة مجلس الأمن ولم تكن وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة. ولكم اليوم في المطالبة بخروج القوات الأمريكية مثالا على خبث المحتلين، كيف كانت ردود أفعالهم وذلك بتسهيل إعادة داعش إلى نشاطها المخرب، والله يستر من قادم الأيام، كفوا عن الوهم والايهام، والحليم تكفيه إشارة الإبهام.