اخر الاخبار

تناقلت وكالات الأنباء مؤخرا عن قيام الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بنسبة مئة بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية لرخص أثمانها، وهذا الإجراء يعد خروجا صارخا على قاعدة طالما تمشدق بها الغرب في حربه الباردة سابقا مع الاتحاد السوفيتي، والحرب التجارية الساخنة اليوم مع الصين. يقول ماركس في كتابه بؤس الفلسفة، دار اليقظة بيروت. (ص 210 _211) إن من القوانين التي صاغها الاقتصاديون السياسيون من كويزني لريكاردو كانت تقوم على القضاء على كل عقبة تقف أمام حرية التجارة، وتثبيت هذه القوانين نسبيا لدى اعتناق التجارة الحرة، وأول هذه القوانين هي المنافسة التي تخفض السلعة إلى أقل درجة من تكاليف الإنتاج، وتماشيا مع هذه القاعدة تعمل الصين الشعبية اليوم وهي تسير دوما في قاعدة الضغط على تكاليف الإنتاج، لفائدة المواطن المستهلك الصيني، والعرض المخفض من سلعها في السوق العالمية، وبسبب نهم الرأسمالية في تحقيق أعلى الأرباح وفقا للاقتصادية الكنزية، فإن الولايات المتحدة تخرج ومنذ سنوات عن ثوابت أفكارها الاقتصادية، وذلك باللجوء إلى الحماية التجارية. وقد تنبأ الاقتصادي المعتدل لمثل هذه المواقف أمام تغول الرأسمال حتى ولو تمرد على قوانين العرض والطلب.

لقد بدأ الرئيس ترامب ومنذ العام 2018 بالأخذ بمبدأ الحماية المتشددة على عكس العولمة الجديدة التي نادى بها الفكر الغربي بعد أفول الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية ، سيما بعد أن غادرت بواخر الصين انطلاقا من نهر اللؤلؤ عام 1984، قاطعة ثمانية عشر ألف كيلومترا وهي محملة بالبضائع الرخيصة ، أما اليوم فهي محملة بآخر مبتكرات التكنولوجيا الرقمية الصينية ذات الجودة المناسبة والثمن الرخيص، مما شجع المستهلك الأمريكي وأثقل الميزان التجاري وجعل الأمر في النهاية لصالح الصين وفقا لمبدأ الرأسمالية ( دعه يعمل دعه يمر )، وفي ظل هذا المبدأ بلغت التجارة البينية الصينية الأمريكية لعام 2022، ما قيمته 758،2 مليار دولار، منها 195،3 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة، و 562،9  لصالح الصين .

أن محاولات الولايات المتحدة منذ أن قطع ترامب فول الصويا عن الصين ومنع تصدير الخنازير الحية إليها ( وبعد تظاهر الفلاحين الأمريكيين ) ظلت السياسة الأمريكية تتخبط في علاقتها مع الصين السياسية في تايوان والاقتصادية في مسألة الفائض التجاري، أو في مسألة التكنولوجيا وحجة استخدامها في الشأن الأمني، وخاصة ما واجهته شركة تك توك الصينية العملاقة من قانون يمنع بثها في الأوساط الأمريكية ومحاولة الضغط باتجاه شرائها من قبل أصحاب الرأسمال الأمريكي، أو ما تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون من محاولة الضغط على الأسواق الداخلية وذلك بتحجيم الاتجار مع المصدر الصيني إنما يؤشر إلى نوايا سياسية بوجوه اقتصادية والنوايا باتت معروفة، أولها الأخذ بسياسة مناوأة الصين في كل مجال في تايوان، بحر الصين الجنوبي، العلاقة الروسية الصينية.

إن الويلات المتحدة لم تكن لتفاجئ الصين بما اتخذته من قرار بشأن تطبيق التك توك، أو أنها لم تكن بقادرة على حجب الخطوات الأخرى الاقتصادية غير المعلنة، إلا أن نسبة الرسوم الأخيرة على السيارات الكهربائية الصينية كانت مفاجئة للمراقبين الاقتصاديين، لأنها ستشكل ضربة لحرية التجارة أو مبادئ العولمة، أو أنها ستكون عاملا يخرج عن المألوف لدى أنصار التغيير المناخي، وخاصة مؤتمر باريس الذي أقر بضرورة تقليل مخرجات الوقود الأحفوري والتشجيع على إنتاج السيارات البديل التي لا تستهلك البنزين والديزل.

هكذا تتنكر الولايات المتحدة على مر تاريخها الحديث حتى لثوابتها السياسية والاقتصادية وبالخصوص عدم التزامها بما يطالب به العالم إزاء الاحتباس الحراري، أو بما يراه مناسبا من منتجات الصين للبيئة وما له علاقة بأصحاب الدخل البسيط.