اخر الاخبار

 بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لرحيل المناضل محامي الفقراء والكادحين طالب بدر جابر (أبو سلام) ناشط الجالية في كندا، وأحد وجوهها الاجتماعية المحبوبة، وشخصياتها الفعّالة والوطنية المثقفة، ذات التاريخ المُشرِف، لما قدمه لها من نشاطات، وخدمات ونصائح قانونية، وأفكار متنورة.

كان الأستاذ أبو سلام شجاعا لنصرة المظلومين وقضايا الشعب والوطن منذ نعومة أظافره، ولهذا كان بعد ذلك نزيلاً للسجون والمعتقلات، والإبعاد ثم الغربة القاسية.

ولد عام 1925 في سوق الشيوخ التي أحبها ودرس الابتدائية فيها، وأكمل دراسته الثانوية في الناصرية حيث أصبح أكثر وعياً وناضجاً فكرياً ليصطف وهو شاباً يافعاً مع الشرفاء ضد الظلم والطغيان ويحرض عليه، وبسبب شخصيته المحبوبة والكاريزما الشعبية وهيبته وثقافته وأحاديثه الجهورية الشيقة وسعة علاقاته الاجتماعية الوجيهة التي يتحلى بها، صار صوته مسموعا لدى عامة الناس وجماهير المنطقة بكل فئاتهم. لاحقته السلطات الأمنية لهذا السبب ولنشاطه السياسي اليساري.

 التحق بكلية الحقوق وأنهاها بتفوق عام 1950 مع كسب مزيد من الصلابة والوعي من تجارب نشاطاته المتميزة السياسية، والطلابية والاجتماعية، ولا تخلو تلك الفترة من تكرار اعتقاله، حيث ازداد إصراراً على مواصلة نضاله السياسي والجماهيري بالأخص بعد تخرجه وممارسة مهنة المحاماة بنجاح وبراعة وسط أهله وناسه في سوق الشيوخ والچبايش والناصرية، واقفاً بكل شهامة في المحاكم يناصر قضايا الفقراء والمُعدمين، ويكسب لهم حقوقهم ضد الظلم والتعسف، مما زاد مضايقة الأجهزة الأمنية له في زمن العهد الملكي البائد وحتى بعد ذلك في أيام العهد الجمهوري ولم يسلم منهم حتى بعد انتقاله للعمل في البصرة وبالأخص بعد إنقاذه هناك لأربعة فقراء مهددة حياتهم لاحتمال صدور قرار الإعدام ضدهم ظلماً، فحصل لهم حكماً بالبراءة، أما هو فعاقبوه بإبعاده إلى الرمادي لوقوفه بجانب المظلومين والدفاع عنهم ولتحريضه الفلاحين ضد بقايا الإقطاع.

وبعد عودته إلى البصرة من الإبعاد حصل انقلاب 8 شباط الأسود 1963، فهرب إلى إيران خشية من تصفيته، فوضعه المهرب في قدر كبير خفية لتعبيره نهر الكارون. وبعد وصوله إيران متخفياً في الأهواز والمحمرة، أعتقل وأرسل الى السجن الإيراني في مشهد، فالتحق هناك ببعض المناضلين العراقيين الهاربين ومنهم شاعر الشعب مظفر النواب، حيث قال عنه شعراً مداعباً بعد أن روى لهم طالب قصته:

مگرود يا طالب بدر .... لإيران عبروك بجدر… الله وياك يالمنحدر .... باچر يگنصك أحمدي

)*أحمدي/ تعني شرطة إيران (

هاي تاليت الحقوق .... صرت لقلق صيح قووق

*(حيث بعد أن عذبوه في إيران لمداعاته بحقوق السجناء، عاقبوه وجعلوه يقف على رجل واحدة كطائر اللقلق)

بقي مسجوناً هناك سنتين ثم سُلّم إلى السلطة العراقية وتنقّل بين سجني البصرة والحلة، وبعد الإفراج عنه استمر بالمحاماة في البصرة لغاية الحرب العراقية الإيرانية والقصف على المدينة انتقل مع عائلته إلى بغداد.

هاجر الأستاذ طالب بدر مغترباً مع عائلته عام 1993 إلى كندا، وعيونه صوب العراق الذي عشقه وناضل من أجل شعبه وكادحيه. لقد كحلّ عينيه بسقوط الطاغية وسلطة الإجرام الديكتاتورية، لكنه تألم لاحتلال الوطن وتدهور أحواله وصراعاته الطائفية والتطرف السياسي الديني، لكن حلمه استمر على أمل تحسن وضع العراق واستقرار أمنه وبنائه الديمقراطي السليم، حراً تعددياً مزدهراً.

غادَرنا الفقيد المناضل أبو سلام 29 نيسان 2007 من مدينة تورونتو إلى مثواه الأخير في مقبرة الصابئة المندائيين هناك بعد أن ترك بصمته الجميلة وأثره الطيب بين الطيبين وكل من عرفه من الجالية العراقية والمندائية وجمعياتها في كندا، له المجد وعاطر الذكر.

عرض مقالات: