وانا اعيد قراءة الجزء الثاني لحنا بطاطو العراق/ الحزب الشيوعي العراقي، جاء في بالي ان اكتب محطات عن حياة الرفيق الخالد فهد باني الحزب، لكنني غيّرت وقررت أن اكتب مشاهد ظلت في ذاكرتي تعبر عن مراحل زمنية في حياتي ومن تاريخ هذا الحزب العتيد، وفيها مؤشرات كيف كان الحزب فيها، وكيف كانت علاقات الشيوعيين مع بعضهم ومع الناس واهتمامهم بالاطفال بالثقافة والاخلاق. وحقيقة بدات المشاهد تتسابق واحترت في الاختيار، لكن كلها تؤكد ان الحزب منظومة قيمية من طراز خاص ومن طينة هذا العراق من جنوبه وشماله غربه وشرقه.

المشهد /1

جيل حملة راية التنوير والتحضر ......

كانوا يجلسون في حديقة بيتنا....

 الوالد والمناضل النقابي حيدر حاتم (مذكرات محطات شيوعي عراقي) وعبدالخالق (ابو عامر) وغيرهم مجموعة من الرفاق والاصدقاء يتناقشون بشأن واقع العراق وموقف الحزب. كنت استمع الى ما يتحدثون به وكنت معجبا بثقافة العم حيدر ابوليث (في نكرة السلمان) وهو يتحدث بصوت منخفض ولغة عربية فصيحة رشيقة بالرغم انه لم يكمل دراسته الابتدائية ومن هنا بدأ العشق.

المشهد/2

انا في معرض رسوم الاطفال والجناح السوفيتي ......

العم فاضل (الملقب فاضل معسكر المشارك في حركة حسن سريع وتم طرده من مدرسة الصنايع الحربية على اثرها)

اصطحبني انا وإخوتي واولاد وبنات عمومتي للمشاركة في مهرجان لرسوم الأطفال وعلى ما اتذكر كان في شارع السعدون في بناية ما، وعندما أكملت اللوحة التي رسمتها حين تسليمها طلبوا مني ان اسجل الملاحظات على المعرض قلت لهم اقلام الباستيل لا تنفع في الرسم. كان من الافضل ان تكون خشبية، فقال احدهم نحن حزب الفقراء والكادحين ولا نستطيع توفير ذلك. خجلت جدا حين اجابني فزرعوا بذرة حب الفقراء والكادحين.

- في معرض الجناح السوفيتي طلب مني عمي فاضل ان اذهب واطلب صورة لينين استجابوا لي، وتم تسليمي كراساً لصور لينين ...

المشهد /3

سلمان ابو شرارة وباية سُلم البيت ........

بيتنا الذي ما زال في منطقة القاهرة تم بناؤه بحملة تعاونية لشباب الحزب ومنهم سلمان وسمي النصير ابو شرارة له الصحة والعافية، كان شباب الحزب كلهم حيوية ونشاط وعمل دؤوب، وتمنيت في ذلك الوقت لو ان الزمن ياحبذا ان يتسارع واصبح معهم وبعمرهم وبجمال اخلاقهم.

وصل البناء الى سلم البيت وكانت الباية الوسطية مثلثة الشكل ومن الصعوبة حملها، ولكم البطل سلمان قرر ان تحمل على ظهره وباسناد رفاقه وهذا ما تم بنجاح.

انه الحزب وشبابه والعلاقة الحميمة التي تربط عوائل الحزب

المشهد/ 4

اعتقال العم نوري 1983

تم اعتقال رفاقه قبله.. محمد وأبو زمن ومجموعة كانوا على موعد اجتماع في كازينو، وتم نصب لهم كمين واعتقالهم وتم اعدام اغلبهم. اما العم نوري الذي تاخر عن الاجتماع بسبب ظرف طارئ صحي لجيراننا فأضطر ان ياخذهم الى المستشفى، ولكن تم اعتقاله بعد اشهر. في فترة اعتقاله والدي قرر ان يدفن الكتب واوراق الحزب تحت نخلة بيتنا وبعد خروج عمي بعد ثلاثة اشهر متورم الاقدام كنا نضحك عندما ننظر الى النخلة، ونقول انها ستثمر لينين وماركس وفهد وسلام عادل ....

سمى العم نوري اولاده البنت الكبيرة زمن والولد محمد تخليدا لذكرى رفاقه الذين استشهدوا تحت وطاة التعذيب، ورحل العم نوري ابو زمن، وظلت راية الحزب وصورة فهد تتوسط غرفته. 

المشهد/5

عبد الجليل جبار (ابو ريم) .........

ابوريم الرفيق الجميل الذي اتمنى له الصحة والعافية وخاصة انه يمر بازمة صحية ...

كان صديقا ورفيقا للعم حكمت له الذكر الطيب على الدوام في اعدادية التجارة........

 في ثمانينيات القرن الماضي قرر الهروب من الجيش، علما انه مطلوب من قبل السلطة لانتمائه للحزب والالتحاق بصفوف الحزب بعد خروجه من العراق عن طريق تركيا...

فتم اخفاؤه في بيت جدي ولفترة ليست بالقصيرة، كان يعلمني الشطرنج وحين يشعر انني بدأت اهدد ملكه يغني نجاة الصغيرة شكل تاني حبك انت لنفرزتي علما انني لم استطع الفوز عليه ولا مرة.... وعندما حان موعد السفر كان وداعه مناحة في بيتنا، فاي علاقات هذه بناها الحزب؟

المشهد /6

الجيران، المعلم الشيوعي الصابئي الاستاذ حسني (ابو وسام) ........

عندما انتقلنا الى بيتنا سنة 1975 كان بظهر بيتنا عائلة شيوعية لم نعلم انهم شيوعيون، ولكن الطيور والطيبون على اشكالهم يقعوا. كانت لقاءاته مع الوالد في المنورين المتجاورين. كانت تلك المنطقة الملاذ الامن للعائلتين للمناقشة والمداولة وخاصة بالنسبة لي، ومكتبته العامرة اول كتاب استعرته منه «عناقيد الغضب» لجون اشاينبك، وبعدها توالت لتولستوي ومكسيم غوركي وحنا مينا وغيرهم، فكان يزرع في قلبي حب الحزب ومبادئه النبيلة ويحدثني عن المساواة والعدالة.

توفي العم ابو وسام ولم يشهد اعدام صدام الذي كان يتمنى مشاهدته وهو يعدم.

المشهد/ 7

في ريف الديوانية ......

تمت دعوتي من احد الاصدقاء لزيارتهم في 1993 وكان يعلم انني من عائلة شيوعية وفي تعلولة المساء تحدث شيوخهم عن شباب شيوعيين معلمين جاؤوا من بغداد لخدمة القرى والارياف بعد التخرج، وكان في خمسينيات القرن الماضي عند استلامهم اول راتب تم شراء قماش واحذية بسيطة من قبلهم لجميع الطلبة الذين كانوا ياتون الى المدرسة حفاة، فكان يوم مغادرتهم الى بغداد بعد اكمال فترة خدمتهم يوما حزينا على اهل القرية، وظلت القرية تتذكرهم لطيبهم واخلاقهم الكريمة.

المشهد /8

الانخراط الرسمي في الحزب

بعد سقوط النظام الدكتاتوري وفتح الحزب ابوابه جاءني الى محل عملي الصديق والرفيق ابو حسين المحكوم بالاعدام في ثمانينيات القرن الماضي. وقال لي لا تحتاج الى دعوة فانت جاهز للدخول في صفوف الحزب. لدينا اجتماع في الكفاح لخلية سعدون اعويس والمسؤول ابوحيدر. حضرت الاجتماع الاول. وفي الاجتماع الثاني كتبت المحضر وتم اختيار الاسم الحزبي لي «ابو همام» من قبل الرفيق المسؤول، وانا كنت فرحا بهذا الاسم، فذهبت الى الوالد لابلغه انني انتميت الى الحزب فما هو رأيك، فقال لي وهل تنتظر مني الرفض هذوله الناس احسن ناس بالرغم من المعاناة وطريقهم الشاق.

المشهد/ 9

الانتخابات الاولى

في اول انتخابات يشارك فيها الحزب، جمعنا العم ابو زمن والعم ابوعبدالله لروحيهما الطمانينة والسلام حاملين علم الحزب، وذهبنا ونحن شامتون باعداء الحزب فمكانهم مزبلة التاريخ وبأس المصير، وستبقى راية فهد ترفرف.

المشهد/ 10

شيوعي بالكصة مكتوب ........

في انتفاضة تشرين كانت لنا مشاركة فاعلة عبر منبر ساحة التحرير، والذي كان نتاجا لرفاق واصدقاء الرفيق حسين حسن وابوثمينة وابو عبدالله وابو حسين وقاسم وحيدر جليل وحيدر الدعمي والكثير من الشباب.

واتفقنا على ان نبعد المنبر عن اسم الحزب، ولكي يكون لجميع الثوار ولكننا فشلنا في ذلك فاين ما نذهب وفي اي ركن او شارع في ساحة التحرير الا وقالوا هذوله الشيوعيين جماعة المنبر. نعم، نحن شيوعيون ولا مهرب من ذلك.........

فتحية لكل الاجيال الشيوعية التي توالت على حمل الراية والحفاظ على القيم النبيلة وهم يعبرون الصعاب والمحن ..

وتحية لكل شهيد وشهيدة: مشاعل انارت وتنير دروبنا

ولهذه المناسبة المجيدة حري بنا ان نتمثل بأمثولة الرواد والشهداء والحفاظ على حزبنا وقيمة النيرة.