لم تمهل أسعار النفط الحكومة طويلا للمضي في مشروع قانون الموازنة العامة، الذي حدد سعر برميل النفط بـ70 دولارا، برغم تحذيرات الاقتصاديين وقت شروع الحكومة في إعداد مشروع القانون، نتيجة لتقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية، وعدم استقرارها.
وبرغم الحديث الممل عن وجود اتفاق سياسي لتمرير الموازنة، لكن الواقع يُشير الى غير ذلك، حيث رجح عضو مجلس النواب، ياسر اسكندر وتوت، ان الموازنة المالية للاعوام الثلاثة 2023 و2024 و2025 ستتم اعادتها الى مجلس الوزراء.
إعادة الموازنة
وقال وتوت في حديث صحفي: إن “الموازنة المالية التي ارسلت من الحكومة الى مجلس النواب ستتم اعادتها للحكومة، لكونها مخصصة لـ3 اعوام، وفيها بعض المشاكل في التخصيصات المالية، ولا بد من حسم بعض الملفات التي تتعلق بالمفسوخة عقودهم، وغيرهم من الشرائح”.
واعتبر الخبير المالي والاقتصادي هلال الطعان، انه “لا يمكن التكهن بأسعار النفط مستقبلا لان النفط سلعة سياسية اقتصادية تخضع لقوانين العرض والطلب الخارجي وليس الداخلي، وبالتالي فان مشكلة الاقتصاد العراقي أنه ريعي يعتمد على النفط بنسبة 93 في المائة من أجل تغذية ايرادات الموازنة”.
واشار الطعان الى ان “هذا الامر يعتبر خطأً في السياسة المالية على الرغم من تأكيداتنا في سنوات سابقة منذ عام 2003 وحتى الان، على وجوب تقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للموازنة والاعتماد على الموارد الاخرى غير النفطية التي تشمل الضرائب والكمارك وايرادات عقارات الدولة وتشجيع القطاع الانتاجي والزراعي والصناعي وتقليل الاستيرادات”.
وأكد أنه “حتى الآن لم يحصل تطور، وما يزال النفط يشكل المصدر الرئيسي في الموازنة، وبالتالي فإن افتراض سعر 70 دولاراً للبرميل في الموازنة يعد رقماً كبيراً وخطراً في ظل الاوضاع غير المستقرة على مستوى العالم، وهذا سيسبب إحراجاً للدولة”.
ولفت الى ان “الموازنة حاليا تتحدث عن وجود 63 تريليون دينار كعجز، في ظل تحديد سعر 70 دولاراً لبرميل النفط في الموازنة، وفي حال انخفاض اسعار النفط عما تم تحديده في الموازنة، وهو ما يحصل حاليا، سيؤدي ذلك الى كارثة حيث سيتجاوز العجز 100 تريليون دينار، وبالتالي يصعب تغطية الموازنة، وستتم التغطية مرة اخرى اما عن طريق الاقتراض من الخارج وهو صعب، او الاعتماد على الدين الداخلي من البنك المركزي او المصارف التجارية وسنعاني بعدها مشكلة حقيقية”.
وطالب الطعان، الحكومة “بضرورة اعادة النظر في الموازنة من حيث تحديد سعر جديد للنفط، يحميها من تقلبات النفط العالمية وتقليص وضغط النفقات العامة غير الضرورية في دوائر الدولة، كما ان هناك امتيازات غير صحيحة يجب تقليصها بقرار حاسم”.
ملاحظات على المشروع
اما أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل الدكتور نبيل المرسومي، فقال ان الموازنة الحالية هي الأكبر في تاريخ العراق بأكثر من 197 ترليون دينار، اي اكثر من 151 مليار دولار. وهي اكبر من موازنة 2021 بنسبة 53 في المائة وبمقدار 68 ترليون دينار، وهي اكبر من النفقات الفعلية لعام 2022 بنحو 81 ترليون دينار، مشيرا الى كبر حجم النفقات التشغيلية التي وصلت الى 150 ترليون دينار وبزيادة مقدارها 50 ترليون دينار عن موازنة 2021، كما انها تفوق النفقات التشغيلية الفعلية لعام 2022 بنحو 46 ترليون دينار.
وأضاف، ان العجز في موازنة 2023 الذي يتجاوز 63 ترليون دينار هو الاكبر في تاريخ العراق، وفضلا عن مخاطره الكبيرة في الموازنة فإن مصادر تمويل ثلثي العجز تكون من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي والثلث الاخير من الفائض المدور من حساب وزارة المالية، موضحا ان هيمنة فقرتي الرواتب والرعاية الاجتماعية تبلغان وحدهما 87 ترليون دينار اي تمثلان نسبة 58 في المائة من اجمالي النفقات التشغيلية و 74 في المائة من الايرادات النفطية.
وتابع، ان اعتماد سعر نفط تخطيطي غير متحوط في الموازنة وهو 70 دولارا للبرميل وهو الأعلى بين موازنات كل الدول النفطية، واي انخفاض في سعر بيع النفط العراقي بدولار واحد عن السعر المقدر في الموازنة، من شأنه ان يخفض الإيرادات النفطية بنحو 1.660 ترليون دينار سنويا، وهو ما سيفاقم عجز الموازنة ويعظم الديون الداخلية والخارجية، خاصة وان العراق من دون كل الدول النفطية يفتقر إلى صندوق سيادي يمكن أن يكون مصداً في حال انخفاض الأسعار إلى ما دون مستوياتها الطبيعية، مشيرا إلى أن التفاؤل المفرط في الإيرادات غير النفطية في الموازنة والتي تبلغ 17 تريليونا، في حين أنها لم تزد على 7 تريليونات دينار عام 2022، وستنخفض هذه الإيرادات كثيرا اذا لم يوافق البرلمان على مجموعة من الضرائب التي فرضتها الموازنة.
وأكد انه من الجيد ان تتضمن الموازنة إنشاء صندوق للتنمية بتخصيص مالي يبلغ ترليون دينار، وصندوق آخر للمناطق الأكثر فقرا بنصف ترليون دينار، مع انه تفضل مضاعفة رأس مال هذين الصندوقين بأربع الى خمس مرات، نظرا لأهميتها في النمو والتنمية وتحسين المستوى المعيشي للسكان، منوها بتضمين الموازنة بعض الأهداف الكمية مثل “زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% وزيادة الناتج غير النفطي بنسبة 3 في المائة، وعدم تجاوز التضخم لمستوى 5 في المائة سنويا”.
تطمينات ولكن
وفي وقت سابق، كشف مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، د. مظهر محمد صالح، عن وجود تحوطات مالية في الموازنة تحسباً لانخفاض أسعار النفط العالمية.
وقال صالح، إن “الإيرادات النفطية هي المكوّن الأساسي لمجمل إيرادات الموازنة العامة الاتحادية في العراق، بسبب أحادية الاقتصاد (ريعية الاقتصاد)، ويُشكّل الإيراد النفطي ما بين 90 – 93 في المائة من إجمالي إيرادات الموازنة، لذلك الموازنة تحتفظ عادة بسعر برميل نفط منخفض نسبياً عن توقعات السوق العالمية مع ثبات الكميات المصدرة، حتى تأخذ بنظر الاعتبار تفادي أية مخاطر في التقلبات السعرية حيث تحوّل العجز المخطط أو الافتراضي إلى عجز فعلي”، مشيرا الى انه “في حال حدوث مفاجآت كبيرة في أسواق النفط وانخفضت الأسعار خارج التوقعات، فإن الموازنة تُهيكل نفسها تماماً، وتضع الأهم على المهم، والأهم في هذه الموازنة هو الإنفاق الاجتماعي، والحفاظ على مستوى المعيشة وعلى المشاريع الاستراتيجية المهمة المباشرة في حياة الاقتصاد.