عدّ خبراء في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، التصريحات الحكومية الاخيرة، حول عملية رقمنة التعاملات المصرفية، لتسيير معاملات المواطنين ومكافحة الفساد وغسيل الاموال، بانها احاديث للاستهلاك الإعلامي فقط، وان القضية اصبحت شبيهة بشعارات مكافحة الفساد التي يطلقها المسؤولون.
واكد الخبراء، ان الحكومة غير قادرة على قيادة هذه العملية لوحدها، وان عملية التحول الرقمي في البلاد، يجب ان تقودها هيئة مستقلة، بعيدة عن المحاصصة، وأن تتم وفق سياسات رصينة وخطة مرسومة سلفاً، تخضع لعملية التطور باستمرار.
تصريحات رسمية
واستقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، امس الأول الثلاثاء، وفداً من شركة فيزا العالمية لبطاقات الدفع الإلكتروني، مؤكدا مضي حكومته في خطط الشمول المالي والرقمنة للتعاملات المصرفية، والارتقاء بها؛ لتلبّي المعايير العالمية، والمواصفات المعمول بها على مستوى دولي.
وأشار السوداني بحسب بيان المكتب الرسمي الذي ورد لـ”طريق الشعب”، الى أن “خطوات الحكومة في هذا المجال، ستيسّر التعاملات المالية للمواطنين، وتختزل الوقت وتعزز مظلة القانون بتنفيذ الضوابط التي تكافح غسيل الأموال”.
من جانبها، اكدت وزيرة المالية، طيف سامي، ضرورة انتقال التعامل المصرفي من الورقي إلى الالكتروني لاختزال الوقت وتبسيط الإجراءات أمام المواطنين، طبقا لما اورده مصرف الرافدين، في بيان تلقته “طريق الشعب”.
وشددت على ضرورة “تنفيذ البرنامج الحكومي في تطبيق النظام المصرفي والاهداف التي تتحقق من خلاله في الانتقال من التعاملات الورقية الى الالكترونية، واختزال الوقت وتبسيط الإجراءات وتذليل المعوقات، بعيدا عن الروتين، بالإضافة الى تكثيف الجهود للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للزبائن”.
وأضاف البيان، أن “هدف الزيارة يأتي للوقوف على العقبات وتشخيص مكامن الضعف في أداء القطاع المصرفي والعمل على تجاوزها عبر تعزيز قدرات النظام المصرفي الشامل وتوفير متطلباته لضمان تقديم أفضل الخدمات لزبائن المصرف”.
العديد من المتطلبات
في هذا الشأن، قال الخبير في مجال التكنولوجيا والحوكمة الإلكترونية علي أنور، ان الدولة العراقية لا تفرق بين مفاهيم الاتمتة والحوكمة والرقمنة وتخلط في ما بينها، بينما كل واحدة منها لا تشبه الاخرى وبينها فروقات، لافتا الى ان هذه التصريحات الرسمية لا تعدو كونها احاديث اعلامية فقط؛ فمشكلة المصارف ليست بالرقمنة، لان القطاع المصرفي قطاع متطور من هذه الناحية، بشكل كبير.
واضاف انور في حديثه لـ”طريق الشعب”، قائلاً ان الحكومة “بمفردها غير قادرة على قيادة هذه العملية، لأننا في البدء نعاني نقصا في التشريعات القانونية، وهذا يتعلق بعمل مجلس النواب، ولدينا مشكلة في عدم وجود جهة مستقلة تدير التحول الرقمي، فهناك اكثر من جهة تريد ادارة الملف، منها الامانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الاتصالات ووزارة الداخلية”.
ولفت المتحدث ـ وهو استشاري لدى 12 مصرفا في العراق لرسم خطط الحوكمة والتحول الرقمي ـ الى ان “عملية التحول الرقمي والاتمتة، هو برنامج لا يتوقف بل يستمر في التطور، لذلك لابد ان يكون لدينا استراتيجية في التحول الرقمي، وخطط”، مبينا “اننا حتى الان لم نوزع الادوار والمسؤوليات بشكل واضح بين مؤسسات الدولة من جهة وما بين علاقة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من جهة اخرى”.
وتابع حديثه قائلاً: ان “الحكومة ما زالت تعمل بعقلية العمل المنفرد، وهذه النتائج واضحة. نحن نعيش تجارب وشعارات فقط، بدون خطة واضحة تبدأ من صياغة مسودات صحيحة للقوانين والتشريعات التي نحتاجها في هذا المجال، ورسم السياسات والخطط وخارطة الطريق، ومن ثم تشكيل هيئة مستقلة تقود عملية التحول الرقمي كما في دول العالم، ونبعدها عن المحاصصة، وهذا الكلام قد يكون حلما”.
وبحسب الخبير، فان القطاع المصرفي يعد من القطاعات المتقدمة في الرقمنة بالعراق، مقارنة بقطاعات الصحة والتعليم والنقل والقطاعات الاخرى، وهذا يعود لأنه محكوم من البنك المركزي بتنفيذ معايير ونظم عالمية.
وأشار الى ان “البنك المركزي اصدر دليلا كاملا سنة 2019 يسمى (دليل الحوكمة)، وفرضه على المصارف، والمفارقة هنا ان المصارف الحكومية هي المتخلفة من ناحية تطبيق معايير البنك المركزي والنظم العالمية، بينما هي التي تملك اكبر كتلة نقدية”.
ونوه بان “انظمة مكافحة غسيل الاموال AML تفرض قوانين وسياسات دولية على البنوك المركزية، والاخيرة تعكسها على القطاع المصرفي”، مواصلا الحديث بأن “البنك المركزي دائما ما يضع متطلبات على المصارف، ولكن بعض المصارف تلكأت، وللأسف استخدمت الضغط السياسي على البنك المركزي للتهرب من تنفيذ الضوابط والتعليمات”.
المساءلة أولا
وعلى صعيد متصل، قال الخبير في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين ان العراق امامه ثلاثة ملفات، وهي غسيل الاموال وتهريبها وتمويل الارهاب، وهناك اجراءات ومتطلبات على العراق تنفيذها في هذا الجانب.
واضاف ياسين في حديث خص به “طريق الشعب” قائلاً ان “اول هذه الاجراءات هو مسألة الاتمتة؛ فالكتلة النقدية الموجودة لدى المواطن هي بحدود 50 تريليون دينار مكتنزة خارج النظام المصرفي، وعلى المعنيين التفكير بكيفية دمج هذه الاموال في الاقتصاد عبر سلسلة اجراءات؛ جزء منها من خلال ترسيخ الثقة من خلال التعاون مع شركات دولية، معترف بها ولها سوابق في هذا المجال. و في الجانب الاخر السيطرة على التحويلات المالية”.
واكد ياسين ان الرقمنة والتحول الالكتروني غير كاف “بدون مساءلة الجهات التي كانت تهرب وتمارس عملية غسيل الاموال، وسنبقى ندور في الدوامة ذاتها، فالرقمنة والاتمتة هي فقط تحدد ونعرف من خلالها مسار الأموال، وتعزز ثقة المواطن بالنظام المصرفي في العراق، ويبقى التحدي الكبير هو محاسبة هذه الجهات”.
وخلص الى انه على الحكومة اعتماد سياسات واضحة توضع من قبل خبراء ماليين ونقديين إضافة الى اعتماد مبدأ سياسة القانون وإنفاذه على الجميع وبصرامة وعدالة بدون تمييز.