اخر الاخبار

مع موجة أمطار وُصفت بالأكثر تأثيرًا منذ سنوات، عاد ملف المياه والزراعة إلى واجهة الاهتمام، بعد أن أسهمت التساقطات الأخيرة في رفع مناسيب نهري دجلة والفرات، وتعزيز الخزين المائي في السدود والأنهار والبحيرات. هذا التحسن النسبي فتح الباب أمام توسيع المساحات المزروعة، وأعاد الآمال بإمكانية إنعاش الزراعة، والتخفيف من آثار الجفاف، وتحسين واقع الأهوار والمناطق الجنوبية، وسط دعوات رسمية وبيئية لاستثمار هذه الفرصة قبل حلول الصيف المقبل. 

الأمطار تنعش الخطة الزراعية

وكشفت وزارة الزراعة عن توجه لتوسيع المساحات المزروعة في عموم البلاد، مستفيدة من موجة الأمطار الأخيرة. وقال وكيل وزارة الزراعة، مهدي سهر الجبوري، إن محافظات العراق شهدت خلال الأيام الماضية موجة أمطار وفرت الرية الأولى لمحصولي الحنطة والشعير، وأسهمت في تعزيز الخزين المائي في نهري دجلة والفرات، فضلًا عن السيول القادمة من المملكة العربية السعودية وإيران باتجاه الأراضي العراقية.

وأضاف الجبوري، أن جزءًا كبيرًا من هذه المياه جرى حصاده وتحويل مساراته باتجاه الخزن، إضافة إلى إسهامها في زيادة المياه الجوفية، مبينًا أن الوزارة اعتمدت على الأمطار ضمن الخطة الاستزراعية الشتوية بمساحة مليون دونم. وأشار إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه المساحات جرى استزراعه اعتمادًا على مياه الأمطار والمياه السطحية، إلى جانب قيام المزارعين بزراعة مساحات إضافية خارج الخطة.

وأكد أن أي موجات مطرية جديدة يمكن استثمارها في تنفيذ الريات الإضافية للمحاصيل الاستراتيجية.

تحذير من التفريط بالفرصة

في موازاة ذلك، حدّد مرصد العراق الأخضر أربعة أسباب رئيسة وراء الارتفاع النسبي في مناسيب دجلة والفرات خلال الفترة الحالية، أبرزها انخفاض درجات الحرارة، ما أدى إلى تقليل استهلاك المياه، إضافة إلى الأمطار الأخيرة التي هطلت على مناطق واسعة من البلاد، وكان لها تأثير مباشر في رفع المناسيب.

وأشار المرصد إلى أن السيول، رغم الأضرار المحلية التي تسببت بها في بعض المحافظات، أسهمت في زيادة كميات المياه الواردة إلى النهرين، مع تخزين جزء منها، فضلًا عن الفيضانات التي أجبرت تركيا على إطلاق كميات إضافية من المياه عبر نهر دجلة، ما ساعد بدوره في رفع منسوبه.

وشدد المرصد على ضرورة أن تستثمر وزارة الموارد المائية هذه الموجة المطرية والموجات المقبلة عبر خزن المياه في النواظم والسدود، لضمان تحقيق خزين مائي كافٍ يمكن التعويل عليه خلال فصل الصيف المقبل.

ولفت المرصد إلى أن ملف المياه مع دول المنبع لا يزال يشهد تعثرًا واضحًا، في ظل امتناع تلك الدول عن الدخول في نقاشات فاعلة مع العراق، مبينًا أن الاجتماعات السابقة فشلت في تأمين إطلاقات مائية ثابتة، بسبب مخاوف دول المنبع من تعرض مناطقها للجفاف وتأثير ذلك على خزينها المائي للاستهلاك المحلي والزراعة وتوليد الطاقة.

موسم مطري إيجابي

في إقليم كردستان، سجلت محافظة دهوك ارتفاعا ملحوظًا في مناسيب المياه عقب هطول أمطار غزيرة خلال الفترة الأخيرة.

وقال مدير سد دهوك، فرهاد محمد، إن منسوب المياه في السدود ارتفع بمقدار ثمانية سنتيمترات، ما أدى إلى اختفاء المعالم التي كانت قد ظهرت سابقًا نتيجة انخفاض المياه.

وأكد أن الأمطار الأخيرة كان لها تأثير إيجابي واضح على سد دهوك وبقية سدود المحافظة، موضحًا أن منسوب المياه في سد خنس ارتفع بأكثر من ثلاثة أمتار، وكذلك سد كشكان الذي سجل ارتفاعًا مماثلًا.

وبيّن أن الوضع العام للسدود والبرك المائية في المحافظة يُعد جيدًا جدًا في ظل موسم مطري وُصف بالإيجابي.

وتضم دهوك أربعة سدود كبيرة ونحو 60 بركة مائية، وتعتمد في مواردها المائية على المصادر السطحية والجوفية. وفي هذا السياق، أكد مدير مياه دهوك، بشار حاجي زينل، أن المديرية تعتمد على مشاريع استراتيجية، من بينها مشروع (خابديمي) المقام على نهر دجلة، إضافة إلى ناحيتي مانگێشِك وزاوێتە اللتين تعتمدان على المياه الجوفية، مشيرًا إلى أن الأمطار الأخيرة ستسهم في تقليل آثار الجفاف وتعزيز خزين المياه الجوفية، خصوصًا في القرى التي تعتمد على الآبار.

وبحسب الإحصاءات، بلغت كمية الأمطار الهاطلة في دهوك هذا العام حتى الآن 144 ملم، مقارنة بـ28 ملم فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي ما يعدل خمسة أضعاف الكمية المسجلة سابقًا، وسط تأكيدات بأن استمرار هذا المعدل سيؤمن خزينًا مائيًا مهمًا للعام المقبل.

ديالى.. نصف مليار متر تضاف إلى السدود

في محافظة ديالى، أعلنت دائرة الموارد المائية أن سيول الموجة المطرية الأخيرة أضافت كميات كبيرة إلى السدود.

وقال مدير الموارد المائية في ديالى، مهند المعموري، إن إجمالي ما أضافته السيول، ولا سيما إلى سدي حمرين والعظيم، يزيد على 500 مليون متر مكعب، واصفًا هذه الكمية بالجيدة.

وأوضح أن الدائرة نجحت في تمرير موجات السيول القادمة ضمن قاطع شمال حوض حمرين وقاطع العظيم وبقية القواطع باتجاه السدود الرئيسة، ما أسهم في زيادة الخزين المائي، لافتًا إلى أن التحرك المبكر ومرونة الإدارة والمتابعة المستمرة لمسارات السيول أسهمت في منع غرق المناطق والقرى المتاخمة لممرات المياه.

من جانبه، أكد معاون مدير الموارد المائية في ديالى، ميثاق سامي، أن الخزين ارتفع في شدة ديالى بنسبة 20% وصولًا إلى بحيرة حمرين، التي دخلتها مياه بكمية بلغت 300 مليون متر مكعب، كما ارتفعت نسبة الخزن في سد العظيم بأكثر من 20% بعد أن كان الخزين المائي فيه قد شارف على النفاد، مؤكدًا أن جميع الجداول والبحيرات والسدود في المحافظة استفادت من الأمطار والسيول الأخيرة.

 

فرصة لإنعاش الأهوار

ويرى مختصون، أن زيادة الخزين المائي وارتفاع مناسيب الأنهار الرئيسة والفرعية يمثلان فرصة مهمة لتحسين نوعية المياه، ولا سيما في المناطق الجنوبية، والعمل على إنعاش الأهوار التي شهدت خلال السنوات الماضية هجرة واسعة للسكان وتراجعًا حادًا في الثروة الحيوانية.

وفي هذا الإطار، أوضح مدير مشروع شدة العمارة، أحمد جعفر، أن توجيه السيول وتوزيعها باتجاه الأنهار الفرعية للأقضية والنواحي يسهم في تعزيز الاحتياجات المائية للمناطق الزراعية والاستخدام البشري، فضلًا عن دعم الأهوار بعد فترات طويلة من الجفاف.

وأشار إلى أن هذه الإجراءات تسهم كذلك في تأمين الاحتياجات المائية لمحافظة البصرة، ومحاولة دفع اللسان الملحي، بما ينعكس إيجابًا على الواقع البيئي والزراعي في جنوب البلاد.

وبيّن أن التحدي الأبرز أمام المؤسسات المعنية هو حسن استثمار هذه الموجة المطرية، وتحويلها من حدث موسمي عابر إلى رافعة حقيقية للأمن المائي والغذائي في العراق، مع عدم التفريط بحصص العراق المائية من دول المنبع.