اخر الاخبار

اعترافات خطيرة ومتأخرة

نشر موقع Middle East Monitor  مقالًا للكاتب كرم نعمة حول تصريحات توم باراك، المبعوث الرئاسي الأمريكي إلى سوريا، والتي أقرّ فيها بفشل سياسة واشنطن في العراق بعد مرور اثنين وعشرين عامًا على غزوه، مما يمثّل اعترافًا متأخرًا بأن الحرب لم تكن مجرد خطأ سياسي، بل كانت فشلًا بنيويًا ضرب قلب الشرق الأوسط، وبأن الولايات المتحدة لا تستطيع، ولن تستطيع أبدًا، إعادة تشكيل الدول على صورتها بالقوة العسكرية؛ فالأمم لا تُبنى بالدبابات، ولا تنهض من أنقاض الأنظمة المنهارة دون رؤية.

فشل صارخ

ورغم أن تصريحات باراك حول فشل سياسة واشنطن، التي كلّفت ثلاثة تريليونات دولار وأزهقت مئات الآلاف من الأرواح، ليست جديدة، فإنها تمثّل تقييمًا أكثر وضوحًا طالما تجنبت واشنطن الاعتراف به، خاصة فيما يتعلق بفرض جمهورية اتحادية على واقع طائفي وعرقي منقسم بشدة، وإنشاء نظام مجزّأ خالٍ من مؤسسات فاعلة، ومعلّق بين سلاح جامح وسياسة مشلولة، وقوى تعمل وفق موازين خارجية لا تمتّ بصلة لمصالح العراق.

ورأى الكاتب أن هذه التصريحات تعكس قناعة الولايات المتحدة بأنها، بانسحابها من العراق، تركت فراغًا سارعت طهران إلى ملئه، لا سيما في ضوء استراتيجيتها التي لا تنظر إلى العراق كمنطقة نفوذ فحسب، بل كامتداد لهويتها السياسية، وهي فكرة لا تنوي طهران التخلي عنها.

قناعات "جديدة"

وذكر المقال أن واشنطن بدأت تدرك، على ما يبدو، أن العراق، وبسبب تكوينه وتاريخه وجغرافيته، لا يمكنه البقاء من دون دولة، ولا يمكنه الصمود أمام أجندات خارجية تغذّيها انقساماته الداخلية، إضافة إلى أن أي فوضى فيه لن تبقى حبيسة أرضه، بل ستنتشر لتعيد تشكيل المنطقة على صورته الخاصة من الخراب.

ولهذا لم يكن باراك الوحيد الذي اعترف بهذا الأمر؛ فقد سبقه إليه مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، ويليام بيرنز، حين أخبر كبار مسؤولي الوكالة بأنها ارتكبت خطأً فادحًا في تقديرها لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. ورغم أن هذا الاعتراف كان متواضعًا، فإنه لم يرقَ إلى مستوى المحاسبة السياسية، جراء غطرسة البيت الأبيض التي انتصرت بسببها الرغبة في إسقاط النظام على جميع الأدلة المتاحة.

الخيال لا الذكاء

وأشار الكاتب إلى أن احتلال العراق كشف أيضًا أن النظام الدولي ليس إطارًا محايدًا للتعاون، بل آلية لفرض الإرادة السياسية الغربية. فعند الترويج للغزو، اعتمدت إدارة جورج دبليو بوش على الذعر الأخلاقي، وقدّمت كوندوليزا رايس تحذيرها الشهير "إذا لم نُزِل صدام حسين الآن، فقد نشهد سحابة كيماوية فوق مدينة أمريكية". ومنذ ذلك الحين، لم تستعد الديمقراطيات الليبرالية ثقتها بنفسها بالكامل، فانقسمت داخليًا وتعثرت خارجيًا، ولا تزال عاجزة عن الاعتراف بأن غزو العراق لم يكن خطأً بسيطًا، بل جريمة سياسية هزّت أركان النظام العالمي، على حد تعبير المقال.

ماذا يحمل الغد؟

ورأى الكاتب أن السؤال المحوري يتمثل فيما إذا كان بإمكان العراق المضي قدمًا في ظل النظام السياسي الحالي، مجيبًا عن ذلك بالنفي؛ فالعملية السياسية القائمة ليست سبيلًا لبناء الدولة، بل آلية لإدامة الفشل، وحلقة مفرغة يُغذّي فيها الفسادُ الفسادَ، ويتغوّل فيها السلاح المنفلت، ويهيمن عليها متنفذون من أصحاب المصالح، لا يرون في البلاد سوى غنيمة. ونتيجة لذلك، تُترك المؤسسات لتنهار، ويبدو العراق دولةً مخطوفة، على حد تعبيره.

وتوصّل المقال إلى استنتاج مفاده أنه لا سبيل لإنقاذ العراق من دون استعادته من أيدي المتنفذين، وبناء عراق حقيقي مختلف عن عراق الغنائم والسلاح والولاءات الخارجية. واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن الأمم لا تُبنى، ولا تستعيد سيادتها، ولا يتوقف انهيارها بالاعترافات، بل بشجعان قادرين على تبنّي حلول ناجعة ووضعها موضع التطبيق.