اخر الاخبار

مع كل موسم أمطار، تعود مشاهد السيول والفيضانات لتكشف هشاشة البنى التحتية وعمق الاختلالات الإدارية في عدد من المحافظات، وفي مقدمتها كركوك. لكن الفيضانات الأخيرة جاءت، وفق السلطات المحلية، ثمناً مباشراً لسنوات من التجاوزات وبيع أراضي الأودية والممرات المائية بطرق غير قانونية، وسط اتهامات صريحة لـ"مافيات" بالوقوف خلف هذه الظاهرة التي حوّلت الأمطار إلى كارثة.

وأعاد محافظ كركوك، ريبوار طه، فتح ملف شائك طالما أُهمل أو جرى التعامل معه بترقيع مؤقت، حين حمّل جهات وصفها بـ"مافيات كركوك" مسؤولية تفاقم آثار الفيضانات الأخيرة، نتيجة بيع أراضي الأودية والممرات المائية للمواطنين، والبناء عليها بصورة مخالفة للقانون. وأكد طه خلال مؤتمر صحفي أن هذه التجاوزات أسهمت بشكل مباشر في غرق القرى وتعطّل الطرق وانقطاع الخدمات الأساسية.

وأوضح المحافظ، أن الفيضانات تسببت بأضرار واسعة شملت عدداً كبيراً من القرى والمناطق الزراعية، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية ملتزمة بتعويض جميع المتضررين، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الحل لا يقتصر على التعويض، بل يتطلب معالجة جذرية لأسباب الكارثة، وفي مقدمتها إعادة تأهيل مجرى شوراو وإعادته إلى وضعه الطبيعي، ومنع إشغال الممرات المائية أو البناء عليها "تحت أي ظرف".

وتكشف تصريحات طه عن حجم الخلل المتراكم، خصوصاً مع وجود مصانع ومنشآت اقتصادية شُيّدت على الممرات المائية، وهو ما وصفه بـ"التهديد الحقيقي" الذي قد يجعل الفيضانات أكثر تدميراً في المستقبل.  ويرى مختصون أن هذه التعديات لم تكن لتستمر لولا شبكات مصالح تستفيد من بيع الأراضي وتغيير استعمالاتها، في ظل ضعف الرقابة وتراخي تطبيق القوانين.

السيول شلّت المحافظة

وعاشت كركوك خلال الأيام الماضية حالة طوارئ غير معلنة، بعد أن حاصرت السيول عدداً من القرى، وتسببت بتعطّل طرق الربط، وصعوبة وصول فرق الإسعاف والخدمات، فضلاً عن أضرار جسيمة لحقت بالبنى التحتية والطرق والجسور. ولم تكن كركوك وحدها في واجهة الأزمة، إذ سجلت مناطق عدة في إقليم كردستان، بينها السليمانية وكرميان وأربيل، خسائر بشرية ومادية، مع مصرع 12 شخصاً في أربيل وحدها وفق الأرقام الرسمية.

في ناحية بردي (آلتون كوبري)، تكبّد نحو 120 مزارعاً خسائر فادحة بعد غرق محاصيلهم الزراعية، حيث تراوحت الخسائر لكل مزارع بين 10 و15 مليون دينار، بحسب إفادات محلية.

مزارعون يطالبون بتعويضات

ويؤكد المزارعون أن السيول جرفت معداتهم ومستلزماتهم، مطالبين بتعويضات عاجلة، لا سيما وأن المنطقة تعتمد أساساً على مياه الزاب الصغير، الذي شهد خلال السنوات الماضية ارتفاعاً متكرراً في مناسيب المياه وغرق آلاف الدونمات.

وطالب نائب رئيس البرلمان شاخوان عبد الله الحكومة بتعويض المتضررين واستنفار الجهود لمواجهة مخاطر السيول، محذراً من أن استمرار التجاوزات وضعف شبكات تصريف الأمطار ينذر بتكرار الكارثة مع أي موجة مطر جديدة.

وبين اتهامات "المافيات" ووعود التعويض، تبقى كركوك أمام اختبار حقيقي: إما كسر حلقة الفساد والتجاوزات، أو الاستمرار في دفع ثمنها مع كل شتاء.