اخر الاخبار

لا تزال المخلفات الحربية والألغام تشكّل خطراً حقيقياً على حياة المواطنين في عدد من المحافظات، رغم مرور سنوات على انتهاء العمليات العسكرية.

إذ تسجّل البلاد سنوياً سقوط ضحايا، بينهم أطفال ونساء، نتيجة انفجار مقذوفات وألغام غير منفجرة تعود إلى حروب وعمليات عسكرية سابقة.

ويأتي ذلك في ظل استمرار التحديات المتعلقة بتطهير الأراضي، وتداخل الصلاحيات بين الجهات المعنية بحسب مختصين، إلى جانب تأثير العوامل الطبيعية، مثل السيول والفيضانات، التي تسهم في إعادة انتشار هذه المخلفات وتهديد المناطق السكنية والزراعية.

تحذير من اتساع الاراضي الملوثة

ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، تنتشر الألغام الأرضية والمخلفات الحربية المتفجرة في العراق على مساحة تُقدَّر بنحو 2,100 كيلومتر مربع، أي ما يعادل قرابة 300 ألف ملعب كرة قدم، ما يجعلها من أخطر التحديات الإنسانية المستمرة في البلاد. وتشكل هذه المخلفات تهديدًا دائمًا لحياة المدنيين، وتعيق عودة العوائل النازحة، وتحدّ من الوصول إلى الأراضي الزراعية، فضلًا عن إبطائها لجهود إعادة الإعمار.

وكانت اللجنة الدولية قد جددت دعوتها للتوعية بالألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام، إلى تكثيف الجهود الوطنية والدولية للحد من التلوث الواسع بالألغام والمخلفات الحربية المتفجرة في العراق، بما يسهم في حماية المدنيين وتقليل المخاطر الانسانية.

السيول تلعب دوراً في تغيير مواقعها

في هذا الصدد، اكد مدير إعلام الدفاع المدني، نؤاس صباح أن المديرية تمتلك قسماً مختصاً بالاستجابة لرفع المخلفات الحربية ومعالجة القنابل والمقذوفات والمتساقطات الجوية، سواء في المناطق السكنية أو المناطق الحدودية، مبيناً أن هذا القسم يؤدي واجبات محددة ضمن إطار التنسيق مع الجهات المختصة.

وقال صباح في حديث لـ "طريق الشعب"، ان "بعض واجبات رفع الألغام وأنواعا محددة من القنابل تقع على عاتق الهندسة العسكرية، فيما يتولى الدفاع المدني مسؤولية رفع المخلفات الحربية والمتساقطات الجوية، مثل القنابل العنقودية وغيرها".

واشار الى أنه "بعد رفع هذه المخلفات يتم تحصينها أو خزنها في غرف آمنة، تمهيداً لإتلافها من قبل الجهات المعنية، وهي وزارة الدفاع، كونها الجهة المختصة بعملية التفجير وإنهاء خطر هذه المواد".

وأضاف أن الدفاع المدني "يواصل جهوده في المناطق الواقعة ضمن الشريط الحدودي الشرقي، حيث تؤدي السيول والفيضانات في كثير من الأحيان إلى جرف وكشف المخلفات الحربية ونقلها من منطقة إلى أخرى، الأمر الذي يستدعي إعادة تطهير هذه المناطق، لا سيما المناطق الرعوية والسياحية والمناطق التي يتردد عليها المواطنون، مع وضع العلامات والأشرطة التحذيرية لمنع دخول المدنيين أو أصحاب المواشي".

وبيّن أن هذه الجهود "تُنفذ بالتعاون مع وزارة البيئة/ إدارة شؤون الألغام، باعتبارها الجهة المسؤولة بالدرجة الأولى عن ملف المخلفات الحربية"، لافتاً إلى أن "الدفاع المدني ينفذ نشاطات مماثلة في عدد من المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية، ومنها البصرة وذي قار والمثنى، إلى جانب محافظات أخرى".

وأشار صباح إلى أن الدفاع المدني "قدّم خلال الأشهر الثلاثة الماضية شهيدين أثناء تنفيذ الواجب، الأول في محافظة البصرة خلال عمليات تطهير مناطق تابعة للشركات النفطية، والثاني في محافظة ذي قار أثناء تنفيذ مسح ميداني وأعمال تطهير مماثلة"، مؤكداً أن "هذه التضحيات تعكس حجم المخاطر التي تواجه فرق الدفاع المدني بهذا الملف".

وختم بالقول إن "صعوبة رصد بعض المخلفات الحربية تعود إلى العوامل الطبيعية، مثل حركة السيول والفيضانات والأمطار، إلا أن الدفاع المدني مستمر بأداء واجبه من أجل حماية أرواح المواطنين وتقليل المخاطر إلى أقصى حد ممكن".

خسائر سنوية بين الأطفال والنساء

من جهته، قال رئيس مؤسسة الحق لحقوق الانسان، عمر العلواني إن ملف المخلفات الحربية والألغام في العراق يُعد من أخطر التحديات الإنسانية المستمرة، مشيراً إلى أن هذه المخلفات تشكّل معضلة حقيقية تتطلب إنشاء هيئة متخصصة تتولى معالجتها بشكل مهني ومنهجي، أسوة بالدول التي شهدت حروباً واقتتالاً وتمكنت لاحقتً من معالجة هذا الإرث الخطير.

وقال لـ"طريق الشعب"، إنّ "غياب الإجراءات الواضحة وتداخل الصلاحيات بين الجهات الرسمية وغير الرسمية أسهما في تعقيد الملف وإضعاف فاعلية المعالجة"، لافتاً إلى أن "هذا الموضوع لا يحظى بالأولوية المطلوبة رغم خطورته".

وأضاف أن "العراق يسجل سنوياً خسائر بشرية، لا سيما بين الأطفال والنساء، نتيجة انفجار الألغام والمخلفات الحربية"، مؤكدًا أنه لا تمر سنة "دون تسجيل ضحايا جدد، في ظل ضعف الاهتمام الاعلامس والمؤسساتي بهذه الحوادث، إذ نادراً ما تحظى إلا حالات محدودة بالتغطية أو المتابعة الجدية".

وأوضح العلواني أن المشكلة "لا تكمن في تعقيد الملف بحد ذاته، بل في تعقيد الإجراءات والآليات غير الواضحة، وغياب الإرادة الحقيقية لمعالجته كأولوية وطنية"، مبيناً أن "العديد من الجهات غير الرسمية، بما فيها منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية، تعمل في هذا المجال لكنها تواجه نقص التعاون والتسهيلات، خاصة في المناطق المحررة".

وختم العلواني بالقول: “نأمل أن يحظى ملف المخلفات الحربية باهتمام حقيقي من الجهات الرسمية، وأن تُخصص له الأموال الكافية، بما يسهم في وقف نزيف الدم المستمر، ولا سيما أن بعض هذه المخلفات يعود إلى حروب الثمانينيات، وما زال يحصد أرواح الأبرياء حتى اليوم.