تعتبر محافظة ميسان من المحافظات الغنية بالموارد النفطية والزراعية، حيث يصل إنتاجها النفطي إلى 300 ألف برميل يومياً، بعائدات تقدّر بنحو 4.5 مليار دولار. ومع ذلك، لا يزال سكان المحافظة يواجهون تحديات يومية للحصول على الخدمات الأساسية.
وتعاني البنى التحتية في ميسان من تأخر مستمر، والمشاريع المتوقفة أو المنفذة جزئياً تعكس ضعف التخطيط والبيروقراطية، فيما يشكو الأهالي من نقص في الخدمات الصحية والتعليمية والكهرباء والمياه. ويشير ناشطون إلى أن الفساد الإداري والمالي أصبح العائق الأكبر أمام أي جهود تنموية، ما يضع المحافظة في دوامة من الحرمان رغم ثرواتها الكبيرة.
مسؤول محلي يستعرض المنجزات
يقول قائمقام قضاء الكحلاء علي الشبوط، أن المحافظة شهدت في الآونة الأخيرة حركة إعمار واضحة شملت قطاعات التربية والصحة والبلديات والطرق والجسور، مشيرا إلى أن عددا من المشاريع المتلكئة منذ سنوات، خصوصا مشاريع المجسرات، جرى استئناف العمل بها وإكمال بعضها وإدخاله للخدمة، بينما تستمر الأعمال في مشاريع أخرى. كما يشير إلى تخصيصات منحها رئيس الوزراء للمحافظة استثمرت في مشاريع خدمية داخل مركز المحافظة وفي الأقضية، حيث باشرت العديد منها العمل بالفعل، فيما تستكمل الإجراءات الإدارية والمالية للبقية.
وعلى مستوى قضاء الكحلاء، يوضح الشبوط لـ"طريق الشعب"، أن خطة تنمية الأقاليم لعام 2023 تضمنت عددا من المشاريع التي وصل بعضها إلى مراحل متقدمة من الإنجاز، مثل مشروع التبليط في حي النهضة الذي قيد التسليم، وتبليط السايد الثاني في قرية صالح وقرية سدة ونزلات قرية أم عظيمات، إضافة إلى مشاريع طرق خارجية وهدم وإعادة إنشاء جسر الكحلاء القديم الذي بلغت نسبة إنجازه أكثر من 90 في المائة بانتظار اللمسات النهائية. كما بلغ مشروع تطوير مدخل الكحلاء باتجاه قلعة صالح أكثر من نصف مرحلته التنفيذية، إذ تتم حاليا أعمال صب الشوارع.
ويشير إلى مشاريع تأهيل الشبكة الكهربائية في عدد من الأحياء والقرى، بينها حي الشهداء وصدرين والصادق والنهضة وقرى بيشنجا والملبس وغزة وغيرها، حيث وصلت نسب الإنجاز إلى نحو 85 في المائة. وعلى صعيد قطاع الكهرباء، جرى تجهيز ونصب محطة المعين المتنقلة وإنشاء المغذي بطول 15 كيلومترا لتغذيتها.
ويستعرض الشبوط مشاريع مؤسسات الدولة في القضاء، منها دار القضاء الجديد الذي اكتمل ودخل الخدمة قبل نحو شهرين، إضافة إلى مدرسة من 18 صفا في حي السراي لا تزال قيد العمل، ومشروع إنشاء مركز شرطة في حي الأحرار الذي وصل إلى مرحلة صب الهيكل. كما يجري تنفيذ مشروع شبكة مجاري وأمطار حي المعلمين بنسبة إنجاز تصل إلى 80 في المئة.
أما في إطار مشاريع المنافع الاجتماعية، فهناك مشروع لتبليط الطرق الريفية بطول 70 كيلومترا يخدم قرى عديدة، إضافة إلى مشاريع مقترحة أخرى رفعتها الإدارة المحلية وتنتظر الإعلان عنها. كما صودق على عدد من مشاريع 2024 من قبل مجلس المحافظة وجرى رفعها إلى الوزارات، غير أن وزارة المالية لم تصادق عليها حتى الآن بسبب التحديات المالية، رغم كونها مشاريع حيوية تشمل قطاعات الماء والكهرباء والمدارس.
ويؤكد الشبوط أن واحدة من أكبر المشكلات التي يعاني منها القضاء هي أزمة المياه الصالحة للشرب، إذ تسبب جفاف الأنهار والأهوار في خروج معظم مجمعات الماء خارج مركز المدينة عن الخدمة بالكامل، ما اضطر الإدارة إلى الاعتماد على الحوضيات لإيصال المياه إلى القرى، وهو حل مؤقت يعاني صعوبات كبيرة بسبب قلة الآليات واتساع الرقعة السكانية.
أما المشاريع الوزارية المتلكئة، فيشير الشبوط إلى أن أبرزها محطة كهرباء 132 KV، حيث اكتمل الجزء الأول المتعلق بالأبراج، فيما لم تُجهّز المحطة نفسها حتى الآن، إضافة إلى توقف مشروع ملعب الكحلاء بسعة 2000 متفرج منذ الأزمة المالية عام 2014، وكذلك مشاريع أخرى مثل مصرف الرافدين في الكحلاء ومدرسة الشهيد الابتدائية، وجميعها متوقفة بانتظار استئناف التمويل.
وفي الجانب الصحي، يوضح الشبوط أن عددا من البيوت الصحية في القرى أُغلِق بسبب نقص الكوادر، بينها بيت صحي طريق البحاثة وبيت صحي قرية الشويلات وقرية الاعتماد، ورغم مطالبات الأهالي بإعادة تشغيلها، فإن عدم توفر الملاكات الطبية حال دون ذلك.
ويتابع الشبوط بالتأكيد على أن المحافظة تسعى لتجاوز هذه العقبات، وأن الكثير من المشاريع الجاهزة تنتظر التمويل الحكومي لاستكمالها، بينما تستمر الإدارة المحلية في متابعة ما هو قيد التنفيذ لضمان إنجازه بالشكل الذي يخدم المواطن الميساني ويفي باحتياجاته الأساسية.
لا مستشفيات ولا مدارس
ويتحدث مجتبى الأهواي، ناشط سياسي، من أبناء المحافظة عن حجم التراجع الكبير في البنى التحتية، ولا سيما في ناحية المشرح التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسين ألف نسمة، لكنها ما تزال رغم اتساعها بلا مستشفى. "هناك مستوصف صغير يفتقر إلى الكوادر الطبية المتخصصة والإمكانات الأساسية، على الرغم من المطالبات المتكررة للأهالي والاحتجاجات الشعبية التي لم تُثمر حتى اليوم عن إنشاء مستشفى يخدم المنطقة".
ويقول الاهواري لـ"طريق الشعب"، ان العديد من مناطق وقرى وأرياف أخرى داخل حدود الناحية والمحافظة تُحرم حتى من وجود مستوصف بسيط، فضلًا عن شح الكوادر الطبية والعلاجات، ما يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز صحية في مناطق أخرى".
ويشير الأهواري إلى جانب آخر لا يقل خطورة، يتمثل في تدهور القطاع التعليمي. فبعض المناطق التابعة لناحية بني هاشم، على سبيل المثال، تضم تجمعات سكانية كبيرة لا تتوفر فيها مدارس إعدادية، فضلًا عن قلة المدارس الابتدائية والمتوسطة وعدم كفاية البنى التحتية التعليمية لاستيعاب أعداد الطلبة، ما يعمّق من مشكلة التسرب الدراسي ويحد من فرص العمل أمام الشباب.
أما على مستوى البنى التحتية العامة، فيؤكد أن الطرق الرئيسية في ناحية المشرح ما تزال تعاني من التلكؤ، إذ تتوقف مشاريعها أو تُنجز بوتيرة بطيئة، في مشهد يتكرر في عموم ميسان التي تضم عشرات المشاريع المتوقفة أو المتلكئة. ويضرب مثالًا على ذلك نفق الديبسات الذي لم يُستكمل إلا مؤخرا بعد تأخر دام أربعة عشر عاما، ليبقى شاهدا على سوء التخطيط والبيروقراطية وضعف التنفيذ.
القطاع الخدمي على حافة الانهيار
من جهته، قال الباحث الاقتصادي والناشط حيدر العلوي إن المحافظة تعيش منذ سنوات في "دوامة مزمنة من تردي الخدمات الأساسية نتيجة سوء الإدارة واستمرار شبكات الفساد التي تعيق أي محاولة للإصلاح".
وأضاف العلوي لـ"طريق الشعب"، أن "القطاعات الخدمية في ميسان وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، سواء في الكهرباء أو المياه أو الصحة أو التعليم، وهو ما يعمّق الفجوة بين الناس والحكومة المحلية.
وأشار العلوي إلى أن "مشاريع البنى التحتية تُعلن ثم تتوقف أو تنفذ بنسب متدنية لا تعكس الميزانيات المرصودة لها، الأمر الذي يثير أسئلة جدية عن آليات الصرف والرقابة، خصوصاً مع تكرار الملفات نفسها كل عام دون أي محاسبة
وأكد أن "الفساد الإداري والمالي أصبح المعرقل الأبرز لأي عملية تنموية، إذ يتم ترسية العديد من المشاريع على شركات غير مؤهلة، أو تُدار بعقود شكلية، بينما يدفع المواطن الثمن من خلال الخدمات المتدهورة ونقص الكوادر والتجهيزات.
وتابع العلوي بالقول: "ميسان تمتلك كل المقومات لتكون من أفضل المحافظات في العراق، لكن استمرار غياب التخطيط الحقيقي وتفشي الفساد يجعل الواقع أكثر صعوبة. المطلوب اليوم ليس إطلاق وعود جديدة، بل فتح ملفات الهدر بشفافية، وإشراك المجتمع المحلي في مراقبة الأداء لضمان إعادة بناء الثقة وتحسين حياة الناس".
وتعد محافظة ميسان، وخصوصا أقضية ونواحي الجنوب، من المناطق التي تتكرر فيها النزاعات العشائرية، بسبب غياب الحلول الجذرية لملف الأراضي والنزاعات القديمة، فضلا عن الانتشار الواسع للسلاح خارج إطار الدولة، رغم حملات نزعه، التي تنفذها الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر.
تداعيات النزاعات العشائرية
قال الناشط المدني في مجال حقوق الإنسان على احمد، إن النزاعات العشائرية المتصاعدة في محافظة ميسان باتت تشكل "تهديداً مباشراً للأمن المجتمعي والاقتصاد والبنية التحتية"، مؤكداً أن استمرارها بهذه الوتيرة "ينذر بمزيد من الفوضى ويقوّض فرص التنمية والاستثمار في المحافظة".
وأضاف احمد في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن "انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وتحوله إلى وسيلة لحسم الخلافات، أدى إلى تعطيل مشاريع خدمية واقتصادية مهمة، وإرغام المقاولين والشركات على وقف أعمالهم أو مغادرة المحافظة خوفاً من الاستهداف"، مشيراً إلى أن "هذا الواقع خلق بيئة طاردة للاستثمار، وحرم آلاف المواطنين من فرص العمل".
ونبه الى أن النزاعات المتكررة "لا تقتصر أضرارها على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تطال البنية التحتية بشكل مباشر، حيث أُجبر عدد من الجهات الحكومية على تعليق العمل في مشاريع الطرق والجسور والصرف الصحي، إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي تلحق بشبكات المياه والري والخدمات الصحية والتعليمية في المناطق التي تشهد اشتباكات".
وبيّن أن "ضعف سلطة الدولة وغياب الإجراءات الرادعة، مع تداخل النفوذ السياسي والفصائلي، ساهم في اتساع رقعة النزاعات"، مؤكداً أن بعض الجهات "تتدخل لفرض نفوذها على مؤسسات الدولة، ما يعقّد جهود الحل ويُربك القرارات الأمنية والإدارية".
وتابع قائلاً ان "تفاقم الفساد داخل بعض المؤسسات جعل من الصعب تطبيق القانون أو محاسبة المتسببين بالنزاعات، الأمر الذي شجع على استمرار ثقافة الإفلات من العقاب، وعمّق الانقسامات الاجتماعية والتخندقات العشائرية".
ودعا ... الحكومة إلى "إطلاق خطة أمنية – اجتماعية شاملة"، تعتمد على جمع السلاح غير المرخص، وتعزيز سلطة القانون، ودعم مبادرات الصلح العشائري المنظمة، مع توفير حماية حقيقية للمستثمرين والمقاولين، لضمان عودة العمل في المشاريع المتوقفة.
واختتم احمد حديثه بالقول: "لا يمكن لميسان أن تتقدم أو تنعم بالاستقرار ما دامت النزاعات تُدار بمنطق السلاح، وعلى الدولة أن تتحرك سريعاً قبل أن تتحول هذه الظاهرة إلى خطر يهدد مستقبل المحافظة بأكملها".